السيد جعفر مرتضى
الخوارج في العهد العباسي :
كما أنّ الخوارج قد حاربوا العباسيين في مناسبات كثيرة ، ولكن بفعالية أقل ممّا كانت عليه في السابق ، فإنّ جذوتهم بدأت تخبوا ، وخطرهم بدأ ينحسر ، ولذا فلا نرى لتفصيل الكلام في حركاتهم كبير فائدة .
نعم ، لا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ نحلة الخوارج قد ظهرت في أواخر العهد الأموي بين البربر في الشمال الإفريقي وقوى أمرهم ، وحاربوا حكّام تلك البلاد ، حتى سيطروا على القيروان إلى أن أخرجها منهم يزيد بن حاتم بن قبيصة ، الذي أرسله المنصور العباسي .
كما أنّ بعض أسر الخوارج قد حكمت تاهرت لأكثر من 130 عاماً حتى أزالهم عنها الفاطميون ، ولعلّ سرّ انتشار هذه النحلة بين البربر هو سذاجة هؤلاء وسطحيتهم آنئذٍ ، ثمّ انجذابهم إلى الشعارات البراقة التي كان الخوارج يرفعونها باسم الدين ، بالإضافة إلى الظروف الخاصة التي كان يعاني منها البربر .
ولكنّ هؤلاء البربر أنفسهم قد عادوا إلى التشيع بمجرّد ظهور الفاطميين ، وكانوا دعامة ملكهم ، وإن كان لا يزال البعض منهم يعتنق نحلة الخوارج ، ويعيشون في بعض المناطق في الشمال الإفريقي حتى الآن .
مفارقات هامّة في سياسات الخوارج :
ونجد أنّ المواقف السياسية للخوارج بعض المفارقات مثل :
ألف ـ ما يذكره البعض : من إنّهم قد بايعوا زيد بن عليّ ، حينما ثار على الحكم الأموي ، كما أنّ بعض شعرائهم وهو حبيب بن جدرة الهلالي قد رثاه حينما استشهد ، مع أنّ زيداً هذا هو حفيد عليّ (عليه السّلام) الذي قتلهم وأباد خضراءهم ، وكانت دعوته شيعية علوية خالصة .
ب ـ إنّ شيبان بن سلمة الخارجي ، زعيم الفرقة الشيبانية قد أعان أبا مسلم الخراساني القائم بأمر الدعوة العباسية ، وابن الكرماني على العامل الأموي نصر بن سيّار .
ج ـ إنّهم قد أعانوا ابن الزبير أيضاً ، حيث قد وجدوا : أنّ من واجبهم أن يمنعوا حرم الله من الغزو الأموي ، فذهبوا إلى ابن الزبير ، فأظهر لهم أنّه على رأيهم ، فقاتلوا معه أهل الشام ، ثمّ امتحنوه فظهر لهم أنّه مخالف لهم فتركوه وكان ذلك سنة 64ﻫ .
د ـ قال ابن خلدون : ( وولى مروان على العراق النضر بن سعيد الحريشي ، وعزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فامتنع عبد الله بالحيرة ، وسار إليه النضر وتحاربا أشهراً ، وكانت الصفرية مع النضر عصبة لمروان ، لطلبه بدم الوليد ، وأمه قيسية ) .
ومن المعلوم أنّ الصفرية هم إحدى فرق الخوارج الكبرى ولا سيما في أواخر العهد الأموي .
انحسار دعوة الخوارج وأسبابه :
قد تقدّم ما يوضّح بعض أسباب انحسار دعوة الخوارج عن مناطق الحركة العلمية ، والنشاط الثقافي ، والنفوذ والقوّة والازدّهار ليعيشوا في مناطق نائية حياة فيها الكثير من مظاهر الجهل والقسوة والبداوة ، وحرمهم إلى حدًّ كبير من المساهمة في المدّ الثقافي والعلمي الذي كان يزداد قوّة يوماً عن يوم ، ثمّ من التمّتع بكثير من الطيبات التي أحلّها الله لعباده ، حتى أصبحوا في نهاية الأمر لصوصاً سلابين كما أخبر به عليّ (عليه السّلام) ، ونصّ عليه عدد من المؤرّخين والباحثين .
ونؤكّد على أنّ ممّا ساهم في انحسار دعوتهم ، وتحجيم نشاطهم سرعة تفرّقهم ، وتشعّبهم فرقاً وأحزاباً ، بسبب إنّهم ـ كما قال عليّ (عليه السّلام) ـ : ( معاشر إخفّاء الهام سفهاء الأحلام ) الأمر الذي أعطى لأعدائهم الفرصة للاستفادة من هذه الحالة ، فكان المهلّب يحاول إلقاء الخلاف بينهم ، وقد نجح في ذلك إلى حدٍ ما .
ثمّ هناك تركيبتهم غير المتناسقة ، ثمّ ظروفهم الحياتية وحالتهم الفكرية والثقافية ، ثمّ طبيعة تعاليمهم التي كانت تنعكس على مواقفهم ، وعلى تحرّكهم السياسي والعسكري ، وغير ذلك ، وتؤثّر في حِدِّيتهم في مواقفهم ، وتجعلها تتسم بالعفوية والارتجال ، ولا تساعد على التخطيط السرّي المنظّم لها .
هذا كله بالإضافة إلى عدم وضوح كثير من الأمور الدينية لهم ، حيث لم يكونوا قادرين على التمييز بين الإيمان والكفر وموجباتهما .
تساهل الخوارج عبر الزمن :
ويلاحظ هنا : أنّه كلما طال العهد كلما اتجه الخوارج إلى التخفيف من حدّة تعاليمهم وعقائدهم ، تبعاً لازدياد معارفهم وإدراكاتهم لضرورات الحياة ، حتى لقد تساهلوا في موقفهم بالنسبة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فقد جنح التناوتي إلى الاعتدال في مسألة الحكم على عليّ (عليه السّلام) وهي دائماً من أمّهات المسائل عند الأباضيّة ، فإنّ عمدة ومحور مذهب الخوارج ، والمبرر لوجودهم هو تكفير الخليفتين عثمان وعليّ (عليه السّلام) ، بل لقد نقل لنا بعض الإخوان عن بعض علمائهم في الجزائر : إنّهم يظهرون الحبّ لعليّ وآله وينكرون أن يكون ابن ملجم قاتل عليّ (عليه السّلام) منهم ، فإنّ صحّ هذا فإنّه يكون تطوراً جديداً وهامّاً جدّاً في مذهب الخوارج .
وإنّ تساهل الأباضيّة في كثير من الأمور ـ حتى أننا لا نجد إلاّ القليل من أوجه الشبه بينهم وبين أسلافهم في الصدر الأول ـ ليفسّر لنا بقاءهم على مرّ الزمن بينما نجد غيرهم من الفرق قد بادوا وانقرضوا بسرعة منذ القرون الأولى ، فإنّ تساهلهم هذا قد ساهم طبيعياً في إزالة كثير من نقاط الضعف التي سبقت الإشارة إلى بعضها .
عقائد الأباضيّة وفقههم :
وما دمنا في الحديث عن فرقة الأباضيّة ، فلا بأس بالإشارة إلى أنّه ربّما يتصوّر البعض : أنّ هذه الفرقة قد تأثّرت في عقائدها بالمعتزلة ، وذلك لمخالفتها أهل السنّة في أصول عقائدية هامّة حيث قالت: بعدم تجسيم الله تعالى ، وبعدم رؤيته تعالى في الآخرة ، وعدم قِدَم القرآن ، وعدم القول بالجبر والقدر .
ولكنّ الحقيقة هي : أنّ الخوارج لم يتح لهم الاختلاط بالمعتزلة ، ولا عايشوا التيارات الفكرية بصورة فعالة ، كما أنّ تفرقهم في البلاد البعيدة عن العواصم الإسلامية قد جعلهم في مأمن من المدّ العارم لأحاديث الإسرائيليات ، وبقوا في تعاملهم مع النصوص على طبعهم العربي الساذج ، وهذا يعني : أنّهم قد توصّلوا إلى آرائهم العقائدية تلك بأنفسهم ومن دون تأثّر بأحد .
نعم ، نجد في التاريخ : أنّ عبد الله بن أباض مؤسس الأباضيّة قد عاد إلى الاعتزال ، ولذلك فإنّ أصحابه لا يعظمون أمره ، وذلك أمر آخر لا يرتبط بهذا الذي نحن بصدده .
ولا تفوتنا الإشارة هنا إلى أنّ بعض فرق الخوارج كانت تعتقد بالمهدية ـ حسب بعض النصوص ـ وإن كانت سائر الفرق قد سكتت عن هذا الأمر وأغفلت التعرّض إليه .
وبالنسبة لفقه الأباضيّة ، وغيرهم ، فإننا نقول : إنّ صبغة الخوارج كانت أولاً سياسية ، ثمّ في عهد عبد الملك مزجوا تعاليمهم السياسية بأبحاث عقائدية ، وكان الخوارج الأولون يعتمدون على فهمهم الخاص للآيات القرآنية ، وعلى استنباطاتهم العقلية المحدودة في مجال التحدّيات العملية للتصرفات والمواقف التي كانت تفرض نفسها ـ آنياً ـ عليهم ، فكانت تلك الاستفادات والاستنباطات سريعة ومرتجلة تتسم بالسطحية ، وتهيمن عليها الميول ، والعواطف والأحاسيس ثمّ لا تلبث أن تتحوّل إلى مبدأ وعقيدة تزهق من أجلها النفوس وتبذل في سبيلها المهج .
ولكن ممّا لاشكّ فيه هو أنّ كثيراً من فتاواهم وآراءهم كانت جديرة بالاحترام والتقدير ، لأنّها مأخوذة من السيرة العملية التي كانت رائجة في الصدر الأول ، ونابعة من طبيعتهم البدوية الساذجة والصافية ، ومنساقة مع الفهم الفطري للآيات القرآنية ، وللسنّة النبويّة في أحيان كثيرة .
إلاّ أنّ التزامهم بالحرفية التامّة قد أدّى في حالات كثيرة إلى ظهور كثير من السخافات المضحكة ، بالإضافة إلى السطحية وقصور النظر ، ولكنّ المهمّ هو أنّ تلك الآراء والفتاوى الصحيحة عندهم ـ ولم تكن كثرتها كبيرة ـ قد كانت ـ طبيعياً ـ مجرّد حالات جزئية منفصلة تماماً عن كلّ ما سواها فلم يكونوا يملكون تصوّراً عامّاً ، ولا نظرة شمولية ، من شأنها أن تعطيهم القدرة على استيعاب المعارف المختلفة وتوجيهها وجهة صحيحة في مجال الاستنتاج وإدراك أبعاد الموضوع ، وما يرتبط به ، ولعلّ ذلك يفسّر لنا أمر عليّ (عليه السّلام) لابن عباس بأنّ ( لا تخاصمهم بالقرآن فإنّه حمّال ذو وجوه ) .
وبعد ، فإنّ حدّة الخوارج في مواجهة المخالفات كان من شأنه أن يضفي لوناً غير مرغوب فيه ، وينفر الناس منهم ومن آرائهم الفقهية حتى الصحيحة منها .
إلاّ أنّه وبسبب اتساع مدارك الخوارج ، وإدراكهم طرفاً من ضرورات الحياة ومقتضياتها قد اتجهوا ـ ونخصّ بالذكر الأباضيّة منهم ـ نحو التخفيف النسبي من حدّة بعض التعاليم والعقائد التي عرفت عنهم ، ثمّ وبسبب بُعد بلادهم عن الاهتمامات المباشرة للحكام ، ولأنّهم قد نعموا بالاستقرار النسبي ، فقد أتيحت لهم الفرصة للتأليف في عقائدهم وفقههم ، ويذكر ابن خلدون وغيره : إنّ مؤلفاتهم تلك ضاربة بسهم من إجادة التأليف والترتيب ، وبناء الفروع على أصولهم .
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة