من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

القاديانية



الشيخ جعفر السبحاني

ظهرت القاديانية على يد الميرزا غلام أحمد القادياني (1252-1316 هـ) في إقليم البنجاب وعاصمتها لاهور وفي مديرية غوردا سفور من هذا الإقليم وفي قرية صغيرة فيها تسمّى قاديان، ولد فيها مؤسس المسلك ميرزا غلام أحمد القادياني، وإليها كانت نسبته وفيها نبتت نحلته.

سيرته الذاتية:
ولد الميرزا غلام أحمد القادياني عام 1839 م الموافق 1252 هـ في قرية قاديان، وكان والده يحترف الطب القديم في عهده ويجيده، ولمّا بلغ الميرزا سن التعليم شرع في تلقي مبادئ العلوم وقراءة القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية والفارسية إلى جانب معرفته بالأُردية، وتلقّى دروساً في المنطق والحكمة والعلوم الدينية والأدبية في مسقط رأسه «قاديان» والطب القديم على والده، وعرف بالعكوف على المطالعة والانقطاع إليها، وكان مهتماً بدراسة كتب التفسير والحديث والتدبّر في القرآن، وأُولع بمطالعة الأسفار القديمة من كتب الشيعة وأهل السنّة وكتب الأديان الأُخرى.

الظروف الّتي أحاطت بدعوته:
1-إنّ الهند بلاد مترامية الأطراف، نشأت بها منذ القدم أديان ومذاهب مختلفة، وشكّل هذا التنوّع الهائل في العقيدة قوام حياتها، وأساس نظمها وأكبر مؤثر في تاريخها قديماً وحديثاً، فإلى جانب الديانة الهندوسية، هناك الإسلام والبوذية والمسيحية وبجوار أُولئك مذاهب أُخرى لها من الأتباع القليل.
وفي بيئة كهذه حيث طغى عليها التنوّع والتسامح ظهرت القاديانية.
2-لقد تعرضت الهند إلى غزو الإنجليز الذين لم يكتفوا بذلك، بل حرصوا على غزوها ثقافياً من خلال إرسال بعثات تبشيرية إليها.
وأثبت القساوسة والمبشرون في القرى والمدن ونشطوا في دعوتهم إلى المسيحية، مشنّعين على العقيدة الإسلامية، معلنين شامتين زوال دولة الإسلام وانقضاء عهده.
ولقد عمّقوا عن عمد الصراع الديني بين المسلمين وغيرهم من الطوائف كالهندوس، ممّا أدّى إلى إبطاء الزحف الإسلامي.
ولقد أثاروا شبهات وفتحوا جيوب مريبة، كلّ ذلك من أجل إضعاف المسلمين وتشتيت الفكر الإسلامي في عدة تيارات ينمّ كلّ منها عن هدف لهم مقصود.
ففي خضم هذه الأحداث، ظهرت دعوة الميرزا وكان النصر حليفها في نفس الإقليم، وذلك لأنّ طبيعة البيئة ساعدت إلى حد كبير إلى ظهور دعوته وانسياق الناس وراءها لاسيّما في ظروف كانت الشبهات الملحدة والدعوات التبشيرية تستهدف الإسلام والمسلمين.
نعم وراء ذينك العاملين، ثمة عامل ثالث وهو أنّ دعوته تمت باسم الإسلام، وأنّها دعوة إصلاحية يبغي وراءها نفض كثبان الجهل والخرافة عن وجه الدين، ففي ظل هذه العوامل الثلاثة ظهرت الدعوة القاديانية الّتي يعبر عنها أحياناً بالأحمدية، في القارة الهندية، ومنها انتشرت إلى سائر الأصقاع.
ومن الدلائل الواضحة على أنّه أخذ الإسلام غطاء وواجهة لنشر أفكاره ودعوته، هو أنّه قام بترجمة القرآن الكريم في مرحلة من مراحل دعوته، وصار ذلك سبباً لانجذاب السذج من المسلمين إلى دعوته.

حقيقة دعوته :
إنّ دعوة الميرزا غلام أحمد القادياني مرت بمراحل ثلاثة يختلف بعضها عن بعض في المضمون والمحتوى، وربّما كانت المرحلة الأُولى من دعوته دعوة إصلاحية توافق الرأي العام الإسلامي، وقد أطلق على هذه المرحلة دعوى الإصلاح والتجديد، وقد بدأ دعوته في هذه المرحلة بتأليف كتاب «براهين أحمدية» عام 1879 م، ودار نشاطه فيها حول محور أبرزه وركز عليه هو أنّ دعوته قائمة على إصلاح العالم والدعوة إلى الإسلام وتجديده.
وتناول في هذه المرحلة التعريف بالإسلام وإثبات فضله وبيان إعجاز القرآن وإثبات نبوة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسهب في الرد على الديانات والنحل السائدة في الهند آنذاك. وكانت تلك المرحلة بمثابة إعلان أخرجه من الخمول والعزلة الّتي كان يعيش فيها إلى إلفات الأنظار وتجمّع بعض القلوب عليه وذيوع خبره في بلاد الهند.
ومع أنّ هذه المرحلة لم تكن تخلو عن الشطحات والإلهامات والمنامات إلاّ أنّها بصورة عامّة كانت دعوة مطلوبة لأكثر الناس.
وأمّا المرحلة الثانية فتتميز عن سابقتها بأنّها تتضمن الدعوة إلى أُمور، هي كالتالي:
1-المسيح (عليه السلام) توفي في كشمير ودفن هناك، وأن القبر المشهور بقبر بوذاسف في «حارة خان يار» هو قبر المسيح.
2-بما أن المسيح (عليه السلام) توفّي، فالمسيح الّذي وعد المسلمون برجوعه عند قيام المهدي هو الميرزا، وقد طرح تلك الفكرة عندما كانت فكرة المهدي والمسيح الموعود قد تغلغلت في المجتمع الإسلامي وتنتظر من يقوم بها ليجد أرضاً خصبة ونفوساً مستجيبة.
وقد أوّل نزول المسيح عند قيام المهدي بأن ليس المراد من النزول هو نزول المسيح، بل هو إعلام على طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وأنّ الميرزا مصداق هذا الخبر حسب الإلهام.
3-أنه قد أرسل لإصلاح الخلق ليقيم هذا الدين في القلوب من جديد وليدك عقيدة الصليب ويكسرها ويقتل الخنازير. وأمّا المرحلة الثالثة فقد أفصح عن نواياه عبر تكلّمه عن الإلهام والعلم الباطني والدعوة إلى النبوة في تلك المرحلة.

هذه عصارة المراحل الّتي طواها الميرزا في دعوته.
ولمّا كانت دعوته عبر هذه المراحل مختلفة في الاعتدال والتطرّف حيث تبتدئ من كونه رجل الإصلاح وتجديد الدين الإسلامي وتنتهي بالدعوة إلى النبوّة. اختلفت آراء العلماء في حقيقة الدعوة القاديانية، فمنهم من أنكر أنّه ادّعى النبوة، ومنهم من أثبته وشنع عليه، وها نحن نذكر نماذج من أقوالهم:
فالأُستاذ العقاد يقول: لم يثبت أنّه ادّعى النبوة، وإنّما دعواه أنّه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، وقد نقل عنه أنّه قال: لا ادّعي النبوة وما أنا إلاّ محدّث. ([1])
وعلى هذا الرأي محمد إسماعيل الندوي: من الواضح البيّن عندنا على ضوء قراءتنا لكتب القادياني أنّه لم يدّع يوماً من الأيّام النبوة الحقيقية، ولم ينسب نفسه نبيّاً حقيقياً بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ينسخ رسالته ويبطل كونه خاتم الأنبياء، بل كل ما قاله إنّه هو المهدي الموعود أو المسيح الموعود أو النبي وفق عقيدة التجسد. ([2])
وهناك شخصيات يدّعون أن ميرزا غلام أحمد القادياني ادّعى النبوة بالمعنى الحقيقى التام، وقد صرح ميرزا غلام في كتبه بدعواه الرسالة والنبوة، فكتب: دعوانا: أنا رسول ونبي. كما كتب: أنا نبي، وفقاً لأمر الله وأكون آثماً إن أنكرت ذلك، وإذا كان الله هو الّذي يسمّيني بالنبي فكيف لي أن أنكر ذلك؟ إنّني سأقوم بهذا الأمر حتّى أمضي عن هذه الدنيا. ([3])
ويرى الأُستاذ أبو الحسن الندوي أنّ الميرزا قد بذر بذور ادّعائه النبوة في كتبه، ورسم الخطة لها من أوّل يوم، وكانت النتيجة الطبيعية لمنطقه ومقدّماته فيما كتب هي ادّعاؤه النبوة والتصريح بها في يوم من الأيّام، وقد كانت دعواه العريضة بذلك، إذ يقول: إنّني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف، وقد شهد لي القرآن وشهد لي الرسول، وقد عيّن الأنبياء زمان بعثتي، وذلك هو عصرنا هذا.([4])
ويعتبر الأُستاذ إقبال اللاهوري أنّ القاديانية ثورة على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومؤامرة ضد الإسلام، وديانة مستقلة، وأنّها محاولة منظمة لتأسيس طائفة جديدة على أساس نبوة منافسة لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّها تريد أن تنحت من أُمّة النبي العربي (صلى الله عليه وآله وسلم) أُمّة جديدة للنبي الهندي.([5])

عقائد القاديانية:
إنّ القاديانية كغيرها من المذاهب الإسلامية تحترم كثيراً من العقائد الإسلامية، وها نحن نذكر موجزاً عن عقيدة مؤسسها:
1-عقيدته في الإلوهية:
يقول: وممّا يجب على جماعتي اتبّاعه أن يعرفوا عن يقين أنّ لهم إلهاً قادراً وقيوماً وخالقاً للكون كلّه، أزلي الصفات وأبديّها، لا يخضع للتطور، ولا يلد ولم يولد.
2-عقيدته في الرسول وشريعته :
إنّه ادّعى النبوة والرسالة على النحو الّذي بينّاه، ومع ذلك ادّعى أنّ رسالته مؤيدة للإسلام لا ناسخة لشريعته، يقول: أمّا ما يطلب الله منكم من ناحية العقائد، هو أن تعتقدوا أن الله واحد لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم أجمعين فلا نبي بعده إلاّ من خلع عليه رداء المحمدية على وجه التبعية لأنّ الخادم لا يغاير مخدومه، ولا الفرع بمنفصل عن أصله.
3-عقيدته في القرآن الكريم :
قال: ألاّ تضعوا القرآن كالمهجور، لأنّ لكم فيه حياة، إنّ الذين يعظّمون القرآن سيلقون العزة والكرامة في السماء، وإنّ الذين يفضّلون القرآن على كل حديث ورأي سيفضّلون في السماء.
4-عقيدته في العبادات:
فأقيموا صلواتكم الخمس في تضرع وانتباه كأنّكم في حضرته وأتمّوا صيامكم لله في صدق، ومن استحقت عليه الزكاة فليؤدّ زكاته، ومن وجب عليه الحج فليحج إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، قوموا بالعمل الصالح حذرين وانبذوا المنكر متبرّئين.
5-عقيدته في الجهاد:
لمّا ادّعى هو المسيح المنتظر فقد وضع الجهاد عن أتباعه، وقال: إنّ هذا الفتح المعذر للإسلام في آخر الزمان لا يتاح بالأسلحة المصنوعة بيد البشر، بل بالحرية السماوية الّتي تستعملها الملائكة.
أصدر عبد العزيز الدهلوي فتواه عام 1803 م ونادى فيها بوجوب الجهاد ضد الإنجليز، وسانده العلماء في فتواهم، ثم كانت ثورة 1857 م وما انتهت إليه، وظل المستعمر في الهند آنذاك يخشى فكرة الجهاد والمجاهدين، لذا لجأ إلى بعض العلماء يصطنعهم لاستصدار فتاوى بشأن الجهاد في الهند، وهل يجوز أو لا؟
وفي هذا الظرف الّذي قام فيه المسلمون ضد الإنجليز أصدر فيه الميرزا فتواه بوضع الجهاد عن أتباعه وأنّ الجهاد قد انتهى واستنفد أغراضه.
وهذا هو السبب لاتّهام الرجل بالتعاون مع المستعمرين وتعاطفه معهم ويشهد له بعض كلماته في حق المستعمر.
***

وبما أنّ الدعوة القاديانية كانت بمقربة من الدعوة البابية والبهائية، وكلتا الدعوتين تهدفان إلى إنكار ختم الرسالة والنبوة وتأويل قوله سبحانه: (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) بزينة النبيّين، يبعث الاطمئنان على أنّ الديانتين أو المسلكين كانا مؤيدين من قبل الاستعمار، فالبابية وليدة الاستعمار الروسي والقاديانية وليدة حماية الاستعمار الانجليزي.
هذا بحث موجز عن القاديانية، اقتبسناها ممّا أُلّف حولها من الكتب.([6])
________________________________________
[1] . انظر الإسلام في القرن العشرين: 144 .
[2] . القاديانية: 110 .
[3] . المسألة القاديانية: 28 و 29 .
[4] . القادياني والقاديانية: 67 و 68 .
[5] . القادياني والقاديانية: 9- 11 .
[6] . راجع: القاديانية نشأتها وتطورها للدكتور عيسى عبد الظاهر ; القاديانية بقلم أبي الحسن علي الحسني الندوي وأبو الأعلى المودودي ومحمد الخضر حسين ; القاديانية والاستعمار الانجليزي للدكتور عبد الله سلوم السامرائي.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد