قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ مرتضى الباشا
عن الكاتب :
الشيخ مرتضى الباشا، من مواليد سيهات في 1395 هـ، التحق بالحوزة العلميّة ودرس على مجموعة من علمائها، له كثير من النّشاطات والمشاركات عبر مواقع الإنترنت، وله العديد من المؤلفات منها: الحبوة في مناسك الحج، أسرار الحج في كلمات العلماء، ذبائح أهل الكتاب (دراسة مقارنة)، فيه آيات بينات، ومذاكرات في التقريب والوحدة (المنهج التقريبي السليم).

الفرق بين (يفعلون) و(يعملون) و(يصنعون)

أولاً: (يفعلون):

 

(فَعَل) ينسب إلى الكائنات الحية، والجماد أيضًا. سواءً كان (بعلم، أو بدونه) (بإجادة أو بدونها). وهو لا يشعِر بامتداد طويل في الزمن للإنجاز والتحقق، ولا بالتكرار. نعم ربما دلّ على ذلك من خلال بعض القرائن، كقولك (كان فلان يفعل كذا) فالجملة هنا تدل على تكرره قيامه بذلك.

 

قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ)، (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ)، (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).

 

ثانيًا: (يعملون):

 

(عَمِل) ينسب إلى الكائنات الحيّة، ويشترط أن يكون بقصد وإرادة منه، فلا يقال للجماد (عَمِل). وهو يشعِر بامتداد في الزمن للتحقق والإنجاز، وربما يدل على التكرار والاستمرار عليه أيضًا. تقول (فلان يعمل الطين خزفًا) لأنه يقوم بذلك عن قصد، ويستغرق وقتًا ممتدًّا من الزمن للإنجاز والتحقق، وربما دلّ على تكرر قيامه بذلك.

 

ومنه قوله تعالى (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا)، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا).

 

ثالثًا: إضافة مهمة جدًّا

 

أ- كثيرًا ما يستعمل (الفعل) في مقابل (القول)، فلا تدخل (الأقوال) في (الأفعال) عندئذ. أما (العمل) فيشمل الأمرين معًا (الأقوال والأفعال) إذ ما يقوله الإنسان يندرج تحت (عمله). وقال سبحانه (يا أيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) هنا نلاحظ أن (الفعل) في مقابل (القول).

 

ولكن في بعض الاستعمالات الأخرى يكون (ما يفعله الإنسان) بمعنى ما يصدر منه، فالكلام أيضًا (فعل) بهذا المعنى، وكذلك ما ينوي القيام به.

 

ب- (الفعل) إيجاد أمر في الخارج. فلا يشمل (الامتناع عن الإيجاد والإحداث)، كما لا يشمل (النية القلبية والتفكير والظنون وأمثاله). أما (العمل) فهو يشمل (الإيجاد في الخارج + الامتناع عن الإيجاد في الخارج + النية والتفكير وأمثالها)، قال عزّ وجلّ (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ).

 

ج- (النوم والتنفس وأمثالها) تعدّ من (أفعال الإنسان)، ولا تعدّ من (أعماله)، ولعل السبب في ذلك ما تقدّم آنفًا.

 

رابعًا: (يصنعون):

 

(صَنَع) لا ينسب إلا إلى العاقل فقط، وبشرط الإتقان والإحكام، سواءً كان ذلك خيرًا أو شرًّا. ومنه قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)، (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)، (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا).

 

و(الصنع) يأتي أحيانًا بمعنى الإيجاد بعد أن لم يكن، أي بمعنى إحداث أمر جديد لا سابقة له. ولذا يقال لله تعالى (هو الصانع)، ومنه قوله تعالى (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ)، (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) ولعل أعظم أمر صنعوه وابتكروه، هو فكرة (أنّ المسيح ابن الله تعالى). (لَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ).

 

خامسًا: تذكير بقاعدة مهمة جدًّا:

 

القاعدة: (إثبات شيء، لا ينفي ما عداه). مثال: إذا قلنا (سيلقى الإنسان نتائج أفعاله). هذه الجملة لا تدل على أنه فقط وفقط سيلقى نتائج أفعاله، ولن يلقى نتائج أعماله أو أقواله. وعندما يقول الله تعالى (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) فلا يدل ذلك على أنّ علم الله تعالى مختص فقط بما (نفعل)، وقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

 

سادسًا: نماذج من الآيات القرآنية:

 

1- قال الله سبحانه (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) ولم يقل (فعلوا الصالحات) باعتبار أن دأبهم ذلك، بحيث يتكرر ويكون عادة لهم.

 

2- قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). ولم يقل (اعملوا الخير) لماذا؟ قيل: لأن المطلوب هو المبادرة والمسارعة إلى الخير، فلا يكون هناك امتداد زمني في التحقق والإنجاز، كما قال سبحانه: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ). وربما يكون السبب أنّ المطلوب هو (إيجاد الخير في الخارج والواقع) ولذلك اختار كلمة (افعلوا) كما تقدّم في فقرة (ثالثًا).

 

3- (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) ولم يقل (عاملون)، لأنّ إخراج الزكاة لا يستغرق وقتًا طويلاً لإنجازه، فلا يقال عنه (عمل).

 

4- (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ). لاحظ (التوفية لما عمل)، (والعِلم بما فعل). قيل: لأنّ (الجزاء) يكون على الأعمال، وقد عرفت أنّ (العمل) يكون عن علم وقصد من الفاعل. أما (علم الله تعالى) فهو يتعلق بكل ما يصدر من الإنسان، حتى وإن كان بدون قصد منه.

 

5- (وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون - لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ). الآية الأولى تتحدث عن جمهور الناس، فقالت عنهم (يعملون). أما الربانيون والأحبار فهم يقومون بذلك بإحكام وحبكة قوية، وربما يحدِثون أفكارًا وأمورًا جديدة لا سابق لها، فقال عنهم (يصنعون).

 

6- (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون). قيل: هم أحدثوا أمرًا جديدًا لم يكن رائجًا بينهم، ألا وهو (الكفر بأنعم الله) وتفننوا في ذلك، وأحكموا قبضتهم واستمروا عليه، حتى أصبح (صنعة لهم) فأنزل الله عليهم تلك العقوبة.

 

7- (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). (الحبط) لا يختص بما كانوا يصنعون، فقد ورد في آيات أخرى (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ). يبقى سؤال، وهو لماذا في الآية الكريمة أتى (الحبط) لما صنعوا، وأتى (البطلان) لما كانوا يعملون؟

 

8- (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ - كِرَامًا كَاتِبِينَ - يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ). فهل الملائكة لا يعلمون ولا يسجلّون النوايا وما يدور في نفس الإنسان وتفكيره؟ الظاهر أن (تفعلون) في الآية الكريمة بمعنى (ما تقومون به، ويصدر منكم)، ويدلّ على ذلك أنّهم يسجّلون أيضًا ما يتلفظ به الإنسان (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

 

إذن: (الفعل) هنا بمعنى ما يصدر من الإنسان، سواءً كان في إيجاد أمر في الخارج، أو كلام يتلفظ به، أو من الأفعال القلبية. نعم وردت الروايات الشريفة بأنّ الإنسان لا يحاسب على نية السوء إذا لم يقم بالتنفيذ...

 

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد