قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عن الكاتب :
فيلسوف، مفسر وعالم دين إسلامي و مرجع شيعي، مؤسس مؤسسة الإسراء للبحوث في في مدينة قم الإيرانية

صفات القرآن في نظر المعصومين (2)

7. درجة من النبوة

 

يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "من قرأ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحي إليه"(1). وقراءة القرآن لها شروط خاصة، فإذا ما توفرت هذه الشروط فإن مثل هذه الآثار والنتائج سوف تترتب عليها، كما أن القراءة في آيات مثل: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} و {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:1و 3] هي مجرد قراءة عادية.

 

ويقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا: "من قرأ ثلث القرآن، فكأنما أوتي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثي القرآن فكأنما أوتي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن كله فكأنما أوتي تمام النبوة، ثم يقال له: اقرأ وارق بكل آية درجة. فيرقى في الجنة بكل آية درجة حتى يبلغ ما معه من القرآن. ثم يقال له: اقبض فيقبض... فإذا في يده اليمنى الخلد وفي الأخرى النعيم".(2)

 

وبعد صعود المؤمن في درجات الجنة يجد حكم وشهادة خلوده ما في الجنة بيده اليمنى والنعم الإلهية في يده اليسرى، ولذلك نقول في دعاء الوضوء: "اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري...".(3)

 

8. مصدر للنور

 

روي أن أباذر (رضي الله عنه) طلب نصيحة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول الله: "أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله". قلت: زدني فقال رسول الله: "عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيرًا فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض"(4)، أي أن تلاوة القرآن عامل لذكرك في الملكوت ومصدر لنورانيتك في الأرض. والقرآن هو بنفسه ذكر الله ومن ألقابه (الذكر)، فأتباعه في الملكوت رفيعو الشأن والصيت وفي الأرض نورانيون.

 

واستحباب تلاوة القرآن ليس محدودًا بقراءة خمسين آية في اليوم، وما ورد في بعض الروايات من الأمر بقراءة خمسين آية في اليوم ليس ناظرًا إلى بيان الحد الأكثر، إذ إنه يستحب على الأقل قراءة خمسين آية بعد صلاة الصبح كما جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: "ينبغي للرجل إذا أصبح أن يقرأ بعد التعقيب خمسين آية".(5)

 

9. الطريق إلى نيل ثواب الشاكرين

 

يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "قال الله تبارك وتعالى: من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين".(6).

 

أي أن من شغلته قراءة القرآن عن ذكر حوائجه إلى الله، فإن الله لا سبحانه يعطيه أفضل ثواب الشاكرين من غير طلب ودعاء منه. كما أن خليل الله إبراهيم (عليه السلام) عندما سمع نداء: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: 68]، أو {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] لم يطلب شيئًا من الله، لأنه يعلم أن قضاء حاجته هو في عدم السؤال ولذلك قال: "حسبي من سؤالي علمه بحالي"(7)

 

10. سبب للحشر مع الأنبياء

 

قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن أكرم العباد إلى الله بعد الأنبياء العلماء ثم حملة القرآن، يخرجون من الدنيا كما يخرج الأنبياء ويحشرون من قبورهم مع الأنبياء ويمرون على الصراط مع الأنبياء ويأخذون ثواب الأنبياء. فطوبى لطالب العلم وحامل القرآن مما لهم عند الله من الكرامة والشرف".(8)

 

والذي يتعلم القرآن ليستفيد منه في الخطابة أو التأليف فحسب، فهذا دليل على أنه لم يطلب القرآن لأجل التدبر فيه والعمل به، وأنه ليس أكثر من حرفة وعمل تجاري، ومثل هذا العلم ينتهي إلى النسيان آخر عمر الإنسان. وصحيح أن هذا التعلم فيه ثواب التعرف على ظاهر القرآن، لكن تعلم القرآن لأجل التدبر والعمل به له منزلة أخرى ومقام آخر.

 

11. عامل لسرور وبهجة القلوب

 

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص، وإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة عليه ألزم وهو عند الله ألوم".(9)

 

والمقصود من التفقه في قوله "تفقهوا في القرآن الكريم وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) ليس هو التعرف على الفقه المصطلح الذي هو في مقابل الكلام والفلسفة، كما أن كلمة (الحكمة) في القرآن والروايات ليست هي بمعناها المصطلح وهو الفلسفة، بل يطلق الفقه أيضاً على معرفة أصول الدين والعلوم العقلية، وكذلك فهم أحكام الدين ومعرفة حلال الله وحرامه تسمى بالحكمة أيضاً. إذاً فمعنى الفقه هو التعمق في العلم ومطلق التعرف والوعي بمعارف الدين، وليس هو بمعناه الاصطلاحي، وإلا لزم أن يكون المقصود من التفقه هو معرفة خصوص آيات الأحكام المتعلقة بفروع الفقه والتي تشكل نسبة جزء من بين عشر من القرآن، فالتفقه عندئذ يكون معرفة هذا المقدار القليل فحسب، في حين أن كل القرآن فقه. طبعاً إذا اعتبرنا المسائل الحقوقية والسياسية والاجتماعية والمدنية جزءاً من الفقه فإن عدد الآيات الفقهية سيكون أكثر.

 

ويظهر من جعل الشفاء في نور القرآن في قوله: "واستشفوا بنوره" أن الجهل بالقرآن مثل عدم العمل به هو مرض، والجهل مثل سائر الرذائل الأخلاقية من جملة الأمراض القلبية، والقرآن الكريم شفاء لهذه الآلام: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء: 82]، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57].

 

والمقصود من القلب في القرآن هو تلك اللطيفة الإلهية، أي الروح، وليس العضو الذي يضح الدم في البدن. وسلامة ومرض القلب الجسماني من اختصاص علم الطب، ولا علاقة لهما بسلامة ومرض القلب الروحاني، فمن الممكن أن يكون قلب الإنسان الجسماني متمتعاً بالصحة والسلامة التامة، لكنه لا يستطيع أن يكبح جماح بصره عندما يواجه المرأة الأجنبية عنه، فهو مريض القلب كما وصفه القرآن الكريم: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] والمقصود هو القلب الروحاني. كذلك الذي يرتبط بعلاقات سياسية غير صحيحة فهو مريض القلب، وإن كان قلبه الجسمي سالـمًا من الناحية الطبية المادية: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} [المائدة: 52].

 

وقد وصف القرآن الكريم في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه (أحسن الحديث) و(أنفع القصص) وورد التأكيد على تلاوته بصورة حسنة، والمقصود من التلاوة الحسنة ليس هو الصوت واللحن الحسن فحسب، بل الفهم الصحيح للقرآن والعمل به أيضًا من درجات التلاوة الحسنة، لأن أمير المؤمنين يقول في بقية حديثه: وإن العالم العامل بغير علمه وكالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة عليه ألزم وهو ملام عند الله سبحانه. ومن الطبيعي أن الترتيل والقراءة مع التأني والعناية ومع مراعاة قوانين التجويد لها فضل خاص ودرجة مرموقة في التلاوة الحسنة.

 

12. بحر المعرفة الذي لا ضفاف له

 

كذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "ثم أنزل عليه – أي النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) – الكتاب نورًا لا تطفأ مصابيحه وسراجًا لا يخبو توقه وبحرًا لا يدرك قعره - بواسطة البشر العادي - ومنهاجًا لا يضل نهجه وشعاع لا يظلم ضوؤه... جعله الله ريًّا لعطش العلماء وربيعًا لقلوب الفقهاء ومحاجًّا لطرق الصلحاء ودواء ليس بعده داء، ونورًا ليس معه ظلمة وحبلاً وثيقًا عروته ومعقلًا منيعًا ذروته"(10).

 

13. العامل الوحيد للغنى والثروة الحقيقية

 

يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "القرآن غنى لا غنى دونه ولا فقر بعده"(11) أي أنه سبب يجلب للإنسان غنى لا يتحقق إلا عن طريقه، كما أنه لا فقر كفقر الحرمان من القرآن. كذلك يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): "من قرأ القرآن فرأى أن أحدًا أعطي أفضل مما أعطي فقد حقر ما عظمه الله، وعظم ما حقره الله"(12)، أي من قرأ - القرآن وحسب أن الآخرين قد حازوا أفضل مما حظي به، فقد حقر ما عظم الله وهو القرآن وعظم ما حقر الله وهي الدنيا.

 

كذلك يقول: "لا ينبغي لحامل القرآن أن يظن أحدًا أعطي أفضل مما أعطي، لأنه لو ملك الدنيا بأسرها لكان القرآن أفضل مما ملكه".(13)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. جامع أحاديث الشيعة، ص17.

2. جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص17

3. البحار، ج 77، ص319

4. جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص19.

5. جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص20.

6. نفس المصدر، ص 21.

7. البحار، ج68، ص156.

8. جامع أحاديث الشيعة، ج 15، ص 24.

9. نهج البلاغة، الخطبة 110، المقطع 6.

10. نهج البلاغة، الخطبة 198، المقطع 25.

11. جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص7

12. نفس المصدر، ص16.

13. نفس المصدر، ص26.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد