الشيخ محمد تقي المصباح يزدي ..
يوجد معانٍ كثيرة للفظة "الثقافة" وربما تبلغ خمسمئة معنى على ما قيل لكن الأصل في معنى الثقافة حسبما نرى أو على الأقل حسبما نريد من هذه اللفظة، أمران أصيلان هما ركنان للثقافة، أحدهما: العقيدة والرؤية الكونية، والثاني: القيم والمثل العليا.
وأحدهما يرجع إلى معرفة الواقعيات "الأمور الموجودة"، والثاني يرجع إلى معرفة ما ينبغي أن يوجد، ما يجب على الإنسان أن يفعل، وما لا ينبغي. فيعبر عن الأول بالعقيدة أو الرؤية الكونية وعن الثاني بالقيم.
فأساس الثقافة هذان الأمران، بهما تتميز ثقافة عن ثقافة أخرى، وإن كان يتعلق بالثقافة أمور فرعية مثل الآداب العرفية والكتابة واللغة وما إلى ذلك، لكن تغيّر هذه الأمور لا يُغيّر جوهر الثقافة، فالإنسان يمكن أن يكون مثقفاً بثقافة أصيلة إسلامية ويتكلم بلغة عربية، ثم يأتي إلى قطر آخر فيتكلم بلغة فارسية أو إنكليزية، فتغير اللغة لا يغير ذات هذا الإنسان ولا جوهر ثقافته، وكذلك الكتابة تعتبر من فروع الثقافة، لأنّ تغير الكتابة لا يغير جوهر الثقافة ولا يغيّر إنسانيّة الإنسان، إنما الكتابة وسيلة للتفاهم بين شعب وشعب وبين أبناءِ الشعب، فإذا تغيرت الظروف الجغرافية أو القومية تتغير الكتابة لكن لا يتغير جوهر ثقافة الإنسان.
أما إذا تغيرت عقائد الشخص وتغيّرت رؤيته الكونية من رؤية إلهية إلى رؤية مادية ملحدة، لا يمكن أن تعتبر هاتان الثقافتان ثقافة واحدة في جوهرها، بل هذا التغير في الثقافة يغير ذات الإنسان حسبما يراه الدين، من أن حقيقة الإنسان رهن لعقيدته وإيمانه قال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.
ولم يقل إن "شر الناس" بل قال "إن شر الدواب عند الله" فالذين كفروا عناداً، لا جهلاً وقصوراً، هم أسوأ حالاً عند الله من كل الدواب والحيوانات. فحقيقة الكفر هي الجحود والعناد أما الكفر الناشىء عن الجهل فربما يكون قصوراً فيعذر صاحبه أما الكفر الجحودي الناشىء عن العناد فصاحبه يكون شر الدواب لا شر الناس فقط، أضف إليها آية أخرى يقول فيها تبارك وتعالى ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
فالغافلون عن هدف الخلقة وعن الطريق الذي يؤدي بالإنسان إلى غايته المنشودة، هذا الغافل الذي يرخي عنانه لكل مأكول ومشروب ليتمتع بكل ما يهواه ولا يفكر في مبدئه ومنتهاه، هذا هو كالأنعام في الحقيقة وليس إنساناً حقيقياً.
يقول تعالى ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون﴾، ويقول ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾، فالذي يميز الإنسان عن الأنعام وعن سائر الدواب ويجعل الإنسان خيراً من سائر الدواب وخيراً من الأنعام ويجعله لائقاً للكرامة الإلهية "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيّبات"، إلى قوله ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ فالذي يوجب استقرار هذه الكرامة للإنسان هو المعرفة والإيمان لقوله ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾، وقال في نظيره ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ فبالمقارنة بين هاتين الآيتين يعرف أن الرؤية المطلوبة للإنسان ليست الرؤية بهذه العين(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
فعلى الإنسان العاقل أن يعرف قبل كل شيء محله من هذا الكون: أين هو، من أين جاء، وإلى أين يذهب، وأين يعيش "رحم الله امرءاً عرف نفسه.. وعلم من أين وفي أين وإلى أين"، هذا ما يخرج الإنسان عن الغفلة.
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبد الجليل البن سعد: القيم والتقوى: ركائز الأمان والتمييز في بحور النفس والمجتمع
عبور لنهر هيراقليطس، أمسية لهادي رسول في الخبر
برنامج أسريّ بعنوان: (مودّة ورحمة) في جمعيّة تاروت الخيريّة
المشكلة الإنسانية، جديد الدكتور حسن العبندي
الأسرة الدافئة (2)
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (2)
حبيبة الحبيب
السيدةُ الزهراءُ: دُرّةَ تاجِ الجَلال
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته