مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد علي التسخيري
عن الكاتب :
ولد في مدينة النجف الأشرف عام 1944م، هو أحد من الشخصيات التقريبية البارزة على مستوى العالم الإسلامي، درس عند مجموعة من كبار علماء الحوزة، منهم: السيد محمد باقر الصدر والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد تقي الحكيم والميرزا جواد التبريزي والسيد محمد رضا الكلبايكاني والشيخ وحيد الخراساني والشيخ ميرزا هاشم الآملي والشيخ محمد رضا المظفر.rnكان عضواً في مجلس خبراء القيادة في إيران، وأميناً عاماً للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وأميناً عاماً لمجمع أهل البيت العالمي، من مؤلفاته: الاقتصاد الإسلامي، المختصر المفيد في تفسير القرآن المجيد، توفي في 18 آب/أغسطس 2020 في طهران، ودُفن في حرم السيدة معصومة في مدينة قم.rn

منهج أهل البيت (ع) في بناء الإنسان الكامل (1)

من أجل وصول الإنسان إلى الرقي والكمال لا بد له من منهج يسير عليه، والمنهج الصحيح هو ما طرحه أئمة أهل البيت (ع) لبناء الإنسان الكامل، وقبل الحديث المجمل عن منهج أهل البيت (ع) في بناء الإنسان الكامل لا بد من التعرض لبعض النقاط تمهيداً للموضوع.

 

النقطة الأولى

 

قد لا نبالغ إذا قلنا إن كلّ المذاهب الاجتماعية تسعى لإعطاء صورة عن الإنسان الكامل، وتبني تعاليمها على أساس من السعي لتحقيق هذه الصورة. وربّما كان هذا المبدأ من تأثيرات الفطرة الإنسانية نفسها، وإن كان المذهب نفسه لا يؤمن بالفطرة.

 

فحتّى أولئك الذين يهبطون بالإنسان إلى مستويات حيوانية سفلى، هم في الواقع يخطئون في المصداق، وبالتالي يسلكون المنهج الخاطئ لتحقيق أهدافهم.

 

على أنهم يعلمون أنهم يخاطبون موجوداً معيّناً له شروطه في التقبّل، ومن أوائل هذه الشروط أن تكون الفكرة المفروضة منسجمة مع نداءاته الإنسانية عموماً وإن أخطأت في المصداق.

 

النقطة الثانية

 

إنّ الوجدان ـ وهو المحكمة التي يرجع إليها الإنسان قبل أن يدخل الى عالم المعرفة والدين والفكر المتطور ـ يقضي لأوّل وهلة بأنّ الإنسان موجود متميز على غيره بعناصره الذاتية، ولا يملك أي مذهب أن ينكر هذه الخصيصة المتميزة، حتى ولو كان لازم كلامه هذا الإنكار نتيجة لخطئه في الفهم والتصور.

 

إنّ الإنسان قبل كل شيء يتحدث عن أمور يعبر عنها بواسطة مصطلحات من قبيل الحقّ والعدالة والإنسانية والأخلاق والفن وغير ذلك، وهذه الأمور لا يمكن أن يستقيم لها معنى إلاّ إذا آمنا بالخصائص الذاتية، وإلاّ لم يعد هناك فرق بين الحقّ الإنساني وأي حقّ آخر، وبين السلوك العادل والسلوك الظالم، والسلوك الإنساني والسلوك الحيواني، وهذا المعنى يخالف الوجدان البتة.

 

والإسلام يطلق على هذه الخصائص الذاتية اسم الفطرة ويضع لها مخططها، في حين تحاول المذاهب الأخرى أن تنكر الفطرة من جهة، وأن تبقي على استعمالها لتلك المصطلحات من جهة أخرى، وهذا ما نراه عين التناقض.

 

النقطة الثالثة

 

قد يطرح هذا التساؤل: لماذا التركيز على أهل البيت (ع)؟

 

وتتلخص الإجابة في أن أهل البيت (ع) هم المفسرون للقرآن الكريم، وهم المرجع العلمي الثاني بعد القرآن، وهم النموذج العملي للإسلام بعد رسول الله (ص).

 

هذه الحقائق أكّدها الرسول الكريم مراراً في حديث الثقلين وغيره، حتى إنّ المسلمين لم يكونوا ليختلفوا في هذه المرجعية، وإن كانوا اختلفوا في مسألة القيادة السياسية.

 

وقد أكّد الواقع العملي هذه الحقيقة عبر قرنين ونصف من الزمان فقد كانوا (ع) معدن العلم، ومرجع الأمة، وحماة الحقّ، لم تقصر لهم باع، ولم يقفوا أمام تساؤل، حتى لقد عبّر الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ وهو من هو في العلم ـ بقوله يصف عليّاً (ع): «استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه دليل إمامته»[1]، وعبر الإمام أحمد بن حنبل وهو ينقل حديث سلسلة الذهب بقوله: «لو تلي هذا الإسناد على مجنون لِبِرئَ من علّته».

 

فمن الطبيعي إذن أن نرجع إليهم في معرفة هذا المنهج، منهج بناء الإنسان الكامل، لنسلك سبيلهم ونقتدي بهداهم.

 

النقطة الرابعة

 

إننا نلمح لدى العرفاء ومريدي التصوّف تعرضاً للإنسان الكامل، حيث يتعرض البسطامي المتوفى سنة  (261 ه‍) للإنسان الكامل الذي يصل الى هذا المقام بعد الفناء في الذات الإلهية، ويتحدث عنه ابن العربي في فصوص الحكم والفتوحات المكية كما يلخصه عزيز الدين النسفي بالأقوال الحسنة، والأفعال الحسنة، والمعارف، ولكنا نتصور أن تعريفاتهم ناقصة ومغلقة أحياناً، وأنها تفتقد المنهج التربوي الواقعي، بل تحاول أن تنأى عن الواقع، وأنهم إنّما أخذوا ـ في كثير من الأحوال ـ عن منابع أهل البيت (ع) فالأحرى إذن أن نعود إلى المنهج الصافي الرقراق.

 

الخطوط العريضة لمنهج أهل البيت (ع)

 

وإذا أردنا إلقاء نظرة على منهجهم في مجال بناء الإنسان الكامل، تبدو أمامنا الخطوط التالية:

 

الخطّ الأوّل: التوعية بحقيقة المسيرة التكاملية للإنسان

 

وتركّز النصوص الواردة عن أهل البيت (ع) على ذلك، مؤكّدة أن على الإنسان أن يجعل الله تعالى هدفه في كل عمل، وأن كل خطوة تكاملية إنّما تتم إذا كانت في إطار التقرب الى الله، وفي إطار تحقيق الرضا الإلهي لا غير، وأن كل المصائب والمتاعب تُنسى إذا كانت بعين الله، وهنا يتم التركيز على عنصر النيّة باعتباره المنبع الفياض المستمر لمسيرة منسجمة في خطّ التقرّب الى الله، وبها تتحول حياة الإنسان أينما كان الى عبادة، وتتحول الأرض كلّها إلى مسجد، فيتّسع مفهوم المسجد ليشمل الحياة، وذلك بدلاً من حصر الحياة في المسجد أو الفصل بينها وبينه كما يفعل الآخرون.

 

والنصوص في هذا المجال كثيرة، نذكر منها ما يلي:

 

1ـ الإمام عليّ (ع) كان يؤكّد: «إنّ الله تبارك وتعالى أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرن شيئاً من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم»[2].

 

2ـ ويقول (ع): «هيهات! لا يخدع الله عن جنته، ولا ينال ما عنده إلاّ بمرضاته»[3].

 

3ـ وكان الإمام الحسين (ع) يردّد في مراحل نهضته: «رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين».

 

4ـ وكان يقول (ع): «من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكّله الله إلى الناس»[4].

 

5ـ وعن عليّ (ع): «الرضا ثمرة اليقين»[5].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، ص179.

[2] الصدوق، الخصال، ج1، ص209.

[3] الآمدي، غرر الحكم، ح3142.

[4] المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص182.

[5] الآمدي، غرر الحكم، ح3085.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد