قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

نزول القرآن نجومًا، سورة سورة

قال تعالى: (وقرآناً فرقناه؛ لتقرأه على الناس على مكث، ونزلناه تنزيلًا) (1). فهذه الآية قد دلت: على أن القرآن قد نزل مفرقاً، وأن رسول الله (ص) قد قرأه على الناس، في مدة زمان متطاولة.. نعم.. وهذا هو الثابت تاريخياً أيضاً؛ فإنه كان ينزل عليه الشيء بعد الشيء، كلما لزم الأمر، واقتضته المناسبة.

 

لكن يبقى علينا أن نعرف: هل إنه نزل مفرقاً بصورة عشوائية، ثم جمع ما نزل بصورة عشوائية أيضاً، دخلت هذه الآية، أو الآيات المدينة في تلك السورة المكية، وبالعكس؟! أي أنه دخل المتقدم في المتأخر، والمتأخر في المتقدم.. قليله وكثيره إلخ.. أم أنه نزل تدريجاً على شكل سور، بأن نزلت كل سورة على حدة؟.. أو أنه نزل تدريجاً، ودوّن تدريجاً كذلك؟! أم ماذا؟

 

الجواب: إن الذي نراه: هو أن معظم القرآن قد نزل سورة سورة، حتى بعض السور الطوال أيضاً، كسورة الأنعام والمائدة، والتوبة، مثلاً.. نعم.. سورة البقرة، وربما غيرها من السور الطوال، قد نزلت تدريجاً.. بمعنى أنه ابتدأ نزولها، فنزل منها قسم في يوم، ثم لحقه قسم آخر في يوم آخر، وهكذا إلى أن نزلت بسم الله الرحمن الرحيم، فعلم انتهاء السورة السابقة، وابتداء سورة جديدة، حسبما صرحت به بعض الروايات، الواردة عن عثمان، وعن ابن عباس، وسعيد بن جبير (2). وعن أبي عبدالله (ع) أيضاً.. (3).

 

ونسب القرطبي إلى الصحابة (4): أنهم كانوا يعلمون انتهاء السورة، وابتداء غيرها، بنزول بسم الله الرحمن الرحيم. فيكون نزول السورة مستمراً إلى أن تنزل البسملة: وبذلك يعلم عدم صحة رواية الشعبي، التي تقول: إنه صلّى الله عليه وآله كان يكتب أولاً: باسمك اللهم كأهل الجاهلية -، فلما نزل بسم الله مجراها ومرساها، كتب: بسم الله. ثم نزل: ادعوا الله، أو ادعوا الرحمن؛ فكتب: بسم الله الرحمن، فلما نزل: إنه من سليمان، وإنه: بسم الله الرحمن الرحيم، فكتبها (5).

 

أضف إلى ذلك كله.. أننا لا نتعقل أن يبدأ نزول سورة، فتنزل منها آيات، ثم يتوقف عنها، فتنزل عشرات السور غيرها، ثم يعود بعد سنوات إلى السورة الأولى، فيكملها!! كما أننا لا نتعقل أن تنزل آية، أو آيات اليوم، فيتركها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، على حدة، إلى أن تمضي سنوات، وتنزل سور كثيرة، ثم يجعلها في سورة أنزلت حديثاً.

 

نعم يمكن أن تنزل عليه آية أو آيات فعلاً، فيأمر بوضعها، ضمن سورة سبق نزولها، لكن هذا.. لا دليل عليه إلا بعض ما ورد في موردٍ أو موردين من هذا القبيل...

 

ولعل ترتيب علي عليه السلام لمصحفه، حسب النزول، يلقي ظلالاً من الشك على صحة حتى هذا المورد.. فضلاً عن أن يكون ذلك من عادته وديدنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذ لو كان (ص) يأمر بذلك لم يكن معنى لترتيبه (ص) القرآن حسب النزول ولا كان من حقه ذلك أيضاً.

 

ولعله يمكن الاستدلال على ما نذهب إليه أيضاً  بقوله تعالى:  (..سورة أنزلناها وفرضناها) (6).

 

وقوله تعالى: (..وإذا ما أنزلت سورة؛ فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً) (7).

 

وعبارة إذا ما أنزلت سورة قد وردت في عدة آيات.. وقد يؤيد ذلك قوله تعالى أيضاً: (فأتوا بسورة من مثله) وغير ذلك من آيات. ولكن يمكن أن يردّ على هذا بأنه تعالى إنما يخبر عن حالهم حين إنزال السورة، وأما أن هذا الإنزال كان دفعة أو تدريجاً، فليس في الآية ما يدل على ذلك.. وكذا الحال بالنسبة لآية سورة النور أيضاً.. ولكننا لا نرى هذه المناقشة سليمة، ولا تامة، فإن الذين يقولون هذا القول، إنما يقولونه بالنسبة لما ينزل أمام أعينهم، ولا ينتظرون إلى تمام نزول السورة في أوقات متباعدة. إلا أن يكون قد أطلق لفظ سورة، وأراد بها حتى ما يعم الآية ولكنه احتمال بعيد، ويحتاج إلى إثبات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإسراء / 106.

(2) راجع: الدر المنثور ج 1 ص 7 وج 3 ص 208 عن أبي داود، والبزار، والدار قطني في الإفراد، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في المعرفة وفي شعب الإيمان، وفي السنن الكبرى، وعن أبي عبيد، والواحدي، وفتح الباري ج 9 ص 39 وتفسير القرآن العظيم ج 1 ص 16 ونيل الأوطار ج 2 ص 228 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 231 و 232 وصححه على شرط الشيخين، وتلخيص المستدرك للذهبي، بهامشه، وأسباب النزول للواحدي ص 9 و 10 والسنن الكبرى ج 2 ص 42 و 43 ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني، الجزء 4 ص 433 والإتقان ج 1 ص 78 وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص 56 و 57 وراجع ص 55 عن بعض من تقدم، والجامع لأحاكم القرآن ج 1 ص 95 وعمدة للقارئ ج 5 ص 292 ونصب الراية ج 1 ص 327 والمستصفى ج 1 ص 103 وفواتح الرحموت بهامشه ج 2 ص 14 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 34 والتفسير الكبير ج 1 ص 208 وغرائب القرآن، بهامش الطبري ج 1 ص 77 والمصنف للصنعاني ج 2 ص 92 ومجمع الزوائد ج 6 ص 310 وج 2 ص 109 عن أبي داود والبزار وكنز العمال ج 2 ص 368 عن الدارقطني في الافراد والتمهيد في علوم القرآن ج 1 ص 212 عن الحاكم واليعقوبي، وسنن أبي داود ج 1 ص 209 والمنتقى ج 1 ص 380 وتبيين الحقائق ج 1 ص 113 وكشف الأستار ج 3 ص 40 ومشكل الآثار ج 2 ص 153..

(3) تفسير العياشي ج 1 ص 19 وعنه في التمهيد في علوم القرآن ج 1 ص 212 وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص 56 ومصباح الفقيه (كتاب الصلاة) ص 276.

(4) الجامع لأحاكم القرآن ج 1 ص 95.

(5) التفسير الكبير ج 1 ص 200 والجامع لأحاكم القرآن ج 1 ص 92 وأحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 8. وراجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 20 وج 1 ص 249 والوزراء والكتاب ص 14 والتنبيه والإشراف ص 225 وعمدة القاري ج 5 ص 291 والعقد الفريد ج 4 ص 158، وطبقات ابن سعد ج 1 قسم 2 ص وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص 53 وأكذوبة تحريف القرآن ص 35 عن بعض من تقدم، وعن: كنز العمال ج 5 ص 244 وعن روح المعاني ج 1 ص 27.

(6) النور / 1

(7) التوبة / 124 .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد