
كلمة ضَلال ككلمة حقّ قد استعملها القرآن في آياته حين تحدّث عن الكفّار والمشركين والمتمرّدين والمعتدين والفاسقين، فصرنا نرى في هذا الكتاب السماويّ كثيراً من كلمات المصدر. الضلال ومشتقّاته. والضَّلال بمعنى الضياع، ويعني عدم الوجود في المكان اللازم المترقّب، والاضمحلال والهلاك قبل بلوغ المقام والمرتبة اللازمة.
والمشركون والكفّار يضيعون، أي أنّ سعة قدرتهم ونور ذواتهم وهويّتهم الأصليّة لا تبلغ مرحلة الفعليّة التامّة، فهم يضيعون ويُعدمون قبل الوصول إلى كمالهم، وتضيع قابليّاتهم، ويتيهون في مسير حركتهم وسيرهم إلى الهدف الأعلى من الخلقة.
أمّا المؤمنون فإنّهم يربّون أنفسهم ويزيدون في قوّتها باستمرار من خلال مجاهدتهم أنفسهم في سبيل الله، ومن خلال الإيمان والعمل الصالح الذي يزيد الثبات لديهم، فيجعلون أنفسهم بالرياضات المشروعة مقتدرةً ليمكنها تحمّل لقاء جمال الربّ الودود، أو المقاومة أمام تجلّيات الجلال في مرحلة الأسماء والصفات، وليمكنها العبور من عوالم المادّة والشهوة والحجب الظلمانيّة، والعبور في مرحلةٍ لاحقة من الحجب النورانيّة وسطوع الأنوار الملكوتيّة، ثمّ الاستفادة من تجلّي الأسماء والصفات الكلّيّة ونيل مقام الفناء في الذات.
وتعبير الضلال يبيّن أنّ الضالّين يضيعون قبل بلوغهم المقصد بسبب ضعف قابليّاتهم الوجوديّة، فلا يمتلكون اسماً ولا أثراً في العوالم العُليا، ومن المعلوم بطبيعة الحال أنّ هذا الضلال والضياع إنّما يحصل في نفوسهم وليس في طبائعهم ولا أبدانهم المادّيّة، إذ إنّ كثيراً منهم عاشوا بتلك الأبدان وامتلكوا قوّة وشوكة، لكنّهم - بلحاظ النفس - ساروا إلى مرحلة معيّنة ثمّ توقّفوا فضاعوا في المراحل التي تعلوها.
يقول القرآن الكريم. إنّنا نُضلّ أمثال هؤلاء المتمرّدين بحيث يعجز الباحث عنهم عن العثور على أدنى أثر. وقد ورد في القرآن الكريم تعبيران مختلفان مهمّان عن نزول العذاب؛ أحدهما. أنّنا ننزل عليهم العذاب بحيث إنّهم ينعدمون ويفنون حتى كأنّهم لم يوجدوا أصلًا. ويقول التعبير الثاني إنّنا نمحو آثارهم ونجعلها أخباراً وحكايات.
وقد جاء التعبير الأوّل في موضعَين من سورة هود:
الأوّل: في شأن قوم ثمود الذين عقروا ناقة صالح على نبيّنا وآله وعليه السلام. (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ). «1»
والثاني: في شأن أصحاب مَدْيَن الذين كانوا يؤذون نبيّهم شُعيب على نبيّنا وآله وعليه السلام ويهدّدونه برجمه إن لم يكفّ عن دعوته؛ وهي الآية التالية: (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ). «2»
غَنَى يَغْنَي بِالمَكَانِ وَفي المَكَانِ بمعنى أقام فيه. وجَاثِمِينَ بمعنى مُتَلَبِّدِينَ. أي أنّ ظلم أصحاب مدين لنبيّهم شعيب، وظلم قوم ثمود لنبيّهم صالح، على نبيّنا وآله وعليهما السلام، وتمرّدهم على ذينك النبيَّين، قد سبّب أخذهم بالصيحة السماويّة بحيث أضحوا تراباً، كأنّهم لم يسكنوا تلك الديار أبداً، وبحيث لم يبق منهم اسم ولا أثر ولا أزواج ولا أولاد ولا بساتين ولا تجارة.
أمّا التعبير الثاني فقد ورد في سورة المؤمنون، وهو تعبير أعجب وأغرب، لأنّه يقول: وجعلناهم «أحاديث»، أي أنّنا أهلكناهم حتى لم يبق من حقيقتهم في هذا العالم إلّا الأحاديث والأخبار والقصص والحكايات، أشبه بقولنا: زَيْدٌ عَدْل . والآية لا تقول: إنّنا أضعنا آثارهم وأبقينا أخبارهم؛ بل تقول: إنّنا أخذناهم بالعذاب بحيث جعلنا آثارهم وحقائقهم الوجوديّة «أخباراً»؛ وكأنّ حقائق ماهيّاتهم ليست إلّا مقولة الحديث والخبر والحكاية.
وقد جاءت هذه القصّة في القرآن الكريم بعد بيان قصّة قوم نوح الذين أغرقوا، ثمّ إنّ الله خلق مِن بعدهم قوماً آخرين فأرسل إليهم نبيّاً فكذّبوه؛ قال: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ، ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ). «3»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الآيات 66 إلى 68، من السورة 11. هود.
(2) - الآيتان 94 و 95، من السورة 11. هود.
(3) - الآيات 41 إلى 44، من السورة 23. المؤمنون.
أمثلة من النعم المعنوية والباطنية في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
باسم الله دائمًا وأبدًا
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تستسلم وحقّق أهدافك
عبدالعزيز آل زايد
مؤقّتات خفيّة في الدماغ تتحكّم في الاحتفاظ بالذّاكرة أو نسيانها
عدنان الحاجي
أيّ نوع من المربّين أنت؟
السيد عباس نور الدين
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (3)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
معنى (هنأ) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
المنّ يزيل الأجر
الشيخ محمد مصباح يزدي
الحداثة الفائضة في غربتها الأخلاقية
محمود حيدر
أريد أن يكون ولدي مصلّيًا، ماذا أصنع؟
الشيخ علي رضا بناهيان
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
أمثلة من النعم المعنوية والباطنية في القرآن الكريم
باسم الله دائمًا وأبدًا
اختبار غير جراحي للكشف عن الخلايا السرطانية وتحديد موقعها
أمسية أدبيّة لغويّة بعنوان: جمال التراكيب البلاغية، رحلة في أسرار اللغة
لا تستسلم وحقّق أهدافك
مؤقّتات خفيّة في الدماغ تتحكّم في الاحتفاظ بالذّاكرة أو نسيانها
أيّ نوع من المربّين أنت؟
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (3)
معنى (هنأ) في القرآن الكريم
{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}