قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ). [الحجرات: 6].

 

اللغة:

 

بجهالة أي بغير علم.

 

الإعراب:

 

المصدر من أن تصيبوا مفعول من أجله لتبينوا أي لئلا تصيبوا. فتصبحوا منصوب بأن مضمرة. ونادمين خبر تصبحوا.

 

المعنى:

 

اشتهر بين المفسرين أن رسول اللَّه (ص) بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الزكاة، فاستقبلوه بجمعهم تكريـمًا له، ولكنه ظن بهم الشر وأنهم يريدون الإيقاع به، فانصرف إلى النبي (ص) وقال له: منعوني وطردوني. فغضب النبي (ص) وقال له بعض الصحابة: نغزوهم يا رسول اللَّه.

 

فنزلت الآية في تبرئة بني المصطلق، وقيل غير ذلك في سبب نزولها... ونحن لا نثق بشيء من أسباب النزول إلا إذا ثبت بنص القرآن أو بخبر متواتر، بالإضافة إلى أن ظن الوليد بالشر لا يستوجب الفسق، وإنما هو خطأ واشتباه، والمخطئ لا يسمى فاسقًا وإلا استحق اللوم والعقوبة حتى ولو تحفظ واجتهد.

 

وأيًّا كان سبب النزول فإن الآية لا تقتصر عليه، بل تتعداه إلى غيره لأن المورد لا يخصص الوارد، ولا فرق بينه وبين غيره من أفراد العام، وإنما ذكر بالذات لأمر لا يمت إلى تخصيص اللفظ بصلة، وعليه يجب الأخذ بظاهر الآية، وهو يدل على حرمة الأخذ بقول الفاسق دون التمحيص والتثبت من خبره خوفًا من الوقوع فيما لا تحمد عقباه، كالإضرار بالآخرين والندامة حيث لا ينفع الندم، وبكلمة الإمام علي (ع) «من سلك الطريق الواضح ورد الماء، ومن خالف وقع في التيه». وبهذا نجد تفسير قوله تعالى: «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ».

 

واستدل بهذه الآية جماعة من شيوخ السنة والشيعة على وجوب الأخذ بقول الثقة مطلقًا بلا شرط البحث عن صدقه فيما أخبر، وشرح بعضهم وجه الاستدلال بكلام غامض ومعقد، ويتضح بأن الآية تضمنت مبدأ عامًّا يقاس به الخبر الذي لا يصح الاعتماد عليه والعمل به إلا بعد التثبت وهو خبر الفاسق، وأيضًا يقاس به الخبر الذي يعتمد عليه مطلقًا ومن غير تثبت وهو خبر الثقة، لأن اللَّه سبحانه أناط الاعتماد على خبر الفاسق بالتبين والتثبت، ولم يتعرض لخبر الثقة، ومعنى هذا أن العمل بخبر الثقة لا يجب فيه التثبت، ولو وجب لبيّن واشترط التثبت فيه تمامًا كما اشترطه في خبر الفاسق، وحيث لا بيان فلا شرط.

 

وفي رأينا أن قوله تعالى: «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا» لا يدل إلا على وجوب التثبت من خبر الفاسق، وإن هذا الشرط لا بد منه قبل العمل بخبر الفاسق، ولا دلالة للآية على هذا الشرط بالنسبة إلى خبر الثقة، لا نفيًا ولا إثباتًا... ونحن مع القائلين بأن السند الأول للأخذ بخبر الثقة هو طريقة العقلاء قديـمًا وحديثًا، وسكوت الشارع عنها، وهي بمرأى منه ومسمع...

 

أجل، إن قوله تعالى: «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» يومئ إلى أن أي خبر نأمن معه من الوقوع في الشبهات والمحرمات يجوز العمل به أيًّا كان المخبر... وبالبداهة لا نكون آمنين من ذلك إلا بالاعتماد على قول الثقة، أو بعد التثبت من خبر الفاسق.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد