قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إيمان شمس الدين
عن الكاتب :
باحثة في الفكر الديني والسياسي وكاتبة في جريدة القبس الكويتية

شخصية المرأة بين التأسيس القرآني والواقع الإنساني (3)

 

ولكن ما هو دور المرأة في المجتمع الإنساني كما يراه الإسلام؟

دور المرأة في بناء المجتمع على ضوء الشريعة الإسلامية

 

وقبل تسليط الضوء على دورها علينا أن نسلط الضوء على تعريف المجتمع، سواء بمفهومه العام أو مفهومه الخاص بالإسلام.

جاء في كتاب دور المرأة في بناء المجتمع بهذا الصدد: “المجتمع: هو تلك الهيئة الإنسانية المكوّنة من أفراد تربط بينهم روابط عقيديّة ومصالح حيويّة محدّدة. وإذا كان هذا هو تعريف المجتمع بصورة عامّة، فإنّ المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي تبنى فيه الروابط والعلاقات وتنظّم المصالح فيه على أساس الإسلام. ويمكننا أن نعرِّف المجتمع الإسلامي بأنّه: “كل جماعة سياسية مستقرّة في بقعة من الأرض تؤمن بالإسلام، وتقيم علاقاتها ونظام حياتها على أساس الإسلام”. فالمجتمع الإسلامي مجتمع عقائدي له خصائصه وصفاته المميّزة له عن غيره من المجتمعات، فهو مجتمع يتميّز بأفكاره وقيمه وأخلاقه وقوانينه ونظم حياته وسلوكه وأعرافه.

ولقد لخّص القرآن الكريم تلك الصفات والميّزات بقوله: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾[35].

وعرف أيضًا على أنه “هو مجموعة من الأفراد والجماعات تعيش في موقع جغرافي واحد وتربط بينها علاقات اجتماعية وثقافية ودينية. ومن ذلك نجد أن العناصر التي تكّون المجتمع تتمثل في:

•       إدراك أفراد المجتمع وشعورهم بأنهم يكوّنون وحدة واحدة.

•       نطاق جغرافي يجمع أفراد المجتمع وجماعاته.

•       وجود نظام يسمح لأعضاء المجتمع بالتعبير عن آرائهم.

•       تمكّن المجتمع من إشباع الاحتياجات الأساسية لأفراده إلى حد ما.

•       وجود سلوكيات اجتماعية داخله مثل التعاون، التكافل والصراع.

•       بناء اجتماعي خاص به”[36].

وتعريف المجتمع من المنظور القرآني بأنه هو التجمع التلقائي للأفراد في الحيز الجغرافي ضمن السياق التاريخي المحكوم بالنظام واللغة والدين والشعور الجمعي المشترك الآني والمستقبلي”[37].

إذًا الفرد يعتبر من أهم مكونات هذا المجتمع، بغض النظر عن كونه أنثى أو ذكرًا. سواء في المجتمع الإسلامي أو أي مجتمع آخر. ودور الفرد في بناء المجتمع دور محوري ورئيسي لأنه يمثل اللبنة الأساسية في هذا البناء. وتختلف الوظائف في المجتمع باختلاف الأفراد وقدراتهم وقابلياتهم، لذلك نجد أن الإسلام أولى أهمية كبيرة للعلم واعتبره من المقومات الأولى في بناء أي مجتمع بناءً إيجابيًّا وقويًّا. فأول آية نزلت من القرآن هي اقرأ.

 

فعناصر بناء المجتمع هي:

“إنّ العلاقة بين الأفراد في الحياة الاجتماعية كالعلاقة بين حروف اللّغة، فما لم تجتمع تلك الحروف، وتنتظم العلاقة بينها، لا تحصل البنية اللّغوية العامّة التي تحمل الفكر الإنساني، وتُصوِّر المشاعر والحياة الإنسانية بأجمعها. وهكذا الأفراد الأحاديون لا يتحوّلون إلى صيغة إنسانية وتشكيل نسمِّيه مجتمعًا، له وجوده وكيانه المتميِّز عن وجود وكيان الأفراد، وله هويّته ومشخّصاته إلّا إذا ترابط أفراده بروابط، وانتظموا بعلاقات تنظم نشاطهم وسلوكهم، وهذه الروابط والعلاقات هي التي أسميناها عناصر بناء المجتمع وهي:

1ـ العقيدة: تعتبر رابطة العقيدة من أقوى الروابط الإنسانية التي تربط أفراد المجتمع، وتحوِّلهم إلى وحدة متماسكة كالجسد الواحد، كما عبّر عنها الحديث النبوي الشريف بنصّه: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى”[38].

فللعقيدة آثارها وانعكاساتها النفسية والعاطفية والسلوكية العملية في العلاقات الإنسانية جميعها، تمتد آثارها من البناء إلى الإصلاح والحفاظ على البنية الاجتماعية؛ لذا نجد القرآن الكريم يوضِّح هذه الرابطة بقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[39]. فتلك الآية المباركة تثبت مبدأ الولاء بين المؤمنين والمؤمنات بالله سبحانه ورسالته، وتثبت قاعدة فكرية ونفسية من أقوى قواعد البناء الاجتماعي، وفي هذه الرابطة تدخل المرأة عنصرًا أساسًا مشخّصًّا في نصّ الآية الكريمة.. تدخل في دائرة الولاء، وتتحمّل مسؤولية البناء والتغيير والإصلاح الاجتماعي، كما يتحمّل الرّجل بشكل متعادل، ويظهر ذلك جليًّا واضحًا في النص القرآني الآنف الذكر. وبذا تحتل المرأة الموقع ذاته في هيكليّة البنية الاجتماعية وتحمّل المسؤولية من خلال رابطة الولاء للأفراد والمجتمع بجنسيه الذكري والأنثوي.

 

2ـ القوانين والأنظمة: يُعَرَّف القانون بأنّه: “مجموعة القواعد المنظِّمة لسلوك الأفراد في المجتمع، والتي تحملهم السّلطة العامّة فيه على احترامها، ولو بالقوّة عند الضرورة”[40].

.. فالقانون الاجتماعي هو الأداة والوسيلة التي تنظِّم حركة المجتمع، وتربط أفراده، وتوجِّه اتجاههم ونشاطهم. كما ينظِّم القانون الطبيعي حركة الذرّة والكواكب… إلخ، وبدون القانون لا يمكن أن تبنى الهيئة الاجتماعية أو تتطوّر. والقانون الإسلامي هو القانون المستنبط من القرآن الكريم والسنّة المطهّرة لتنظيم المجتمع الإسلامي وفق الرؤية والمقاصد الإسلامية، لتكون معالجته قائمة على أسس علمية؛ لذا راعى الطبيعة النفسية والعضوية لكل من الرّجل والمرأة. وتأسيسًا على هذا المبدأ العلمي فإنّ القانون الإسلامي يقسم إلى ثلاثة أقسام هي:

أ. قوانين وأحكام تخص المرأة

ب. قوانين وأحكام تخص الرجل

ج. قوانين وأحكام عامة تنطبق على الرجل والمرأة جميعًا، وهي المساحة الواسعة من القانون والأحكام الإسلامية. وهذا النمط من التنظيم المراعي للجنس، يفرض على المرأة كما يفرض على الرّجل أن يتحرّك وينشط في مساحتين من الحركة والنشاط؛ الأولى خاصّة بجنسه ووضعه الجنسي، والثانية تشمل المجتمع بكامل بنيته وتكوينه.

3 ـ الأعراف والتقاليد الإسلاميّة: وللمجتمع الإسلامي أعرافه وتقاليده التي تشكِّل عنصرًا أساسًا من عناصر بنائه المميّزة له، والتي يجب الحرص عليها وتركيزها للحفاظ على معالمه.

4.     الحاجة إلى الخدمات وتبادل المنافع (الإنتاج): لقد وضح لدينا من خلال الآية الكريمة: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[41]، أنّ الحاجة إلى الآخرين هي الدافع الأساس لدخول الفرد في تجمّع الأفراد وتكوين البنية الاجتماعية، ليدخلوا عملية تبادل المنافع، كما تتبادل الأحياء والطبيعة المنافع في بيئتها الطبيعية الخاصّة، فيوفِّر الفرد من خلال ذلك حاجته الفردية، وليسهم في تكامل الحياة البشرية. ونتيجة لتطوّر متطلّبات الفرد والجماعة، واختلاف الأفراد من الرّجال والنساء، في القدرات والميول والإمكانات العقليّة والجسدية والنفسية والإرادية، فقد نشأ التخصّص الوظيفيّ في المجتمع بشكل عفوي تارة، وباختيار الفرد وظيفته الاجتماعية، أي نوع العمل الذي يؤديه في المجتمع، كالزراعة أو الطب أو التجارة أو التعليم تارة أخرى… إلخ، أو مخطّطًا تخطيطًا مركزيًّا من قِبَل الدولة الإسلامية تارة ثالثة المسؤولة عن تنظيم المجتمع، وتوجيه طاقاته، لإشباع حاجات الأفراد، وحلّ المشاكل الناجمة عن الحاجة بشتّى ألوانها[42].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[35] سورة البقرة، الآية 138.

[36]  دليل الممارس التنموي في تكوين وإدارة المنظمات الطوعية.

[37] مجلة الوعي الإسلامي بقلم الكاتب: الدكتور/ أحمد عيساوي – الجزائر.

[38] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب 27.

[39] سورة التوبة، الآية 71.

 [40]الدكتور أنور سلطان، المبادئ القانونية العامّة، الصفحة 16.

[41] سورة الزخرف، الآية 32.

[42]دور المرأة في بناء المجتمع، مصدر سابق.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد