من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

الأفكار المشبوهة وتغييب النهضة الحسينية (2)

3) فكرة التأول والتأويل

 

من جملة ما تمسك به أتباع النهج الأموي موضوع تأوّل قتلة الحسين، وأنهم ما خرجوا إليه إلا بتأويل، ومعنى ذلك الصريح؛ أنهم خرجوا لقتله بحجة شرعية في رأيهم وبدليل بين أيديهم يهتدون به.. لا أنهم قتلوه بدوافع دنيوية أو مادية أو لأجل السلطة! وهذا كما يشمل القادة كيزيد وابن زياد، يشمل عامة المقاتلين كما يظهر من كلماتهم بأنه ما خرج الناس لقتاله إلا بتأويل وتأول! وقد صرح بذلك ابن العربي كما تقدم ذكره وأشار إليه بخجل ومواربة ابن كثير!

 

وهنا نقول إنه لا مجال لهذا اللّت والعَجْن!! فإن الحسين عليه السلام صارحهم بل حاكمهم بالقول: أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين باللّه والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أوليس جعفر الطيار عمي، أو لم يبلغكم قول رسول اللّه لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق واللّه ما تعمدت الكذب منذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!

 

ثم قال الحسين عليه السّلام: فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أني ابن بنت نبيكم؟ فو اللّه ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟! أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟! فأخذوا لا يكلِّمونه.

 

فبعد كل هذا التوضيح بل المحاكمة، أي معنى باطل يبقى للحديث عن التأول والتأويل؟! أمامهم هو يقول أنا ابن بنت رسول الله وهذا نسبي حتى لا يحتج أحد بعدم معرفة الشخص! ويقول هؤلاء يقتلونني ظلماً من غير جرم حتى لا يأتي متمحل مخذول فيما بعد ليقول أنت شققت عصا الأمة وفرقتها فنقتلك بسيف جدك!

 

من يقول هذا الهراء؟! يقال له: تأوّل قاتلوه عليه فقتلوه! ثم تأوّلوا فقطعوا رأسه! ثم تأولوا أيضًا فداسوه بحوافر الخيل! ثم ثم تأولوا فسبوا نساءه من بنات رسول الله! ثم تأولوا فحملوا رأسه ورؤوس أصحابه إلى الشام ثم تأولوا فقرعوا ثناياه أمام الناس بالخيزران! ثم تاوّلوا فهدموا داره! ماذا بقي لم يتأولوه؟!

 

4) أنها كانت ذات نتائج ضارة بالأمة ولم يكن فيها نفع!

 

ومن الأفكار التي يبثها أتباع النهج الأموي في تشويه صورة النهضة الحسينية وبالتالي تغييبها عن ذهن الأمة كمثال أسمى، أنها كانت ذات نتائج ضارة بالأمة ولم يكن فيها نفع!

 

وهذه الفكرة يتم التعبير عنها بأساليب مختلفة إذ لما كانت من السوء في دركات، كان كل درَك يحتاج لتعبير خاص به: فعندما يأتي ابن تيمية ليتحدث عن هذه الفكرة (تخطئة الإمام الحسين وحركته!!) يقول: ".. ولَمْ يَكُنْ فِي الخُرُوجِ لا مَصْلَحَةُ دِينٍ ولا مَصْلَحَةُ دُنْيا، بَلْ تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ الطُّغاةُ مِن سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى قَتَلُوهُ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وكانَ فِي خُرُوجِهِ وقَتْلِهِ مِنَ الفَسادِ ما لَمْ يَكُنْ حَصَلَ لَوْ قَعَدَ فِي بَلَدِهِ، فَإنَّ ما قَصَدَهُ مِن تَحْصِيلِ الخَيْرِ ودَفْعِ الشَّرِّ لَمْ يَحْصُلْ مِنهُ شَيْءٌ، بَلْ زادَ الشَّرُّ بِخُرُوجِهِ وقَتْلِهِ، ونَقَصَ الخَيْرُ بِذَلِكَ، وصارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَرٍّ عَظِيمٍ".

 

وهذا نحو من التعبير يستعمل فيه التلبيس والمواربة حتى لا يقال هو يهاجم الإمام الحسين، فلقد اعتبر هؤلاء بما حصل لابن العربي حينما عبر بنحو يستفاد منه أن الحسين قتل بسيف جده فصارت صدمة لمن يقرأ ذلك الكلام فاضطر بعض هؤلاء لأن يعبروا عن آرائهم بنحو لا يكون مباشرًا، وهنا هذا الذي حصل فالقارئ ينتهي إلى هذه المجموعة من الآراء: خروج الحسين لا مصلحة دنيوية ولا دينية فيه (يعني هو خروج عبثي لا يترتب عليه فائدة ولا أجر) وكان ينبغي عليه أن يقعد في بلده إذ لو قعد هناك لما حصل قتله! بل إن هذا الخروج زاد في الفساد الموجود حينئذ ونقص من الخير وصار سببًا لشر عظيم!! ماذا تفهم عزيزي القارئ من هذا الكلام؟ ثم لا بأس لتغطية هذه السوءات أن يقال: فقتلوه مظلومًا شهيدًا!!

 

وهناك دَرَك أسوء من هذا وقع فيه الشيخ محمد الخضري "حين قال: وعلى الجملة فإنّ الحسين أخطأ خطأً عظيمًا في خروجه هذا، الذي جرّ على الأمّة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا، وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك إلّا أن تشتعل النيران في القلوب، فيشتدّ تباعدها. غاية ما في الأمر أنّ الرجل طلب أمرًا لم يهيّأ له، ولم يعدّ له عدّته، فحيل بينه وبين ما يشتهي وقتل دونه، وقبل ذلك قتل أبوه، فلم يجد من أقلام الكاتبين ومن يبشّع أمر قتله ويزيد به نار العداوة تأجيجاً، وقد ذهب الجميع إلى ربّهم يحاسبهم على ما فعلوا، والتاريخ يأخذ من ذلك عبرة وهي: أنّه لا ينبغي لمن يريد عظائم الأمور أن يسير إليها بغير عدّتها الطبيعيّة، فلا يرفع سيفه إلّا إذا كان معه من القوّة ما يكفل النجاح أو يقرب من ذلك، كما أنّه لا بدّ أن تكون هناك أسباب حقيقيّة لمصلحة الأمّة، بأن يكون جور ظاهر لا يحتمل، وعسف شديد ينوء الناس بحمله، أمّا الحسين فإنّه خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر منه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار هذا الخلاف".

 

ونحن هنا لا نقول شيئا كثيراً ولكن نعتقد أن من يخطّئ الإمام الحسين عليه السلام "خطأً عظيمًا" لا ريب أنه لا يلتقي معه في نهج واحد ولا في نتيجة واحدة فإذا كان الحسين سيد شباب أهل الجنة فماذا يكون مكان من يخطئه خطأ عظيماً ويرى الحسين قد جر على الأمة وبال الفرقة والاختلاف إلى يومنا هذا؟! ولا غرابة في ذلك فيمن تكون النزعة الأموية عنده طاغية إلى حد لا يستطيع فيه أن يجامل كما صنع من سبقه ممن نقلنا كلماتهم، فإذا كان بعض أولئك يترضون أو يترحمون فلا مجال عند هذا الرجل لمثل ذلك.

 

في رأي هذا "الخضري": الحسين أخطأ خطأ عظيمًا، بينما يزيد لم يظهر منه ذلك الجور والعسف، الحسين ومن كتب عنه هم الذين زعزعوا ألفة الأمة وسببوا لها الاختلاف! بينما بنو أمية وأتباعهم هم الذين حفظوا وحدتها، الذي يريد الحق والإصلاح لا ينبغي له أن ينهض فيه! إنما من يملك القوة من الظلمة والغَشَمة وأصحاب القوة هم الذين ينبغي أن يتحركوا!

 

أرأيت عزيزي القارئ كيف يحشر المرء في ركاب بني أمية حتى وهم بعيدون عنه بأكثر من ثلاثة عشر قرناً؟ ويحاسب بذنوبهم لحبه لهم ويشترك في أعمالهم وجرائمهم وإن لم يعاصرهم؟ إن هذا الرجل هو من مصاديق حديث رسول الله كما رواه عنه جابر (من أحب قومًا حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم).

 

وإن جئت إلى كلمات محب الدين الخطيب في تعليقاته على كتاب العواصم من القواصم لابن العربي والذي أعاد طباعته ونشره وتوزيعه (وكان ينبغي أن يظل كلام ابن عربي مطمورًا فما يساء إلى الإسلام بنشره في أيام تُوضع فيها الشرائع لقمع الحكام وإلزامهم حدود الأدب، ولكن الإسلام المتعب من كيد أعدائه، يقوم فريق من بنيه بنشر هذه السخافات دعاية له) كما قال المرحوم الشيخ محمد الغزالي في تعليقه على قيام الخطيب بإعادة طباعته ونشره!

 

ولقد كانت إساءات الخطيب إلى حركة الإمام الحسين عليه السلام في تعليقاته أسوأ من الأصل وأقل أدباً مع الإمام عليه السلام من ابن العربي وأدنى إدراكًا لفهم أهداف النهضة الحسينية من إدراك صاحبه ابن العربي. ويكفي لفهم نزعته الأموية أن نرى أنه بعث من العدم هذا الكتاب الذي كان ينبغي طمره تحت التراب.

 

ولولا أننا رأينا القرآن الكريم أحيانًا ينقل ضلالات أعداء الأنبياء والشرائع لبيان كيف يَسِف الإنسان إلى أدنى المستويات أو يؤمن بما ينبغي أن يخجل من نسبته إليه، لا لتلويث صفحات القرآن وإنما للرد عليهم والتحذير منهم ومن هذا المستوى، لولا ذلك لنزهنا هذه الصفحات عن ذكر تلك الأسماء وما نفثته نزعاتهم الأموية.

 

هنا لا بد أن نشير إلى أهمية الزيارات وكونها تعيد تعريف الإمام وما قام به، وذلك عندما يقول الزائر (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين..) وحتى يتبين الموقف من أمثال هؤلاء فإن الزيارات تجعلهم في صف القتلة المجرمين (فلعن الله أمة قتلتك – أي هذه قد مضى زمانها - ولعن الله أمة ظلمتك - وهذه كانت ولا تزال فإن من يصف الحسين بما سبق ذكره - لا ريب ظالم له، - ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به- وهؤلاء حتى لو لم يقولوا شيئاً كما قال من ذكرناهم ولكن رضوا بما حصل ولم ينكروه فإنهم داخلون في هذا اللعن).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد