احتلّت المرأة مكانة مرموقة في الاإسلام واستأثرت باهتمام خاص في الذكر الحكيم، وحيث إنّ الموضوع مترامي الأطراف، فلنسلط البحث في هذا المقام على الموضوعات التالية:
الأوّل: النظر إلى طبيعتها وتكوينها ونفسيتها.
الثاني: النظر إلى حقوقها.
الثالـث: الواجبات التي تقع على عاتقها.
كلّ ذلك على ضوء القرآن الكريم.
هذه هي العناوين الرئيسة في بحثنا هذا وربما تطرح في ثنايا الكلام أمور أخرى لمناسبة تقتضيها.
الأوّل: النظر إلى طبيعتها وتكوينها ونفسيتها
بزغ نور الإسلام في عصر لم يكن لجنس الأنثى يومذاك أيّ قيمة تذكر في الجزيرة العربية ولا في سائر الحضارات السائدة آنذاك، وكانت البحوث الفلسفية عند الروم واليونان تدور على أنّ الأنثى من جنس الحيوان أو من جنس برزخي يتوسط بين الحيوان والإنسان، وكان الرجل يتشاءم إذا أنجبت امرأته أنثى ويظلّ وجهه مسوداً متوارياً عن أنظار قومه وكأنّها وصمة عارٍ على جبينه قال سبحانه: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [1]
فلم يكن للرجل بد إلاّ وأدُ بناته وقتلهنّ إثر الجهل بكرامة المرأة وفضيلتها ظنّاً منه أنّه يحسن صنعاً، وهذا هو القرآن الكريم يندّد بذلك العمل ويشجبه ويقول: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ [2]
وفي خضَمِّ تلك الأفكار الطائشة نجد القرآن الكريم يصف المرأة بأنّها أحد شطري البنية الإنسانية ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [3] فالأنثى مثل الذكر يشكلان أساس المجتمع دون فرق بينهما.
ومن جانب آخر يرى للأنثى خلقة مستقلة مماثلة لخلقة الذكر دون أن تُشتقّ الأنثى من الذكر، على خلاف ما عليه سفر التكوين في التوراة من أنّ الأنثى خلقت من ضلع من أضلاع آدم، يقول سبحانه شاطباً على تلك الفكرة التي تسرّبت إلى الكتاب الإلهي (التوراة): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [4]
فالنفس الواحدة، هي آدم وزوجها حواء وإليهما ينتهي نسل المجتمع الإنساني، ومعنى قوله: (خَلَقَ مِنْها) أي خلق من جنسها، مثل قولك: الخاتم من فضة أي من جنس الفضة فالزوجان متماثلان ولولا التماثل لما استقامت الحياة الإنسانية.
ويستنتج من هذه الآيات أنّ كلاًّ من الذكر والأنثى إنسان كامل، وليس هناك أي نقص في إنسانية الأنثى وعلى ضوء ذلك فالتفريق بينهما من تلك الناحية لا يبتني على أساس صحيح.
لقد شملت العناية الإلهية الإنسان لما جعلته أفضل الخلائق، وسخرت له الشمس والقمر ولا تختص هذه الكرامة بالذكر فحسب بل شملت أولاد آدم قاطبة قائلاً: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [5]
ولأجل هذه الكرامة العامة جعل الذكر والأنثى في كفة واحدة فمن آمن منهما وعمل صالحاً فهما سيّان أمام اللّه تبارك وتعالى يجزيهما على حدّ سواء قال سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [6]
وممّا يعرب عن موقف القرآن الكريم في خلقة المرأة: هو أنّه جعل حرمة نفس الأنثى كحرمة نفس الذكر وإن قتل واحد منهما يعادل قتل جميع الناس قال سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ ﴾ [7]
فقتل المرأة كقتل الرجل عند اللّه سواء فمن قتل واحداً منهما فكأنّما قتل الناس جميعاً، أفيتصور تكريم فوق ذلك.
وممّا يعرب عن أنّ نظر الإسلام إلى الشطرين نظرة واحدة هو أنّه يتخذ النفس موضوعاً لبعض أحكامه في مجال القصاص دون أن يركز على الذكر، قال سبحانه: ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ ﴾ [8]حتى أنّه سبحانه يصف من لم يحكم على وفق الآية بأنّه ظالم ويقول: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِما أَنْزَل اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُون).
إنّ الرسول يجعل دماء المسلمين في ميزان واحد ويصف ذمة الجميع بأنّها ذمة واحدة ويقول: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم» [9] فالمرأة والرجل يتشاركان في لزوم احترام إيجار كلّ واحد منهما فرداً من المشركين.
نعم مشاركة المرأة والرجل في القصاص لا يلازم مشاركتهما في الدية، لأنّ المعيار في القصاص غير المعيار في الدية، فكلّ من جنى على إنسان يُقتصُّ منه باعتبار أنّ الجاني أعدم إنساناً فيعادل بإعدامه.
وأمّا الدية فالمعيار في تعيينها هو تحديد الخسارة والضرر المادي التي مُنيت بها الأسرة، ولا شكّ أنّ خسارة الأسرة بفقد معيلها الرجل هي أكبر من خسارتها بفقد الأنثى، فلذلك صارت دية المرأة نصف دية الرجل على الرغم من أنّ المصيبة على حد سواء، وهذا لا يعني اختلافهما في الإنسانية.
إلى هنا تبين واقع خلقة كلّ من الرجل والمرأة وأنّهما متماثلان لا يتميز أحدهما عن الآخر في ذلك المجال.
وأمّا ما يرجع إلى الأمور النفسية والروحية عند المرأة والرجل فنقول: لا شكّ ثمة فارق واضح وجلي بين الرجل والمرأة من هذه الزاوية وهي أنّ المرأة جيّاشة العاطفة ملؤها الحنان والعطف واللطافة ولها روح ظريفة حساسة. أودعت يد الخلقة ذلك فيها لتنسجم مع المسؤولية الملقاة على عاتقها، كتربية الأطفال التي ترافقها مشاق ومصاعب جمة لا يتحمّلها الرجل عادة في حين أنّ الرجل يفقد تلك العواطف الجيّاشة، لأنّه خلق لوظائف أخرى تتطلب لنفسها الغلظة والخشونة لتنسجم مع المسؤوليات التي تقع على عاتقه.
فالعواطف الجياشة من جانب إذا تقارنت مع الغلظة والخشونة تصبح الحياة عندها نغمة متوازنة فتكون طرية ومبتسمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] النحل: 58 ـ 59.
[2] التكوير: 8 ـ 9.
[3] الحجرات: 12.
[4] النساء: 1.
[5] الإسراء: 70.
[6] النحل: 97.
[7] المائدة: 32.
[8] المائدة: 49.
[9] مسند أحمد:2|192.
السيد عادل العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العسيّف يوقّع روايته الجديدة (مذكّرات أمل) في سيهات
السيد كامل الحسن: غياب الهدفية في حياة الإنسان
العلم الإلهامي برؤية جديدة
الشيخ عبد الجليل البن سعد: المجتمع الرّشيد
هل خلق آدم للجنّة أم للأرض؟
معنى (الدعاء الملحون)
اختلاف آراء الفلاسفة المادّيّين في حقيقة المادّة
كتاب الدّين والضّمير، تهافت وردّ
عوامل احتمال الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة الحادّة
صراع الإسلام مع العلمانية