قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الدكتور محمد حسين علي الصغير
عن الكاتب :
عالم عراقيّ وشاعر وأديب، ولد في مدينة النجف الأشرف عام 1940 م، حوزويّ وأكاديميّ، حصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة الامتياز عام 1979 م، وعلى درجة الأستاذية عام 1988 م، وعلى مرتبة الأستاذ المتمرس عام 1993 م، ومرتبة الأستاذ المتمرس الأول عام 2001 م. له العديد من المؤلفات منها: موسوعة الدراسات القرآنية، موسوعة أهل البيت الحضارية، ديوان أهل البيت عليهم السلام، التفسير المنهجي للقرآن العظيم. توفي الله في 9 يناير عام 2023 بعد صراع طويل مع المرض.

مصادر تفسير القرآن الكريم (1)

المصدر النقلي

 

والمراد به تفسير القرآن الكريم بالمنقول من المأثور، سواء أكان هذا المأثور دراية قطعية متواترة كالقرآن، أم رواية تتقلّب بين الظن والقطع فتكون قابلة للنفي والإثبات بحسب موازيين تقييم الروايات المتواترة  والمشهورة وأخبار الآحاد.

 

فالأول: هو تفسير القرآن بالقرآن، وذلك عن طريق مجابهة الآيات بعضها لبعض، وعرض الآيات بعضها على بعض، ويستخرج - حينئذ - من مقابلتها معنى اللفظ أو الجملة أو الآية، فيرجع إلى المحكم في تفسير المتشابه، وإلى المبين في معرفة المجمل، وإلى المسهب في تعريف الموجز، وإلى المعلن في استجلاء المبهم، وإلى الواضح في استنباط الخفي، وهكذا.

 

والثاني: تفسير القرآن بالرواية، وطريقه: إما أن يكون الروايات الصادرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بما ورد تفسيره عنه، كأن يقرر القرآن أصلًا ويكون التفريع عليه بالسنّة، أو يجمل أمرًا يكون تبيينه في السنة قولًا أو فعلًا أو تقريرًا. وإما أن يكون مصدر ذلك أئمة أهل البيت عليهم السّلام، أو صحابة النبي فلكل منهما حكم في الموضوع.

 

أما أهل البيت فعند بعض المسلمين لا سيما الإمامية منهم أن روايتهم هي رواية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهم أدرى بالقرآن من غيرهم، وإنما عدل القرآن تواترًا، فما أخرجه الترمذي وأورده ابن الأثير عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنه قال: «رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: «إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي» «1».

 

ورواية زيد بن أرقم قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخ ، وهو كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» «2».

 

وأما الصحابة فقد اختلف في حجية تفسيرهم، إلّا أن تفسير الصحابي عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي على رأي الحاكم في التفسير «3». وقد نازعه فيه ابن الصلاح وغيره من المتأخرين: بأن ذلك مخصوص بما فيه سبب النزول أو نحوه. بل لقد صرح الحاكم نفسه بذلك فقال: «ومن الموقوفات تفسير الصحابة، وأما من يقول أن تفسير الصحابة مسند، فإنما يقوله فيما فيه سبب النزول» «4».

 

وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن أحمد، واختيار ابن عقيل المنع، لكل عمل المفسرين على خلافه، وقد حكوا في كتبهم أقوالهم «5».

 

والوقوف على هذا المصدر يقتضي البحث عن دلائله من جهة، ويستدعي تمحيص الآراء فيه ليخلص إلى النتيجة كما سيأتي القول في تحقيق ذلك.

 

أما تفسير القرآن بالقرآن: فهو أرقى مصادر التفسير.... وأما المصادر المأثورة فكونها مصدرًا من مصادر التفسير شيء، وكونها طريقًا يأخذه المفسر في تفسيره منهجًا له فشيء آخر. وهنا نتحدث عنها باعتبارها مصدرًا للتفسير أخذ بها أو لم يؤخذ. أما منهجية ذلك فموضعه غير هذا.

 

قال الخوئي: «وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وذلك تعذر إلا في آيات قليلة» «6».

 

وهذا هو الطراز الأول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه، والموضوع فإنه كثير «7».

 

والذي صحّ عن الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلّم من تفسير القرآن قليل جدًّا بحسب الروايات في جميع كتب التفسير، بل أصل المرفوع إليه منه في الغالب من القلة بمكان، وقد جمع السيوطي ذلك في صفحات معدودة من الإتقان «8». نعم زاد عليه في جملة العرض والروايات البحراني في الرهان «9»، والحكمة فيه أن اللّه تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته «10». بل هناك ما هو أولى بالقول، فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم قد أعدّ لذلك من أهله لتحمل رسالة التفسير والقيام بها من بعده خير قيام، وهنا يتجلى دور أهل البيت عليهم السّلام بما لا مزيد عليه، ويؤيد قول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام: «كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفضل ما بينكم، ونحن نعلمه» «11».

 

وعند غض النظر عن هذا الملحظ الدقيق وجدنا علماء علوم القرآن يبحثون عن مصادر مكملة لهذا المصدر أو سائره بخطه في الأقل، متناسين المقام الأسمى للأئمة عليهم السّلام، بل حشرهم حشرًا في جملة الصحابة تارة، وفي جملة التابعين وتابعي التابعين تارة أخرى.

 

قال الزركشي: «واعلم أن القرآن قسمان: أحدهما ورد تفسيره في النقل عمن يعتبر تفسيره، وقسم لم يرد، والأول ثلاثة أنواع: إما أن يرد التفسير عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أو عن الصحابة، أو عن رؤوس التابعين، فالأول يبحث فيه عن صحة السند، والثاني ينظر في تفسير الصحابي، فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم، وإن فسره بما شاهد من الأسباب والقرائن فلا شك فيه... وأما الثالث فهم رؤوس التابعين إذا لم يرفعوه إلى النبي ولا إلى أحد الصحابة (رض) فحيث جاز التقليد فيما سبق، هكذا هنا وإلا وجب الاجتهاد» «12».

 

فكأن المصدر النقلي التشريعي عند الزركشي ينحصر في ثلاثة فرقاء:

 

النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والصحابة ورؤوس التابعين، فما لا شك معه يجب أن يبحث فيه عن سنده فقط، وهو ليس قول النبي وما ورد من الشرع، وأما قول الصحابي فتفسيره من حيث اللغة مقبول وكذلك في الاستناد إلى مشاهدات قرائن الأحوال، وأما قول التابعي إذا لم يرفعه، فقد جوز به التقليد تارة، والاجتهاد بمنأى عنه تارة أخرى.

 

وقد اعتبر الزركشي الامام عليًّا عليه السّلام ضمن الصحابة ولم يفرد له حديثًا إلا أنه أعتبره مقدمًا في الصناعة ثم ابن عباس، وهو تجرد لهذا الشأن، والمحفوظ عنه أكثر من المحفوظ عن علي، إلا أن ابن عباس كان قد أخذ عن علي عليه السّلام «13».

وعلى هذا يكون الإمام علي عليه السّلام مصدر ابن عباس في التفسير فهذا أولى بالرجوع إليه في هذا الفن.

 

قال السيوطي: «أما الخلفاء فأكثر من روي عنه فهو علي بن أبي طالب فعن أبي الطفيل قال: شهدت عليًّا يخطب وهو يقول: «سلوني، فو اللّه لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب اللّه، فواللّه ما من آية إلّا وأنا أعلم، أبليل نزلت أم في نهار، أم في سهل أو جبل» «14».

 

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود، قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن «15». وأخرج عن نصير بن سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي عليه السّلام: واللّه ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت، وأنى أنزلت، إن ربي وهب لي قلبًا عقولًا ولسانًا سئولًا.

 

ومما يؤيد هذا ما قاله ابن أبي حمزة عن علي عليه السّلام أنه قال: «لو شئت أن أوقر سبعين بعيرًا من تفسير أم القرآن لفعلت».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ابن الأثير، جامع الأصول: 1 / 187.

(2) المصدر نفسه الجزء والصفحة.

(3) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 2 / 157.

(4) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: 4 / 181.

(5) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 2 / 158.

(6) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: 4 / 171.

(7) الزركشي، البرهان: 2 / 156.

(8) السيوطي، الإتقان: 4 / 214 - 258.

(9) البحراني، تفسير البرهان.

(10) السيوطي، الإتقان: 4 / 171.

(11) الكليني، أصول الكافي: 1 / 61.

(12) الزركشي، البرهان: 2 / 173.

(13) المصدر نفسه: 2 / 157.

(14) السيوطي، الإتقان: 4 / 204.

(15) السيوطي، الإتقان: 4 / 204.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد