قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشهيد مرتضى مطهري
عن الكاتب :
مرتضى مطهّري (1919 - 1979) عالم دين وفيلسوف إسلامي ومفكر وكاتب شيعي إيراني، هوأحد أبرز تلامذة المفسر والفيلسوف الإسلامي محمد حسين الطباطبائي و روح الله الخميني، في 1 مايو عام 1979، بعد أقل من ثلاثة أشهر على انتصار الثورة الإسلامية، اغتيل مرتضى مطهري في طهران إثر إصابته بطلق ناري.

هـل القرآن قابل للفهم؟

عند تحليل القرآن ودراسته، فإن أول سؤال يطرح نفسه هو؛ هل أن القرآن قابل للفهم والدراسة؟ وهل بالإمكان التفكير والتدبير في قضايا القرآن ومسائله؟ أم أن هذا الكتاب لم يُعرض أساساً للمعرفة بل للتلاوة والقراءة أو الثواب والتبرك والتيمن؟

يحتمل أن نقول في أنفسنا، إنه لا داعي لمثل هذا السؤال، ذلك أن أحداً لا يشك في مسألة أن القرآن كتاب للمعرفة. لكن نظراً للقضايا السلبية التي طرحت في العالم الإسلامي حول مسألة معرفة القرآن، التي لعبت دوراً كبيراً في انحطاط المسلمين، والموجودة جذورها لحد الآن في مجتمعنا، نرى أنفسنا ملزمين باعطاء توضيحات بهذا الخصوص:

ظهر من بين المحدثين في القرون الثلاثة أو الأربعة الماضية، أشخاص كانوا يعتقدون أن القرآن ليس حجة، وكانوا يرفضون ثلاثة مصادر من المصادر الأربعة للفقه التي قدمت من قبل علماء الإسلام بمثابة معيار معرفة المسائل الإسلامية، والتي تتكون من القرآن والشريعة والعقل والإجماع، فبالنسبة للإجماع كانوا يقولون إنه منهج مرفوض، ولا يجوز اتباعه، وفيما يتعلق بالعقل كانوا يقولون إن العقل بسبب أخطائه الكثيرة لا يجوز الاعتماد عليه، وحول القرآن كانوا يدّعون بكل أدب أن القرآن أكبر بكثير من مستوانا نحن الذين نريد مطالعته ونفكر حوله، والرسول والأئمة وحدهم لهم حق التبحر في آيات القرآن، أما نحن فلنا حق التلاوة فقط. تلك الفئة لم تكن سوى فئة الإخباريين.

 

يقول الإخباريون لا يجوز سوى مراجعة الأخبار والأحاديث. يحتمل أن تصيبكم الدهشة إذا علمتم أن هؤلاء كانوا يذكرون في تفاسيرهم الأحاديث إنْ وجدت تحت الآيات، وفي غير هذه الصورة كانوا لا يذكرون الآية، وكأن تلك الآية ليست من آيات القرآن!!

ويشكل هذا الأمر ظلماً بحق القرآن وخروجاً عليه، وواضح أن المجتمع الذي يرفض بهذا الشكل، كتابه السماوي المتمثل بالقرآن ويتجاهله، لن يسير مطلقاً في طريق القرآن.

وفي ما عدا فئة الإخباريين، كانت هناك فئات أخرى تؤكد أن القرآن بعيد عن الناس، من جملتها فئة الأشاعرة التي كانت تعتقد أن معرفة القرآن لا تعني التدبر في القرآن، بل فهم المعاني الحرفية للآيات، وبعبارة أخرى، نقبل ما نفهمه من ظاهر الآيات ولا نعير اهتماماً لباطنها، وفي الحقيقة يؤدي اتخاذ مثل هذا الأسلوب حول القرآن إلى الانحراف والضلالة، ذلك أن هؤلاء كانوا مضطرين لإعطاء معاني الآيات. وبما أنهم أوقفوا حركة العقل، فلم يفهموا القرآن بشكل صحيح، لذلك انحرفوا بسرعة عن طريق الإدراك الصحيح، واكتسبوا اعتقادات باطلة، منها أنهم كانوا يعتقدون بأن الله جسم ومئات أخرى من هذه الاعتقادات مثل إمكانية رؤية الله بالعين والتحدث معه بلغة البشر و… الخ.

 

أمام تلك الفئة التي ابتعدت عن القرآن، ظهرت فئة أخرى استخدمت القرآن وسيلة لتحقيق أهدافها وأغراضها، على سبيل المثال كانت تُؤوِّل آيات القرآن متى ما اقتضت مصالحها، وتنسب إلى هذا الكتاب مسائل لم يتطرق إليها أبداً. وكانت الفئة المذكورة تجيب على الاعتراضات والاحتجاجات المختلفة بالقول، إننا الفئة الوحيدة التي تعلم بباطن الآيات، وما نقوله ينبع أساساً من فهم وإدراك باطن هذه الآيات.

ورجال هذا التيّار في التاريخ الإسلامي هما جماعتان: الإسماعيليون (المسمّون بالباطنيين) والمتصوفون. ويتواجد الإسماعيليون على الأغلب في الهند وإلى حد ما في إيران. أقام هؤلاء حكومة في مصر سُميّت بحكومة الفاطميين ويعتبرون من الشيعة الذين يؤمنون بستة أئمة، وهم في الواقع استناداً إلى إجماع واتفاق جميع علماء الشيعة الاثني عشرية، أكثر ابتعاداً عن التشيع من أي غير شيعي، حتى أن السُنَّة الذي لا يقبلون أي واحد من الأئمة بالشكل الذي يعتقد بهم الشيعة، هم أقرب إلى الشيعة من ما يسمى بشيعة الأئمة الستة.

لقد ارتكب الإسماعيليون بواسطة أفكارهم، خيانات عديدة في التاريخ الإسلامي، ولعبوا دوراً بارزاً في تحريف المسائل الإسلامية.

 

وإذا غضضنا النظر عن الإسماعيليين، نرى أن المتصوفين كانت لهم يد طويلة في تحريف وتأويل الآيات وفق تصوراتهم الشخصية. وهنا نشير إلى نموذج من تفاسير هؤلاء ليتضح أسلوبهم التحريفي، ويطالع القارئ حديثاً مفصلاً عن هذه المسألة.

جاء في القرآن حول قصة النبي إبراهيم وابنه إسماعيل، أن إبراهيم يُؤمَرُ في المنام بذبح ابنه في سبيل الله. تصيبه الدهشة في الوهلة الأولى وبعد أن تكرر المنام توصل إلى اليقين واستسلم لأمر الله وأخبر ابنه بالأمر، فما كان منه إلا أن أطاعه بإخلاص واستسلم للأمر الإلهي(1). كان المقصود بالطبع، الاستسلام لأمر الحق ولهذا السبب عندما استعد الأب وابنه لتنفيذ أمر الله تعالى انطلاقاً من إخلاصهما له، فإن تنفيذ الأمر قد توقف بإذن الله. غير أن المتصوفين كانوا يقولون إن المقصود من إبراهيم هو إبراهيم العقل والمقصود من إسماعيل هو إسماعيل النفس وكان العقل ينوي ذبح النفس!

الواضح أن مثل هذا الاستنتاج يعني التلاعب بالقرآن وتقديم نوع من المعرفة التحريفية. يقول الرسول (ص) حول هذا النوع من الاستنتاجات التحريفية المبنية على الأهواء والرغبات الشخصية والجماعية:  مَنْ فَسَّرَ القُرآنَ برأيهِ فَلْيَتَبوأ مَقْعَده في النارِ. مثل هذا التلاعب بالقرآن يُعدّ خيانة كبرى بحق القرآن.

 

ويقترح القرآن أمام الجمود والتصلب الفكري للإخباريين ونظائرهم، وأمام انحرافات واستنتاجات الباطنيين الباطلة وغيرهم، حلاً وسطاً، ألا وهو التأمل والتدبر اللامغرض والمنصف. فهو يدعو ليس المؤمنين فحسب وإنما المعارضين كذلك، للتعمق بآياته وينصحهم بالتفكير حول تلك الآيات بدلاً من الوقوف بوجهها. يقول لمعارضيه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.(سورة محمد - الآية 24)

ويقول في آية أخرى: ﴿كَتابٌ أنْزَلْناه إليكَ مُباركٌ﴾.(سورة ص - الآية 29)

لماذا؟ ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾. فالقرآن لم ينزل لِيُقبّل أو ليوضع على الرفوف، بل للتدبر والتفكير في آياته؛ ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾.

 

هذه الآيات وعشرات الآيات الأخرى التي تؤكد على التدبر في القرآن، تسمح كلها بتفسير القرآن، وليس تفسيراً على أساس رغبات وأهواء النفس، بل على أساس الإنصاف والصدق وبدون أي غرض. فعندما نتأمل في القرآن من دون أي غرض فلا حاجة أن نحل جميع مسائله، لأن القرآن من هذه الناحية يشبه الطبيعة، فالطبيعة مليئة بالأسرار والرموز التي لم تحل لليوم ولا يمكن حلها في الظرف الراهن بسبب عدم توفر إمكانيات هذا العمل، غير أن هذه المسائل ستحل في المستقبل. إضافة إلى ذلك يتطلب عند دراسة الطبيعة، أن يطابق الإنسان فكره مع الطبيعة على حالتها، لا أن يبرّر ويفسر الطبيعة حسب ما يريد. والقرآن يشبه الطبيعة فهو كتاب لم ينزل لزمان واحد، وإلا فإن جميع أسراره كانت تُكشف في السابق وكان هذا الكتاب يفقد جاذبيته وطراوته وتأثيره وكما قال النبي محمد (ص) والأئمة، فإنه يمكن دائماً التفكير والتدبر في القرآن واكتشاف مسائل جديدة فيه، ولقد جاء في حديث للرسول الأكرم: مثل القرآن مثل الشمس والقمر يجري مثلهما، أي أنه ليس ثابتاً وذا نمط واحد ولا يستقر في مكان واحد. وأيضاً يقول في مكان آخر: القرآن، ظاهره أنيق وباطنه عميق.

وجاء في كتاب (عيون أخبار الرضا) نقلاً عن الإمام الرضا (ع) أن الإمام سُئِلَ عن سر ازدياد تلاوة القرآن وازدياد طراوته كلما مر زمان على القرآن؟ فأكد الإمام بأن القرآن لم ينزل لزمان دون زمان ولناس دون ناس، ولأن مُنزّله، أي الباري تعالى، أخرجه بشكل يكون في كلِّ زمان متقدماً على الأزمنة والأفكار، برغم الفوارق المشهودة في أساليب التفكير والمعلومات ومساحة الأفكار، وفي نفس الوقت يحتوي في كل مرحلة على عدة مجاهيل لقرائه، ثم أنه يقدم معاني كثيرة ومفاهيم قابلة للإدراك والاستناد ليُشبِع الظرف الزمني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- ﴿يا بُني إني أرى في المنام أني أذْبَحُكَ فانْظر ماذا ترى قالَ يا أبتِ افْعَلْ ما تُؤمَرُ سَتَجدني إنْ شاء الله من الصابرين﴾.(سورة الصافات - الآية 102).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد