قراءة في كتاب

الأسرة ومتطلّبات الطّفل


ربى حسين ..

"إهداء الى الأزواج الشّباب وخاصّة الّذين يطمحون الى أداء واجباتهم الإسلاميّة والتّربوية، وإعطاء حقوق أبنائهم بشكل لائق". هذا ما كتب على الصّفحة الأولى من كتاب الأسرة ومتطلّبات الطّفل الّذي يندرج ضمن باب علم النّفس والاجتماع للكاتب الدّكتور علي قائمي.
يعتبر هذا الكتاب، موسوعة تربوية مصغرة، تعين القارئ العادي والمختص على تشكيل صورة شمولية لمختلف الاحتياجات لدى الأطفال والأدوار المتوقعة من المربين مقابل كل صنف من أصناف تلك الحاجات. كما أن الباحث لا يكتفي بعرض الخطوط العريضة فقط وإنما يعمد للدخول في بعض التفصيلات التي تساعد القارئ على نسج خيوط شبكية لتلك الصورة التي يمكن أن يخلص إليها في نهاية الكتاب.


نظرة حول احتياج الإنسان
يتناول الكاتب في بداية حديثه موضوع احتياجات الإنسان وأساس ومنشأ وماهية هذه الاحتياجات وخصائصها وأنواعها، كما تطرّق للحديث عن شمولية الحاجة واستمراريتها وضرورة اشباعها، وعلاقتها بالسن والجنس. ويدور البحث في هذا الجزأ عن الأخطار والآثار الناجمة عن عدم اشباع الاحتياجات، وانعكاساتها على الجسم، الروح، السلوك، الأخلاق، والفكر.   
 وعن كيفية تأمين الاحتياجات ومراعاة الضوابط اللازمة في هذا المجال من وجهة نظر الدين والأخلاق، أشار الدكتور قائمي إلى ضرورة حمل الطفل على التعاون، وتأمين الإمكانيات من قبل الوالدين من خلال مراعاة أولويات الأسرة في مجال تأمين الاحتياجات للطّفل في سني عمره الأولى، مراعاة للضوابط ضمن عملية سد الاحتياجات.


الاحتياجات المعيشيّة والجسميّة
انتقل الدّكتور للحديث عن احتياجات الإنسان الّتي تحمله على القيام بسلوكيات خاصة، فهي تهيج جهوده ونشاطه كي يسعى إلى إشباعها ، وبناءً على قول علماء النفس فإن أساس الكثير من السلوكيات السيئة واللاأخلاقية للطفل ترتبط باحتياجاته الدفينة، وطالما لم يكشف النقاب عن تلك الاحتياجات فليس بالإمكان العمل على بنائه وإصلاحه. وربط الدكتور قائمي مسألة تأمين الاحتياج بالحياة الاجتماعيّة، إذ أننا غير قادرين على تأمين احتياجاتنا ومتطلباتنا إلا عندما يتعاون معنا المجتمع أو أن نرتبط بهم بشكل أو آخر، وذلك يجعل من الفرد في المستقبل فرداً محبوباً وفعالاً. كما ولفت إلى أن حرمان الاحتياجات لدى الطّفل يؤدّي إلى آثار جانبيّة على المستوى الجسدي، الرّوحي، السّلوكي، والعاطفي على حدّ سواء.


 دور الأسرة في تأمين حاجة الطفل
وضمن هذا الإطار لفت قائمي إلى أن محيط الأسرة يعد أول وأهم محيط لتربية وبناء وتأمين احتياجات الطفل، ومسألة تربية الطفل في البيت تكتسب طابعاً أفضل وأكثر انتظاماً خاصة فيما يرتبط بمسألة المحبة والعدل، والرحمة والانضباط التي تطبق بصورة متزامنة في المحيط العائلي.
وأضاف قائلًا: "نحن لا ندعي بأن جميع العوائل تعتبر موفقة في مسألة تربية الأطفال، بل نقول إن العائلة الأكثر توفيقاً في تربية الطفل هي التي تدرك بنحو أفضل وأكثر من الآخرين احتياجات الأطفال، وتتمتع بصلاحية أفضل وتوفيق أكثر في تأمينها".
يبقى البيت مكانًا جيدًا بالنسبة للطفل، وتتضح أهمية ذلك دائماً عندما يواجه الفرد حالة التشرد أو يعاني من جو عائلي مضطرب، يجد أن الآثار المتولدة عن هذا الأمر تطال جميع الأفراد وخاصّة الأطفال.


ما هي هذه الاحتياجات؟
 قسّم الكاتب أنواع هذه الاحتياجات وفصّلها كلًّا على حدة، منها العاطفيّة والاجتماعيّة كالحاجة للمقررات والنظم والترتيب، والأدب والأخلاق، والنّفسيّة كالحاجة للحماية والأمن والنّجاح. وكل باب من هذا الفصل اختصّ بشرح هذه الاحتياجات وتأثيرها على الفرد ضمن أسرته.
كما تحدّث الكاتب عن مسألة الحاجة إلى الأبعاد المثلى للنمو، ويغطي هذا الباب الواقع في تسعة فصول مجموعة من الحاجات المتصلة بمعرفة الذات والعلم والهدفية والدين والعدالة والحرية والاستقلال والرشد والكمال والدفاع.


متطلبات خواص الأطفال
الطفل وديعة من الله تعالى بأيدي الوالدين، والناس، والدولة ونفس الفرد أيضاً. إذ لا يقتصر الأمر على أن الوالدين هم المسؤولون عنه فقط. نعم، يتحمل الوالدان المسؤولية الأولى والأهم تجاه الأطفال. ولكن هذا الكلام لا يعني بأن المجتمع لا يتحمل أية مسؤولية تجاههم. فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
الفصل الأخير من الكتاب خصّص للأطفال الاستثنائيين، أولئك الذين يعيشون ولأسباب خاصة جسمية وعقلية أو عاطفية ونفسية في وضع معين يتميزون فيه عن غيرهم من الأفراد العاديين بحيث أن مستوى رشدهم وتطورهم يختلف عما هو عليه أقرانهم في السن والحالة. وانطلاقاً من هذا الوضع فإن الضرورة تستوجب أن تكون البرامج المنظورة بشأن تربيتهم، والمواقف المتخذة خلال التعامل معهم مختلفة مع ما هو منظور لغيرهم من الأطفال العاديين بل وحتى يجب أن يصار إلى تربية آبائهم ومربيهم بنحو خاص وأن يمتلكوا الاستعدادات اللازمة لتربية هؤلاء الأطفال.

ومن ناحية أخرى يتحمل المجتمع مسؤولية الاهتمام بهؤلاء الأطفال ورعايتهم لئلا تتولد في المجتمع الموجبات والمسببات التي تؤدي إلى إهانتهم ومؤاخذتهم. وأن لا يعاملوا من قبل الآخرين بعنف واستعلاء، ولا يعتدي أحد على حقوقهم، ولا يتسببوا في مضاعفة موجبات شعورهم باليأس، والاضطراب، والإهانة بل العكس من ذلك يجب أن يساعدوهم ويأخذوا بأيديهم، ويهيئوا لهم موجبات سلامتهم ورعايتهم ونموهم.
وكما هي الحال في الأبواب السابقة، فإن الباحث يقسم الحديث عن كل شريحة من هذه الشرائح في فصل مستقل، ليتألف هذا الباب الأخير من خمسة فصول تغطي التصنيفات الخمس التي اعتمدها الباحث للأطفال الاستثنائيين.
وكانت النتيجة التي توصّل إليها في بحثه هذا تنص على أن الطفل في معرض حياته له احتياجات متعددة وفي الأبعاد المختلفة الجسمية منها، والنفسية، والعاطفية والعقلية، والدينية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، ولا يمكن اعتباره أنه حي بالماء والغذاء والهواء فقط، بل إن تأمين هذه الاحتياجات يلعب دورًا بالغ الأهمية في مجال نمو الأطفال وتكاملهم وديمومة حياتهم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد