إذا نظرت إلى ظلمات العصر والقطر والتربية وشيوع الجهل في الأمة وسوء الأعمال وعدم الدراسة في العلم أو التخرج في الفضيلة على الحكماء الصالحين، فإنك ترى هذه الأمور لها أثر كبير في الجهل بالأخلاق الفاضلة والانحراف عن جادتها والخبط في معرفتها وتمييز حدودها.
فلا ترد البشر إلى الاستقامة في ذلك تكلفات الفكر المحاط بالجهل العام والجيل المظلم والقطر الوبيء من نزغات الأهواء. ولئن حاول الرجل المريد للصلاح حينئذ شيئًا من تهذيب الأخلاق لم يهتد السبيل في قوله وعمله، إلا إلى شيء يشير إليه التداول بين جملة من الناس، ولئن تكلف المتفلسف شيئًا من التعليم بالأخلاق خبط فيها خبطًا غلب فيه الجهل والزلل وتتابعت فيه العثرات.
ومن بين تلك الظلمات المذكورة بزغ القرآن الكريم بأنواره وأتى بما لا تسمح به العادة بأن يأتي به في تلك الظلمات بشر من عند نفسه وتقولًا على الوحي، فجاء في إجماله وتفصيله مستقصيًا للأخلاق الفاضلة على حدودها بالحث على التزين بها بما توجبه الحكمة من البعث والترغيب. ومحصيًا للأخلاق الرذيلة بالزجر عن التلوث بها بما يوجبه الإصلاح من الإرهاب والتنفير.
وأقام لذلك في العالم أشرف مدرسة زاهرة وأعلى فلسفة مرشدة وأبلغ خطابة واعظة، وإليك بعضًا من جوامعه في ذلك كقوله تعالى في سورة النحل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل : 90]. ومن سورة الفرقان ما في الآية الرابعة والستين إلى الخامسة والسبعين. ومن سورة المعارج ما في الآية الثالثة والعشرين إلى الثالثة والثلاثين. ومن سورة الحجرات ما في الآيات العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة. وغير ذلك مما لا يكاد أن تخلو منه سورة أو يتخطاه تعليم أو يحابى به قوم دون قوم، أو يتجاوز بالإفراط الى التفريط والإخلال بنظام المدنية وراحة الاجتماع.
ولك العبرة بأن التوراة الرائجة فيها وشل من تعاليم التوراة الحقيقية، ولكن لأنها تلفيق واختلاق بشري كدّرت ما فيها من ذلك الوشل وذهبت بصفاء التعليم الإلهي. فأمرت بني إسرائيل بالحكم بالعدل لقريبهم ونهتهم عن الحقد على أبناء شعبهم وعن السعي بالوشاية وعن شهادة الزور على قريبهم وأن يغدر أحدهم بصاحبه. ويا للأسف على شرف هذا الأمر والنهي إذ شوّهت جماله بتخصيص تعليمها لبني إسرائيل وبتخصيص المأمور به والمنهي عنه بالقريب والشعب والصاحب.
ولك العبرة أيضًا بأن الأناجيل الرائجة قد أفرطت بتصوفها البارد، فنهت عن ردع الظالمين بالانتصاف من الظالم وقطع مادة الفساد بالحدود الشرعية ودفاع الظالمين، بل علمت بأن من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر أيضًا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا، ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه، فلوثت بإفراطها البشري قدس تعاليم المسيح المتلقاة من الوحي الإلهي.
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
د. حسن أحمد جواد اللواتي
محمد رضا اللواتي
الشيخ محمد باقر الأيرواني
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشهيد مرتضى مطهري
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان