الاجتماع الإنساني كسائر الخواص الروحية الإنسانية وما يرتبط بها، لم يوجد حين وجد تامًّا كاملًا لا يقبل النماء والزيادة، بل هو كسائر الأمور الروحية الإدراكية الإنسانية، لم يزل يتكامل بتكامل الإنسان في كمالاته المادية والمعنوية وعلى الحقيقة لم يكن من المتوقع أن يستثني هذه الخاصة من بين جميع الخواص الإنسانية، فتظهر أول ظهورها تامة كاملة، أتم ما يكون وأكمله بل هي كسائر الخواص الإنسانية التي لها ارتباط بقوتي العلم والإرادة تدريجية الكمال في الإنسان.
والذي يظهر من التأمل في حال هذا النوع، أن أول ما ظهر من الاجتماع فيه الاجتماع المنزلي بالازدواج، لكون عامله الطبيعي وهو جهاز التناسل أقوى عوامل الاجتماع لعدم تحققه إلا بأزيد من فرد واحد أصلًا بخلاف مثل التغذي وغيره، ثم ظهرت منه الخاصة التي سميناها بالاستخدام وهو توسيط الإنسان غيره في سبيل رفع حوائجه ببسط سلطته وتحميل إرادته عليه، ثم برز ذلك في صورة الرئاسة كرئيس المنزل ورئيس العشيرة ورئيس القبيلة ورئيس الأمة وبالطبع كان المقدم المتعين من بين العدة أولًا أقواهم وأشجعهم ثم أشجعهم وأكثرهم مالًا وولدًا وهكذا حتى ينتهي إلى أعلمهم بفنون الحكومة والسياسة وهذا هو السبب الابتدائي لظهور الوثنية وقيامها على ساقها حتى اليوم....
وخاصة الاجتماع بتمام أنواعها المنزلي وغيره وإن لم تفارق الإنسانية في هذه الأدوار ولو برهة إلا أنها كانت غير مشعور بها للإنسان تفصيلًا، بل كانت تعيش وتنمو بتبع الخواص الأخرى المعني بها للإنسان كالاستخدام والدفاع ونحو ذلك. والقرآن الكريم يخبر أن أول ما نبه الإنسان بالاجتماع تفصيلًا واعتنى بحفظه استقلالًا، نبهته به النبوة، قال تعالى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ). (يونس – 19). وقال: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ). (البقرة – 213). حيث ينبئ أن الإنسان في أقدم عهوده كان أمة واحدة ساذجة لا اختلاف بينهم حتى ظهرت الاختلافات وبانت المشاجرات، فبعث الله الأنبياء وأنزل معهم الكتاب ليرفع به الاختلاف ويردهم إلى وحدة الاجتماع محفوظة بالقوانين المشرعة.
وقال تعالى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا). (الشورى - 13). فأنبأ أن رفع الاختلاف من بين الناس وإيجاد الاتحاد في كلمتهم إنما كان في صورة الدعوة إلى إقامة الدين وعدم التفرق فيه، فالدين كان يضمن اجتماعهم الصالح.
والآية كما ترى تحكي هذه الدعوة دعوة الاجتماع والاتحاد عن نوح عليه السلام وهو أقدم الأنبياء أولي الشريعة والكتاب ثم عن إبراهيم ثم عن موسى ثم عيسى عليهم السلام وقد كان في شريعة نوح وإبراهيم النزر اليسير من الأحكام وأوسع هؤلاء الأربعة شريعة موسى وتتبعه شريعة عيسى على ما يخبر به القرآن وهو ظاهر الأناجيل، وليس في شريعة موسى على ما قيل إلا ستمائة حكم تقريبًا.
فلم تبدأ الدعوة إلى الاجتماع دعوة مستقلة صريحة إلا من ناحية النبوة في قالب الدين كما يصرح به القرآن والتاريخ يصدّقه...
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ باقر القرشي
السيد ابو القاسم الخوئي
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان