قراءة في كتاب

أساس الأحكام ؛ للشيخ أحمد النراقي

 

لا ريب في نسبة الكتاب إلى مؤلفه المولى أحمد النراقي (طاب ثراه)، يقول في مقدمة الكتاب: فيقول خادم شريعة سيد المرسلين … أحمد بن محمد مهدي النراقي: … فشرعت في تأليف ذلك الكتاب المسمّى بأساس الأحكام. وذكره في فهرست مؤلفاته الذي کتبه سنة ثمان وعشرين بعد المائتين والألف.
وذكره أيضًا في كتبه الأصولية مثل شرح تجریدالأصول ومناهج الأحكام ومفتاح الأحكام. وفي كتاب عوائد الأيام في موارد متعددة منه. ونسبه إليه المترجمون له قاطبةً.(1)
وفرغ من تأليفه سنة ۱۲۱۷ هـ قال في آخره:  وقد اتفق الفراغ عن الاشتغال بتأليف هذا الكتاب في ليلة السبت الثامن من شهر شعبان المعظم من شهور سنة ألف ومائتين وسبعة عشر من الهجرة على هاجرها ألف سلام وتحية.


قال في مقدمة الكتاب
أما بعد: فيقول خادم شريعة سيد المرسلين، والمتمسك بحبل الأمة الطاهرين، أحمد بن محمد مهدي النراقي – أحسن الله تعالى حاله، وجعل إلى الرفيق الأعلى مآله – : إنه مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه أنّ معرفة الأحكام الشرعية، والوصول إلى مرتبة استنباط المسائل الفرعية موقوفة على تحصيل طريق يوصل بسالكه إليها، والتشبث بذیل دلیل يدلّ طالبها عليها؛
ولذا ترى المتقدمين من العلماء، والمتأخرين من الفقهاء صرفوا برهة من عمرهم، وبذلوا طائفة من جهدهم في التفحص عن الأدلة الشرعية التي هي المسالك للأحكام، والمدارك لاستنباط مسائل الحلال والحرام، وبدون ذلك لم يحوموا حول الاستنباط، ولم يطأوا ذلك البساط، فكلٌّ سلك مسلكاً على ما أدّاه إليه نظره، ونهج منهجاً على ما أوصله إليه فكره، وهم مع كثرتهم وانتشارهم، وطول مدتهم، وشدة فحصهم، وكثرة بحثهم، لم يتجاوزوا عن الطرق الأربعة، التي هي بمنزلة الأركان الأربعة الاستنباط الأحكام، ولم يزيدوا دليلاً على هذه الأدلة المشهورة بين الأنام. أعني الكتاب والسنة، والإجماع، والأدلة العقلية المعهودة المستنبطة من الكتاب والسنة.
وإن وقع خلاف بينهم فإنما هو في تلك الأدلة. فهم بين قائل بحجية الجميع. ونافٍ لحجية بعضها. وأيضاً وقع الخلاف بينهم في طريق إثبات حجية بعضها.
إلى أن بلغت النوبة إلى زماننا هذا. فجَمعٌ من أعاظم علمائنا المعاصرين – شکر الله مساعيهم – كمن سبقهم تشمّروا بذيل السعي والاجتهاد في الفحص عن الدليل، وقرعوا الأبواب للعثور على من يرشدهم إلى السبيل. إلى أن ظنَّ طائفة من أجلّائهم حصول طريق آخر، وهو طريق الظن من حيث هو ظنّ، فقال بجواز العمل بكل ظن في زمن الغيبة، وكونه حجة في الأحكام الشرعية، أيّ ظنّ كان، وبأيّ طريق حصل إلا ما أخرجه الدليل، و مرجع قوله إلى أصالة حجية الظن. بل يثبت حجّيّة سائر الأدلة بذلك الأصل. ويظنّ أنه لولاه لما ثبت حجية شيء منها(2)
ولا يكتفي بعضُ أجلّتهم في ذلك بظن المجتهد، بل يقول بأصالة حجية كل ظن من المجتهد وغيره(3)، بل لا يقتصر على زمان الغيبة، ويجوز العمل بالظن في زمان الحضور ، بل حضور النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” وكون المكلف في بلده “صلى الله عليه وآله

وسلم”.
وإني لما تأملت في ذلك القول لم أجد له دليلاً، ولم أر في إثباته سبيلاً ، بل رأيت حججهم عليه غير شافية، وأدلتهم غير وافية.
ثم لما نظرت إلى ما ذكره القوم في حجية خبر الواحد الذي عليه المدار غالباً في هذه الأزمان، وبدونها لا يثبت حجيّة غيره من الأدلة أيضاً في الأكثر عند التأمل والإمعان، فلم أعثر على شيء تام يصلح الاعتماد والاعتبار، أو يحصل للنفس به الاطمئنان والقرار، فأخذت في الجد والجهاد والسعي والاجتهاد حتى أنجز الله لي وعده الذي ذكره بقوله سبحانه : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)(4) ، وأوضح لي سبيل الهدى، وكشف عن بصيرتي غطاء العمى، وألهمني بتوفيقه طريق إثبات أصالة حجية الأخبار على نحو قطعي، لم يسبقني عليه أحد من قبلي، فأردت أن أودع ذلك في كتاب مع سائر ما يتعلّق بهذا الباب، بل ما هو الأصل في استنباط أحكام رب الأرباب؛ ليكون تذكرة لنفسي، وتبصرة لمن شاء وأراد من إخواني فشرعت في تأليف ذلك الكتاب المسمى “بأساس الأحكام”، والمرجو ممن اطلع فيه على سهوٍ أو نسیان – مما لا يخلو عنه نوع الإنسان – أن يمنَّ علي بالإصلاح، وما توفيقي إلا بالله.
ورتب الكتاب على أصول أربعة ذوات فوائد:
الأصل الأول في الكلام في الظن
الأصل الثاني في الكلام في أخبار الآحاد وبیان حجيّتها
الأصل الثالث في نبذة من المباحث المتعلقة بالألفاظ
الأصل الرابع في بيان حكم الخبرين المتعارضين
وقد امتاز هذا المؤلَّف بدقّة علمية مع توسع غير مخل ولا مملّ، فتراه استدلّ على أصالة عدم حجية مطلق الظن بستّة أدلة مع ذكر مناقشاتها والإشكالات الواردة عليها ثم ردها بأحسن رد وأحكمه، وبعدها طرح أدلة القائلين بأصالة حجية كل ظن وكانت ستّة أدلة – وأجاب عنها بأجوبة شافية مقنعة.

 

ولما وصل به الكلام إلى حجية خبر الواحد عرض الأدلة التي استدل بها القوم على حجتية الخبر الواحد مع الرد عليها بردود قوية، وبعدها طرح الأدلة التي ارتضاها على حجية الخبر، وصورها بأحسن تصویر، وإليك قطعة مما قاله في المقام :
“إن الذي اخترته ودلّني عليه الدليل هو حجية كل خبر لم يدلّ دليل على عدم حجيّته من تلك الأخبار المعهودة المتداولة المدوّنة في كتب أصحابنا المعتبرة”
ثم إنه طرح الأدلة، وأشار إلى الإشكالات الواردة عليها وردّها، وبعدها ذكر الأدلة المانعة من قبول خبر الواحد مطلقاً – وكانت أربعة أدلة – وردّها بأحسن الرد، فللّه درّه وعليه أجره.
ـــــــــــــ
۱. راجع عوائد الأيام، مقدمة التحقيق، ص ۵۵. وشرح احوال و آثار مولی مهدی تراقی و مولى أحمد نرافی، ص ۲6۸ .
2. راجع قوانين الأصول 1 : 440 و 443 و 452؛ معالم الدين: 192.
3. راجع معالم الدين: ۱۹۲؛ قوانين الأصول 1: 440؛ مفاتيح الأصول: 452و 4۹۱.
4. العنكبوت (۲۹)، 69.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد