الشيخ جعفر السبحاني ..
المشهور أنّ أوّل من أرّخ بالتاريخ الهجري هو عمر بن الخطاب. يقول اليعقوبي: "وفيها سنة 16 هـ أرّخ عمر الكتب وأراد أن يكتب التاريخ منذ مولد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال من المبعث، فأشار عليه علي بن أبي طالب عليه السلام أن يكتبه من الهجرة، فكتبه من الهجرة".
وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب أنّه قال: جمع عمر الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ؟ فقال علي بن أبي طالب: من يوم هاجر رسول اللَّه، وترك أرض الشرك، ففعله عمر رضى الله عنه، هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاهُ.
ويظهر من ابن كثير الدمشقي أنّ اليعقوبي والحاكم لخّصا القصة وكانت هي أطول ممّا ذكراه. حيث نقل عن الواقدي أنّه قال: "وفي الربيع الأوّل من هذه السنة - أعني سنة 16- كتب عمر بن الخطاب التاريخ وهو أوّل من كتبه".
وأضاف ابن كثير قائلًا: قد ذكرنا سببه في سيرة عمر، وذلك أنّه رفع إلى عمر صكّ مكتوب لرجل على آخر بدين يحلّ عليه في شعبان، فقال: أي شعبان؟ أمن هذه السنة أم التي قبلها، أم التي بعدها؟ ثمّ جمع الناس فقال: ضعوا للناس شيئاً يعرفون فيه حلول ديونهم، فيقال: إنّهم أراد بعضهم أن يؤرّخوا كما تؤرّخ الفرس بملوكهم كلّما هلك ملك أرّخوا من تاريخ ولاية الذي بعده فكرهوا ذلك، ومنهم من قال: أرّخوا بتاريخ الروم من زمان إسكندر فكرهوا ذلك، ولطوله أيضاً، وقال قائلون: أرّخوا من مولد رسول اللَّه، وقال آخرون من مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرّخ من هجرته من مكّة إلى المدينة لظهوره لكل أحد، فإنّه أظهر من المولد والمبعث، فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرّخ من هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأرّخوا من أوّل تلك السنة من محرّمها، وعند مالك رحمه الله فيما حكاه عن السهيلي وغيره أنّ أوّل السنة من ربيع الأوّل لقدومه صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة، والجمهور على أنّ أوّل السنة من المحرّم لأنّه أضبط لئلّا تختلف الشهور، فإنّ المحرّم أوّل السنة الهلالية العربية.
ولكن الجزم والإذعان بصحّة هذه النقول مشكل، والظاهر أنّ أوّل من أرّخ بالسنة الهجريّة، هو النبيّ الأكرم حسب تضافر النصوص الموجودة في ثنايا الكتب وما ظفرنا عليه من النصوص تدلّ على كون التأريخ بالهجرة في زمن النبي وبعده:
1- ما روي عن الزهري: إنّ رسول اللَّه لمّا قدم المدينة مهاجراً أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأوّل.
2- ما رواه الحاكم وصحّحه عن عبد اللَّه بن العباس أنّه قال: كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول اللَّه المدينة، وفيها ولد عبد اللَّه بن الزبير.ودلالته على المقصود واضحة، لأنّه قال: كان التاريخ في السنة ولم يقل: من السنة.
3- إنّ بعض الصحابة كانوا يعدّون بالأشهر من مهاجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أواسط السنة الخامسة، مثلًا أرّخوا تحويل القبلة على رأس سبعة عشر شهراً، وفرض رمضان على رأس ثمانية عشر شهراً من هجرة الرسول.
4- ما رواه أبو نعيم عن عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسلمان الفارسي وهو مؤرّخ بسنة تسع للهجرة، وهو ينقل عن الحسين بن محمد بن عمرو الوثابي: إنّه رأى هذا السجل بشيراز بيد سبط لغسّان بن زاذان بن شاذويه بن ماهبنداز، وهو أخو سلمان، وهذا العهد بخط علي بن أبي طالب، مختوم بخاتم النبي، فنسخ منه ما صورته:
"بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم. هذا كتاب من محمد رسول اللَّه سأله سلمان وصيّة بأخيه ماهبنداز أهل بيته وعقبه..." وفي آخر العهد: "وكتب علي بن أبي طالب بأمر رسول اللَّه في رجب سنة تسع من الهجرة، وحضره أبوبكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرّحمان، وسعد، وسعيد، وسلمان، وأبوذر، وعمّار، وعيينة، وصهيب، وبلال، والمقداد، وجماعة آخرون من المؤمنين".
وذكره أيضاً أبو محمد بن حيّان عن بعض من عني بهذا الشأن: إنّ رهطاً من ولد أخي سلمان بشيراز زعيمهم رجل يقال له "غسّان" بن زاذان معهم هذا الكتاب بخط علي بن أبي طالب في يد غسان، مكتوب في أديم أبيض مختوم بخاتم النبي وخاتم أبي بكر وعلي رضي اللَّه عنهما على هذا العهد حرفاً بحرف إلّا أنّه قال: وكتب علي بن أبي طالب، ولم يذكر عيينة مع الجماعة.
ونقل أيضاً عن أبي كثير بن عبدالرحمان بن عبد اللَّه بن سلمان الفارسي، عن أبيه، عن جدّه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أملى هذا الكتاب على علي بن أبي طالب رضى الله عنه: هذا ما فادى محمد بن عبد اللَّه رسول اللَّه فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي، ثمّ القرظي بغرس ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهب، فقد برء محمد بن عبداللَّه رسول اللَّه لثمن سلمان الفارسي، وولّاه لمحمد بن عبداللَّه رسول اللَّه وأهل بيته فليس لأحد على سلمان سبيل. شهد على ذلك: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب... وكتب علي بن أبي طالب يوم الإثنين في جمادي الأولى مهاجر محمد بن عبد اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
5- كتب خالد بن وليد لأهل دمشق: إنّي قد أمنتهم على دمائهم وأموالهم وكنائسهم... وفي آخره شهد أبو عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة، وكتب سنة 13.
إلى غير ذلك من النصوص التي جاء بها الفاضل المتتبّع السيّد جعفر مرتضى العاملي في مقاله في مجلة الهادي وهذا يعرب عن أنّ التاريخ بالهجرة كان قبل الخليفة، وغاية ما يمكن تصحيح ما ورد بأنّ الخليفة أرّخ بالهجرة هو أنّ النبيّ أرّخ بالهجرة ولم يشتهر بين الناس لقلّة حاجاتهم إلى التاريخ، فلمّا انتشر الإسلام خارج الجزيرة مسّت الحاجة إلى تاريخ الكتب والرسائل الواردة من مختلف الأرجاء، جمع الخليفة صحابة النبي وأشار الإمام بنفس ما فعله رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
وممّا يؤسف له أنّ المسلمين نسوا أمجادهم التاريخية والحضارية التي كرّمهم الإسلام بها، فعادوا يؤرّخون كتبهم ورسائلهم بالتاريخ المسيحي، فكأنّهم ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُم﴾ وقد رأيت بعيني رسالة لشيخ الأزهر الشيخ محمود عبد الحليم وقد أرّخها بالتاريخ المسيحي الميلادي ولم يذكر- حتّى في جنبه - التاريخ الهجري، فإذا كان هذا حال شيخ الأزهر فما ظنّك بغيره؟
إذا كان ربّ البيت بالدّف مولعا فشيمة أهل البيت كلّهم رقص
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان