الشّيخ جعفر السّبحانيّ
الإمام الحسنُ بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم، أبو محمّد القُرَشِيّ الهَاشِميّ، المَدَنيّ، ثاني أئمّة أهل البيت الطّاهر، سبطُ الرّسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله، وريحانتُه، وسيّدُ شَبابِ أهلِ الجنّة.
وُلد بالمدينة ليلة النّصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجِيءَ به إلى النّبيّ، صلَّى الله عليه وآله، فأذّن في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وعقّ عنه بكبش، وسمّاه حسناً، وكنّاه أبا محمّد. وكان شبيهَ جدّه صلَّى الله عليه وآله.
خصّه النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وأخاه الحسين بحبٍّ وحنان غامر، ورُوِيَت في حقِّه أحاديث كثيرة، منها: قال صلَّى الله عليه وآله للحَسن: «اللَّهُمَّ إِنّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ».
روى الإمام الحسن عليه السّلام عن: جدِّه المُصطفى صلَّى الله عليه وآله، وعن أبيه، وأُمّه عليهما السّلام.
روى عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غَفَلة، وأبو الحوراء السّعديّ، والشَّعبيّ، وأصبغ بن نباتة، والمُسيّب بن نَجَبة، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، ومحمّد بن سيرين، وجماعة.
وكان يجلس في مجلس رسول الله صلَّى الله عليه وآله يحدّث فيه، ويجتمع النّاس حوله، وكان إذا تكلَّم أخذ بمجامع قلوب سامعيه، وودّوا أن لا يسكت، وكان معاوية يقول لمن يريد أن يخاصم الحسن عليه السّلام: «لا تفعل، فإنّهم قومٌ أُلهِموا الكلام».
وقد نُقلت عنه خطب وكلمات وحِكم ووصايا ورسائل، وله احتجاجاتٌ ومناظراتٌ تدلّ على بُعد نظره وثاقبِ فكره، وعُمق وَعيه للأمور والقضايا.
وكان مُعتَمداً عند أبيه عليه السّلام، حائزاً على محبّته وثقته، متفانياً في سبيل قضيّته، وكان أمير المؤمنين عليه السّلام يُحيل إليه بعض المسائل التي تَرِدُ عليه، ويبتدره هو بالأسئلة أحياناً، ليُظهرَ فضله وعلمَه وعلوَّ مقامه، وكان يُرسله في المهامّ الجليلة، فيُنجزها على أحسن وجه، فقد بعثَه مراراً إلى عثمان بن عفّان لمّا اشتكى النّاس إلى عليّ عليه السّلام أمرَه، وبعثَه إلى الكوفة، وبعثَ معه عمّار بن ياسر، فعزل أبا موسى الأشعريّ الذي كان يثبّط الناس عن أمير المؤمنين في قتال أصحاب الجمل، واستنفر النّاس للجهاد، فنفروا، وجاء إلى أبيه بعشرة آلاف مقاتل.
وكان الإمام الحسن عليه السّلام من أوسع الناس صدراً وأَسجَحِهم خُلُقاً [السّجَح: اللِّينُ والسّهولة]، زاهداً، عابداً، عظيمَ الخشوع، وكان أحد الأجواد المشهورين، حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً، والنجائب تُقاد معه، وخرج من ماله مرّتين، وقاسم الله تعالى مالَه ثلاث مرّات، وكان إذا توضّأ ارتعدت فرائصُه، واصفرّ لونُه.
وكان شجاعاً، مقداماً، خاض مع أبيه حروب الجمل وصِفّين والنّهروان، واقتحم بنفسه الأخطار، حتّى قال أمير المؤمنين عليه السّلام وقد رآه يقتحمُ إلى الحرب في بعض أيّام صفّين: أَملِكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنّي أنفسُ بهذَين [يعني الحسن والحسين عليهما السلام] على الموت، لئلَّا ينقطعَ نسلُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله.
ولمّا استُشهد الإمام عليّ عليه السّلام في شهر رمضان سنة أربعين للهجرة، صعد الإمام الحسن عليه السّلام المنبر، وخطب في النّاس، وتحدّث عن فضائل أبيه، ثمّ قام ابن عبّاس بين يدَيه، فقال: معاشرَ النّاس، هذا ابنُ نبيّكم، ووصيُّ إمامكم، فبايعوه، فاستجابَ الناس، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة، ثمّ نزل من المنبر، فرتّبَ العُمّال وأمّرَ الأُمراء، وزاد المقاتلةَ مائةً مائة، ثمّ كتب إلى معاوية بالشّام يدعوه إلى الدّخول في البيعة، وتَرْكِ البَغي والشّقاق، من أجل صلاح المسلمين، وحَقْنِ دمائهم، فعاندَ معاويةُ ولم يُجِب إلى ذلك، بل أصرّ على شقِّ عصا المسلمين، وقادَ جيشاً عظيماً، وقصدَ العراق، فلمّا بلغ ذلك الإمامَ الحسن عليه السّلام، حثّ النّاس على الجهاد، وسار بجيشه لملاقاة معاوية، ثمّ جرت أحداثٌ بعد ذلك، وآل الأمرُ بالإمام الحسن عليه السّلام إلى عقد الصّلح مع معاوية اضطراراً، وقد بسط العلماءُ والكتّابُ البحثَ في تحليل أسباب الصّلح وأهدافه، ونتائجه، فلتُراجَع في مظانّها.
ولكَون هذا الصّلح من القضايا المُهمّة في تاريخ المسلمين، وبسبب ما أُثير حوله من شبهات من بعض المُغرضين، يحسن بنا أن نُشير إلى ما ذكره ابن الأثير في (الكامل)، لعلّه يكشف جانباً من الواقع السَّيِّئ الذي اضطُرّ الإمام عليه السّلام إلى قبول الصلح.
قال: «لمّا راسل معاوية الحسن في تسليم الأمر إليه، خطب فقال: إِنّا وَاللهِ ما يُثْنينا عَنْ أَهْلِ الشّامِ شَكٌّ وَلا نَدَمٌ، وَإِنَّما كُنّا نُقاتِلَ أَهْلَ الشّامِ بِالسَّلامَةِ وَالصَّبْرِ، فَشِيبَتِ السَّلامَةُ بِالعَداوَةِ وَالصَّبْرُ بِالجَزَعِ.. أَلا إِنَّ مُعاوِيَةَ دَعانا لِأَمْرٍ لَيْسَ فيهِ عِزٌّ وَلا نَصَفَةٌ، فَإِنْ أَرَدْتُمُ المَوْتَ رَدَدناهُ عَلَيْهِ وَحاكَمْناهُ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بظُبا السُّيوفِ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الحَياةَ قَبِلْناهُ، وَأَخَذْنا لَكُمُ الرِّضى، فناداه النّاس من كل جانب: البقية البقية...».
أقول: ومع هذه الرّوحيّة المهزومة، والرّغبة عن الجهاد، والإخلاد إلى الدّنيا، كيف يتأتّى للقائد أن يقتحم بهم الميادين، ويخوض غمرات الجهاد.
ولمّا تمّ الصّلح أقام الحسن عليه السّلام، بالكوفة أيّاماً، ثمّ خرج إلى المدينة، فأقام بها إلى أن تُوفّي، وكانت مدّة خلافته الظّاهريّة ستّة أشهر وأيّاماً.
وممّا أُثر عن الإمام عليه السّلام من المواعظ والحكم: قال وقد دعا بَنيه وبني أخيه: «يا بَنيّ وبَني أَخي، إِنَّكم صُغارُ قَوْمٍ، وَيوشَكُ أَنْ تَكونوا كِبارَ آخَرينَ، فَتَعَلَّمُوا العِلْمَ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطَعْ مِنْكُمْ أَنْ يَرْوِيَهُ أَوْ يَحْفَظَهُ، فَلْيَكْتُبْهُ، وَيَجْعَلْهُ في بَيْتِهِ».
وقال: «مَنِ اتَّكَلَ عَلى حُسْنِ اخْتِيارِ اللهِ لَهُ، لَمْ يَتَمَنَّ أَنَّهُ في غَيْرِ الحالَةِ الّتي اخْتارَها اللهُ تَعالى لَهُ».
تُوفّي عليه السّلام مسموماً سنة خمسين، وقيل: تسع وأربعين، وقيل غير ذلك، ودُفن بالبقيع.
قال ثعلبة بن أبي مالك: شَهِدنا حسنَ بن عليّ يومَ مات ودفنّاه بالبقيع، فلقد رأيتُ البقيعَ لو طُرحت إبرةٌ ما وقعت إلَّا على إنسان.
ورُوي أنّ معاوية لمّا أرادَ البيعة لابنه يزيد، لم يكُن شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن عليّ، فدسّ إليه سمّاً فمات منه. وكان الذي تولّى ذلك من الحسن عليه السّلام امرأتُه جعدة بنت الأشعث بن قيس.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان