قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

مكانة المرأة في القرآن (2)

الثاني: النظر إلى حقوقها في القرآن الكريم

حظيت المرأة في الإسلام بحقوق واسعة، قد بحث عنها الفقهاء في كتبهم في أبواب خاصة لا يمكن لنا الإشارة إلى قليل منها فضلاً عن كثيرها، وإنّما نقتبس بعضها.

نزل القرآن الكريم وكانت المرأة محرومة من أبسط حقوقها حتّى ميراثها، بل كانت كالمال تورث للآخرين، وفي هذا الجو المفعم بإهدار حقوقها قال: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ [1]

وبذلك كسر الطوق الذي أحاط بالمرأة وحال بينها وبين ميراثها في سورة خاصة باسمها ـ أعني سورة النسـاء ـ وهي في ميراثها تارة تعادل الذكر وأخرى تنقص عنه وثالثة تزيد عليه، حسب المصالح المذكورة في محلها.

وما اشتهر بأنّ ميراث المرأة ينقص عن ميراث الرجل دائماً فليس له مسحة من الحقّ بل تتراوح فريضتها بين التساوي والنقصان والزيادة كما هو واضح لمن لاحظ الفرائض الإسلامية، ففيما إذا كان المورّث هو الأب والأمّ فللذكر مثل حظّ الأنثيين، وفيما إذا كان المورث هو الولد فالأمّ والأب متساويان يقول سبحانه: ﴿لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [2]

وإذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فالابنة ترث النصف والزوج الربع، فترث الأنثى ضعف ما يرثه الذكر، قال سبحانه: ﴿فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [3].

إلى غير ذلك من صور الفرائض التي شرحها الفقهاء.

نعم الاختلاف في الميراث تابع لملاكات خاصة يجمعها عنوان الأقربية، ومسؤولية الإنفاق، فالأقرب يمنع الأبعد، كما أنّ من يقع على عاتقه الإنفاق يرث أكثر من غيره.

ومن حقوقها حريتها المالية التي ما بلغ إليها الغرب إلى الأمس الدابر، قال سبحانه: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [4] فأي كلمة أظهر وأرفع من هذه الكلمة حيث أعلن عن استقلالية كلّ من الرجل والمرأة في حقوقهما وأموالهما والاستمتاع بهما.

المهر عطية من الزوج إلى الزوجة وله تأثير في إحياء شخصية المرأة وبقاء علقة الزوجيّة، فإذا تزوّج الرجل على مهر ليس له التنصل عن تعهده فيجب عليه إعطاء ما نحل، قال سبحانه: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [5]

نعم لو وهبت بطيب نفسها جاز للرجل أخذه شأن كلّ هبة كان للواهب فيه رضا قال سبحانه: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾ [6]

إنّ القرآن يندد بزوج يضيق الخناق على زوجته ويسيء معاملتها كي تتنازل بذلك عن مهرها يقول سبحانه: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [7]

ثم ّيؤكد مرّة أخرى بأنّه لو دفع الزوج لها مالاً كثيراً فليس له أخذه منها، يقول سبحانه: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [8]

 

الثالث: الواجبات التي تقع على عاتقها

إنّ التعاون بين أفراد المجتمع الإنساني شرط بقائه، فلو حذفنا التعاون من قاموس المجتمع لانهار، والأسرة مجتمع صغير ولبنة أولى للمجتمع الكبير فلا تقوم حياة الأسرة إلاّ بالتعاون، وحقيقة التعاون عبارة عن أن يكون كلّ واحد له حقّ وعليه حقّ وهذا ما يعبر عنه الذكر الحكيم بكلمة بليغة جامعة لا يمكن أن يباريه فيها أحد قال سبحانه: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ﴾ [9]

فيظهر معنى الآية من خلال النظر إلى الأسرة الإسلامية، فمسؤولية المرأة القيام بالحضانة وتربية الأطفال وليس هذا أمراً سهلاً، لا تقوم به إلاّ الأمّ التي ينبض قلبها بالعطوفة والحنان.

ومن زعم أنّ دور الحضانة تحل محلّ الأمّ في القيام بتلك الوظائف فقد أخطأ ولم يقف على المضاعفات السلبية التي تتركها تلك الدور على حالات الأطفال النفسية.

وفي مقابل تلك الحقوق ثمة حقوق للرجل لابدّ له من القيام بما تحتاج إليه المرأة في حياتها الضرورية والكمالية فيشير القرآن إلى تلك المسؤولية الكبيرة على عاتق المرأة بقوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ.﴾

كما يشير إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الرجل بقوله: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾ [10]

فكلّ من الزوجين يسعى في إقامة دعامة الأسرة، وبذلك تكون الزوجة عوناً للزوج، والزوج عوناً للزوجة، ويكون العيش بينهما رغيداً طيباً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] النساء: 7.

[2] النساء: 11.

[3] النساء: 12.

[4] النساء: 30.

[5] النساء: 4.

[6] النساء: 4.

[7] النساء: 19.

[8] النساء: 20.

[9] البقرة: 228.

[10] البقرة: 233.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد