قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

معنى القلب في القرآن

السيد محمد حسين الطباطبائي

إن المراد بالقلب هو الإنسان بمعنى النفس والروح ، فإن التعقل والتفكر والحب والبغض والخوف وأمثال ذلك وإن أمكن أن ينسبه أحد إلى القلب باعتقاد أنه العضو المدرك في البدن على ما ربما يعتقده العامة كما ينسب السمع إلى الأذن والإبصار إلى العين والذوق إلى اللسان ، لكن الكسب والاكتساب مما لا ينسب إلا إلى الإنسان البتة.

ونظير هذه الآية قوله تعالى : {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة : 283] ، وقوله تعالى : {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق : 33].

والظاهر : أن الإنسان لما شاهد نفسه وسائر أصناف الحيوان وتأمل فيها ورأى أن الشعور والإدراك ربما بطل أو غاب عن الحيوان بإغماء أو صرع أو نحوهما ، والحياة المدلول عليها بحركة القلب ونبضانه باقية بخلاف القلب قطع على أن مبدأ الحياة هو القلب ، أي أن الروح التي يعتقدها في الحيوان أول تعلقها بالقلب وإن سرت منه إلى جميع أعضاء الحياة ، وأن الآثار والخواص الروحية كالإحساسات الوجدانية مثل الشعور والإرادة والحب والبغض والرجاء والخوف وأمثال ذلك كلها للقلب بعناية أنه أول متعلق للروح ، وهذا لا ينافي كون كل عضو من الأعضاء مبدأ لفعله الذي يختص به كالدماغ للفكر والعين للإبصار والسمع للوعي والرئة للتنفس ونحو ذلك ، فإنها جميعا بمنزلة الآلات التي يفعل بها الأفعال المحتاجة إلى توسيط الآلة.

وربما يؤيد هذا النظر : ما وجده التجارب العلمي أن الطيور لا تموت بفقد الدماغ إلا أنها تفقد الإدراك ولا تشعر بشيء وتبقى على تلك الحال حتى تموت بفقد المواد الغذائية ووقوف القلب عن ضربانه.

وربما أيده أيضًا : أن الأبحاث العلمية الطبيعية لم توفق حتى اليوم لتشخيص المصدر الذي يصدر عنه الأحكام البدنية أعني عرش الأوامر التي يمتثلها الأعضاء الفعالة في البدن الإنساني ، إذ لا ريب أنها في عين التشتت والتفرق من حيث أنفسها وأفعالها مجتمعة تحت لواء واحد منقادة لأمير واحد وحدة حقيقية.

ولا ينبغي أن يتوهم أن ذلك كان ناشئًا عن الغفلة عن أمر الدماغ وما يخصه من الفعل الإدراكي ، فإن الإنسان قد تنبه لما عليه الرأس من الأهمية منذ أقدم الأزمنة ، والشاهد عليه ما نرى في جميع الأمم والملل على اختلاف ألسنتهم من تسمية مبدأ الحكم والأمر بالرأس ، واشتقاق اللغات المختلفة منه ، كالرأس والرئيس والرئاسة ، ورأس الخيط ، ورأس المدة، ورأس المسافة ، ورأس الكلام ، ورأس الجبل ، والرأس من الدواب والأنعام ، ورئاس السيف.

فهذا - على ما يظهر - هو السبب في إسنادهم الإدراك والشعور وما لا يخلو عن شوب إدراك مثل الحب والبغض والرجاء والخوف والقصد والحسد والعفة والشجاعة والجرأة ونحو ذلك إلى القلب ، ومرادهم به الروح المتعلقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته ، فينسبونها إليه كما ينسبونها إلى الروح وكما ينسبونها إلى أنفسهم ، يقال : أحببته وأحبته روحي وأحبته نفسي وأحبه قلبي ثم استقر التجوز في الاستعمال فأطلق القلب وأريد به النفس مجازًا كما ربما تعدوا عنه إلى الصدر فجعلوه لاشتماله على القلب مكانا لأنحاء الإدراك والأفعال والصفات الروحية.
وفي القرآن شيء كثير من هذا الباب ، قال تعالى : {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } [الأنعام : 125] ، وقال تعالى : {أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ } [الحجر : 97] ، وقال تعالى : {وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب - 10] ، وهو كناية عن ضيق الصدر ، وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران : 119]، وليس من البعيد أن تكون هذه الإطلاقات في كتابه تعالى إشارة إلى تحقيق هذا النظر وإن لم يتضح كل الاتضاح بعد .

وقد رجح الشيخ أبو علي بن سينا كون الإدراك للقلب بمعنى أن دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة فللقلب الإدراك وللدماغ الوساطة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد