
تكمن أهمية فهم الواقع ودراسته وفق معطيات علمية اجتماعية في تشخيص الإشكاليات التي تواجهها المجتمعات، وفي تشخيص الحلول الحقيقية لتلك الإشكاليات، حيث لكل مجتمع إشكالياته الخاصة به، لكن لا يعني ذلك عدم وجود مشتركات تشكل إشكاليات قاعدية كلية لكل المجتمعات، وأهم هذه التحديات هي تحدي الهوية، ومحاولات تبديلها أو إذابتها وتغيير معالمها، من خلال الذوبان في النماذج الأخرى، أو الخروج من الهويات والتلبس بهويات هجينة أو غريبة عن جسد الهوية العام لهذه الشعوب، هذا فضلًا عن الخلط بين البحث العلمي التخصصي في علوم الاجتماع التي تشخص الإشكاليات وفق معطيات ميدانية استقرائية، وبين محاولات تسييس بعض التحديات وتحويلها إلى شعارات تزيد من أزمة الهوية، وتدخلها في التشخيص العاطفي الشعاراتي، الذي لا يقدم حلولًا تتناسق وحقيقة الواقع.
ولأن التحدي الأكبر تعاني منه المرأة في هويتها، وتستهدف هذه الهوية بكل أشكال التزييف خاصة المفاهيمي، فإننا سنتناول هذا الجانب وتشخيص الإشكاليات التي تواجهها قدر الإمكان ومحاولة طرح حلول نظرية، على أمل تحويلها إلى مشاريع عمل إجرائية، تكون قادرة على تقديم أنموذجًا بديلًا صالحًا للمرأة صادة للنماذج الفاسدة.
الهوية بين التفاعل الحضاري والاندماج
الهوية هي المعرف عن فرد أو مجتمع أو دولة، تدلنا على الثقافة والأيديولوجيا السائدة وطابع العادات والتقاليد، فترسم معالم المشهد الإنساني وطريقة تفاعله مع ذاته ومحيطه.
فتكون بمثابة المفتاح الذي من خلاله نقرأ داتا الفرد والمجتمع، ومن خلالها تتضح آليات التواصل والاتصال بين مختلف الشعوب والمجتمعات والأقطار.
التفاعل الحضاري
للهوية معالم ثابتة تعبّر عن شخصية اعتبارية لحاملها وتؤثر في محيطها، ولكنّ لها في ذات الوقت جانبًا متأثرًا تأثرًا خاضعًا لظروف العصر أي الزمان والمكان، حيث جانبها المتغير الذي يتطور من خلال التفاعل الحضاري مع الثقافات الأخرى، وما أعنيه بالتفاعل الحضاري هنا هو تداخل إيجابي يؤثر ويتأثر، ويطور وينهض من خلال استفادته من تجارب الهويات الأخرى الإيجابية النهضوية، دون أن تتغير ملامحه الثابتة التي تمثل بصمته الخاصة. فالحضارة في مفهومها العام، هي حركة المجتمع ونشاطه بجوانبهما كافة، المادية منها والمعنوية، وتشمل الخبرات المادية وإنتاجها، والمعارف العلمية والمذاهب، والأفكار الفلسفية، كما تشمل النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقيم والتقاليد والمؤسسات والجماعات المختلفة وأنماط السلوك..[1]
الغرب بين الإحلال والتفاعل
جاء المشروع الإسلامي بفهم حضاري للتفاعل يهدف منه أمرين:
الأمر الأول: تفعيل القيم الثابتة في فضاءات المعرفة لكل ما هو خارج الجسد الإسلامي، حيث القيم الثابتة جزء من الفطرة الإنسانية وتفعيلها كسلوك، فالتفاعل يعمل على إزالة الحجب المعرفية عن النفس، لتمرير تلك القيم التي تمهد الطريق لتحقيق العدالة بين كل البشر. وهو ما يتطلب لوازم أهمها، امتلاك هذه الحضارة مقومات التأثير من مكنة واكتفاء ذاتي وتكافؤ علمي، وتحقيق منجز حضاري فاعل في حياة الإنسان، يسهل عملية السريان المعرفي بين الإسلام وغيره من الحضارات.
الأمر الثاني: المواكبة والمعاصرة، التي لا تتحقق إلا من خلال مراكمة المنجزات الحضارية السابقة مراكمة معرفية تحافظ على أصالتها وترفد متغيرها بمعطيات الزمان والمكان هذا من جهة، ومن جهة أخرى الاطلاع على تجارب الحضارات الأخرى والاستفادة من إبداعاتها العلمية، ونهضتها القيمية في الجانب المشترك الإنساني، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات المنهجية والمنطلقات القاعدية لكل حضارة، أي هو تواصل واتصال ومشاركة واكتساب خبرات تفتيل المسكوت عنه في اللاوعي الإنساني، وتطور من نظرة المجتمعات للحياة، وتزيل الأغلال غير السليمة التي توارثتها المجتمعات عن الآباء دون وجود مسوغ عقلي وشرعي لها.
أهمية التفاعل
إن التفاعل الحضاري يضع الحضارة الإنسانية أمام مسؤولية أخلاقية أولًا، كون التفاعل يستند على العلاقات الإنسانية المطلقة، والتي يفترض أن تتمثل ضمن بيئة التفاعل على المحبة والأخوة والعدالة والتسامح والتراحم بين بني الإنسان، وعلى نفي التعصب، والعنف والإرهاب الفكري، ومحاولة الاستقواء وإلغاء الآخر المختلف، وتصبح قيمة التبادل للمنافع المعرفية والعلمية قائمة على هذا الأساس، لذلك التفاعل الحضاري لا بدّ أن يراعي التعددية الحضارية والتمايز الحضاري الذي ينفي كل أشكال التناقض والصراع، ويؤسس لعملية انفتاح كبرى على كل الحضارات والحوار معها في سبيل خير الإنسانية، وتحقيق العدالة التي هي جوهرة القيم في تحقيق الكرامة الإنسانية.
تكمن أهمية التفاعل في أمور عديدة أهمها:
– توسيع المدارك المعرفية وتنضيجها بالاطلاع على تجارب الآخرين البشرية.
– تفعيل ثقافة الخروج من صندوق الذات، بما تحمله هذه الذات من أفكار ومعتقدات وقبليات ومسبقات، وتأثيرات البيئة، وهو لا يعني التخلي عن ثوابت كل ما سبق، تلك الثوابت التي ثبتت بطريق الدليل العقلي والشرعي، بل يعني عدم الركون لكل ما سبق، ومحاولة مواكبة الزمان والمكان في تطوير المفاهيم وتمحيصها، ومراجعة الأدلة على ضوء ما استجد في الساحة العلمية والإنسانية.
– تفعيل مفهوم التعدد الإيجابي، يوسع مساحات الاشتراك المعرفي، ويفعّل عملانيًّا مفهوم التعايش والتسامح الحضاري، على أساس التكافؤ الإثني وليس الإحلال والإلغاء للآخر المختلف، وينضج القدرات العقلية في فهم النص، بما يحفظ خاتميته دون المساس بعناصر خلوده.
– يعمل على تذليل العقبات أمام العقول من خارج الجسد الإسلامي لفهم هذا الدين الخاتم عن قرب، ويسمح للمنتمين للإسلام بفهم الأديان الأخرى والثقافات المختلفة، بالتالي يعمل على ترصيف رؤية كونية قائمة على مفهوم التوحيد، وينهض بمفهوم العبودية في ظل التوحيد.
– يبسط نفوذ الله في قبال نفوذ القداسات السياسية والدينية، فهو يفعل مفهوم العبودية والحرية على ضوء مفهوم التوحيد الحضاري، ليزيل الحجب المعرفية العقلية في لا وعي الشعوب، التي اشتغل عليها المستبد بأي شكل من أشكال الاستبداد، لاستعباد الناس وتمكين سلطته عليهم، وهو ما يستدعي تفاعل المقتدر والمدرك للآخر، من موقع امتلاك المكنة في اختراق لا وعيه، بوسائل يفهمها الآخر المختلف، ويمكنها الوصول إلى عقله وقلبه، فالحق والحقيقة بينة.
فثقافة أية أمة وحضارتها لا يمكن أن تكونا معزولتين، وخارج نطاق التفاعل الثقافي والحضاري مع ثقافات الأمم والشعوب الأخرى وحضارتها، والحقائق التاريخية السابقة والحالية، تؤكد أن الثقافات والحضارات كانت ولم تزل، وسوف تبقى، في حال التفاعل والتأثير المتبادل فيما بينها في وحدة متكاملة بين العام، أي الحضارات والثقافات في العالم، والخاص، أي الحضارة والثقافة القومية الخاصة لكل أمة ودولة.
معايير التفاعل الحضاري
– يحتاج التفاعل مكنة وقدرة واكتفاء ذاتي، يكون المتفاعل إما متكافئ مع الآخر، أو يسبقه بدرجة، وهذا من مقومات التحصين الذاتي للثوابت ومقومات الوجود، فيكون التفاعل من موقع التأثير والتأثر الإيجابي[2].
هذا لا يعني أن عدم توفر المكنة. كما هو حالنا – أن ننغلق على ذاتنا، ولكن تصبح مساحة التفاعل أضيق حفاظًا على الهوية العامة الناس، فيكون التفاعل مقتصر على طبقة النخب والتي تسعى بتفاعلها هذا التحصين الداخل، وإيجاد إجابات للتساؤلات المطروحة نتيجة تسرب ثقافة الآخر للجسد، دون وجود ضوابط أو حصانه ومكنة، فتكون النخبة بمثابة الفلتر الذي يحاول تثبيت الثوابت، وغربلة الشوائب لا من باب الوصاية على العقول والحجر عليها كأنها قاصرة، ولكن من باب عدم تهيؤ قابليات عامة الناس معرفيًّا وإدراكيًّا لهضم الآخر المعرفي على أسس سليمة، فيجعلهم عرضة للاستلاب السهل دون أدنى مقاومة تحت هيبة التقدم الظاهري والمكنة العلمية والتكنولوجية التي تسلب لب الإنسان العادي، وتجعله أسيرًا لكل قيمها وثقافتها ومفاهيمها، فهو بمثابة ممارسة عمل تحصيني قادر لا أقل على درء الشبهات وحماية الهوية، دون أن يطمح للتأثير إلا في نطاق النخبة عند الآخر، فتتغير الأولويات هنا نتيجة عدم توفر المعايير اللازمة التفاعل الشامل بين الشعوب والنخب، من أولوية التأثير الواسع إلى أولوية التحصين مع التأثير المحدود، والسعي الدؤوب لتوفير معايير التفاعل الحضاري.
وهنا قد يطرح سؤال: هل يمكن تحقيق ذلك في ظل توفر وسائل التكنولوجيا، وسهولة الحصول على المعلومة، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي ضيقت المسافات الفاصلة، وقرّبت الجغرافيات البعيدة، وبالتالي فتحت الآفاق أكثر معرفيًّا؟ إن ما أعنيه هنا هو نوعية المعارف وآليات التعاطي معها وفق قابليات المجتمعات، فمهما فتحت تلك الوسائل طرق التعارف والفهم، إلا أن دور النخبة يبقى ثابتًا في تشذيب تلك المعارف وتفنيدها، وفي نوعية الإشكاليات المعرفية التي على النخب تداولها وطرحها، فليست كل الإشكاليات المعرفية والمعارف هي قابلة للتداول على بساط المجتمع دون مراعاة لتفاوت القابليات داخل المجتمع الواحد من جهة، وبين المجتمعات المتعددة من جهة أخرى.
– لا يمكن أن يتم التفاعل الحضاري مع توفر معاييره، إلا إذا كانت بنية الأمة ثقافيًّا ومعرفيًّا وفكريًّا قوية، وهويتها محصنة بشكل علمي برهاني، بل لديها فلتر للشبهات وقادرة على مواجهة كل محاولات الإقصاء، وتمتلك العزة والكرامة، وهما قيمتان تحافظان على الهوية من خلال تحقيق حالة الاعتزاز بها، وهذا لا يحدث إلا من خلال تأسيس المجال الإدراكي للأمة، وتحصينها بالعلم والمنهج البرهاني، الذي يحاور ويمتلك وعي وجودي ومنفتح على الآخر، فالعلم معيار أساسي في عملية التفاعل الحضاري، وأعني هنا معرفة الذات معرفة عميقة مدركة المباني وشبكة المشتركات والاختلافات القاعدية بيننا وبين الآخر، ومعرفة الآخر أيضًا معرفة عميقة، وامتلاك أدوات منهجية علمية رصينة في مشروع التفاعل الحضاري.
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
معنى (ملأ) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
سيّدة الكساء
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (1)
إيمان شمس الدين
الموعظة بالتاريخ
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
كلام عن إصابة العين (1)
الشيخ محمد هادي معرفة
الدلالة الصوتية في القرآن الكريم (1)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (7)
محمود حيدر
مجلس أخلاق
الشيخ حسين مظاهري
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الزهراء: مناجاة على بساط الشّوق
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
معنى (ملأ) في القرآن الكريم
برونزيّة للحبارة في مهرجان (فري كارتونز ويب) في الصّين
الزهراء: مناجاة على بساط الشّوق
سيّدة الكساء
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (1)
شعراء خيمة المتنبّي في الأحساء في ضيافة صالون قبس في القاهرة
(الثّقافة للشّباب) جديد الكاتب مهدي جعفر صليل
العدد الأربعون من مجلّة الاستغراب
الموعظة بالتاريخ