قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

القاعدون والمجاهدون

﴿لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (النساء – 95-96)

اللغة:

 

الاستواء المماثلة، تقول: استوى هذا وهذا، أو تساويا، أي تماثلا.

 

والضرر كل ما يضر، والمراد به هنا العمى والعرج والمرض، وما إليه مما يمنع من الجهاد. والمراد بالدرجة عند اللَّه المنزلة، قال رجل: يا رسول اللَّه ما الدرجة؟. فقال: أما أنها ليست بعتبة أمك، ما بين الدرجتين مائة عام.

 

الإعراب:

 

من المؤمنين متعلق بمحذوف حال من القاعدين. وغير صفة لهم. ودرجة قائمة مقام المفعول المطلق لفضّل، لأن الدرجة هنا تتضمن معنى التفضيل، أي فضّل اللَّه المجاهدين تفضيلاً، أو تفضلة. وكلا مفعول أول لوعد، والحسنى مفعول ثان. وأجرًا قائم مقام المفعول المطلق، لأنه يتضمن معنى التفضيل. ودرجات بدل من أجر.

 

المعنى:

 

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ). من تخلف عن الجهاد لعذر مشروع، كالعمى والعرج، وما إليه فهو معذور، بل ومأجور إذا كان مؤمنًا مخلصًا يحب النصر للدين، والخير وأهله، ويود في واقعه لو كان معافى ليشارك المجاهدين في جهادهم، فقد جاء في الحديث: «المرء مع من أحب» أي من أحب مجاهدًا لا لشيء إلا لأنه مجاهد فله أجر المجاهدين، ومن أحب صادقًا لصدقه فله منزلته، ومن أحب ظالـمًا لظلمه فهو شريكه، ومن أحب كافرًا لكفره فهو مثله، هذا حكم القاعدين غير الأصحاء.

 

أما الأصحاء منهم فينظر: فإن قعدوا عن الجهاد الذي وجب عليهم وعلى غيرهم، كما في النفير العام فإنهم غير معذورين، بل ملومين مستحقين للعقاب، لأنهم تمردوا وعصوا، وعليه فلا تصح المفاضلة بينهم وبين المجاهدين بحال، لأن المفاضلة مفاعلة، وهي تقتضي المشاركة، وهؤلاء لا يشاركون المجاهدين في شيء..

 

وإن كان الجهاد فرض كفاية يحصل الغرض منه بفعل البعض، ولا حاجة إلى الكل يكون القاعدون عنه معذورين، مع قيام غيرهم بهذا الواجب، ولكن المجاهدين أفضل من القاعدين، على الرغم من وجود عذرهم المشروع، لأنهم آثروا الكسل على العمل، والاعتزال على النضال، وهؤلاء القاعدون هم المقصودون بقوله تعالى: «لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ».

 

وعلى هذا يكون المعنى لا يستوي عند اللَّه القاعدون الأصحاء والمجاهدون الذين لم يجب عليهم الجهاد بالخصوص، بل وجب عليهم وعلى غيرهم كفاية، ولكن هم الذين تصدوا لهذا الواجب، وأدوه على أكمله، وأسقطوه عن الباقين. وهذا المعنى هو الذي أراده اللَّه، وأوضحه بقوله: (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَة ). بعد أن نفى التسوية بينهم وبين القاعدين بيّن ما امتاز به المجاهدون، وهو تفضيلهم على القاعدين بدرجة، فيكون قوله هذا تفصيلًا بعد إجمال، وسر التفضيل ما أشرنا إليه من تحملهم مسؤولية الدفاع منفردين، تمامًا كما لو هاجم العدو بلدًا، فصده عنه فريق دون فريق من أهله، فيمتاز الفريق الأول على الثاني بالبداهة، وإن كان الثاني غير مؤاخذ بعد أن قام الأول بالواجب، وحقق الغرض المطلوب، ولذا قال تعالى: (وكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى).

 

ولكنه أعاد مؤكدًا ومرغبًا في الجهاد بقوله: (وفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) وبيّن هذا الأجر العظيم بأنه (دَرَجاتٍ مِنْهُ ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً). ودرجة واحدة عند اللَّه خير من الكون بما فيه، فكيف الدرجات!! أما رحمته فلا شيء خير منها إلا من هي منه.. وكفى بمغفرته أمانًا من عذابه وسخطه.. هذه هي المغفرة والرحمة والدرجة عند اللَّه، من نال واحدة فهو في عليين، فكيف بمن نالها مجتمعة؟!.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد