مقالات

إيّاكم ولباس الذلّ

 

الإمام الخميني "قدس سره"
اعلم أنّ للباطن في الظاهر وللظاهر في الباطن تأثيراً، ولا بدّ للإنسان طالب الحقّ والارتقاء الروحاني من أن يحترز في انتخاب مادّة اللباس وهيئته ممّا يكون له تأثير السوء في الروح، ويخرج القلب عن الاستقامة، ويغفله عن الحقّ، ويجعل وجهة الروح دنيويّة.
لباسٌ يسقط عن الاعتبار
لا يتوهّمن أحدٌ أنّ تسويل الشيطان، وتدليس النفس الأمّارة، يكون في اللباس الفاخر الجميل أو في التجمّل والتزين فحسب، بل هو مطلوب بحدّه؛ لأنّ اللباس الخَلق البالي، الذي لا قيمة له، قد يسقط الإنسان عن درجة الاعتبار.
لباس الشهرة
ومن الجهة نفسها (الاعتبار)، لا بدّ للإنسان من أن يحترز من لباس الشهرة، بل من مطلق اللباس الذي يخالف المعمول به والمتعارف بين الناس.
اللباس الفاخر
كما أنّه لا بدّ من أن يحترز عن الألبسة الفاخرة التي تكون مادتها وجنسها قيّمة بشكل ملحوظ، وتكون هيئتها وخياطتها جاذبة للأنظار، تستدعي أن يشار إلى صاحبها بالبنان، فيتميّز عن غيره؛ لأنّ قلوبنا ضعيفة وغير ثابتة، فبمجرّد الامتياز عن الآخرين نزلّ وننحرف عن الاعتدال.
لباس الأعداء
إنّ الإنسان المسكين، الضعيف العاري من جميع مراحل الشرف والإنسانيّة، وعزّة النفس وكمال الآدميّة، قد يتوهّم أنّ بضعة أذرع من الثوب الذي قلّد في خياطته الأجانب، تسمح له أن ينظر إلى عباد الله بنظر الحقارة والكبر ولا يعيّن لموجود قيمة. وهذا ليس إلّا من كمال ضعف نفسه، حيث يتوهّم أنّ فضلات دود القزّ (الحرير)، ولباس الغنم (الصوف)، معيار لاعتباره وشرفه.
وهم اللباس ضعف
أيّها الإنسان المسكين، ما هذا الضعف؟ أنت ابن آدم وشأنك أن تكون معلّماً للأسماء والصفات، أنت ابن خليفة الله. غصبت مقداراً قليلاً من فضلات الحيوانات وملبوساتها وتفتخر بها؟! لو كان هذا فخراً فهو للقزّ والغنم والإبل والسنجاب والأرنب. لماذا تفتخر بلباس غيرك وتدلّل بما هو فخر لهم وتتكبّر به؟
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من لبس ثوباً عالياً، فلا بدّ من التكبر، ولا بدّ للمتكبّر من النار".
 

آثار اللباس
1- لباس الأعداء جاهليّة: قد يحصل للإنسان بواسطة أنّه شبّه لباسه بالأجانب عصبيّة جاهليّة للأجانب، ويتضجّر ويتنفّر من الله ورسوله، ويكون أعداء الله وأعداء رسوله محبوبين عنده؛ ولذا ورد في الرواية عن الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى بعض أوليائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تأكلوا كأعدائي ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي".
2- الغفلة عن العيوب والرياء: فكما أن للألبسة الفاخرة جدّاً تأثيراً في النفوس، كذلك للألبسة الدنيّة جدّاً من حيث المادة والنوع والشكل تأثير، وربّما يكون فساد هذا اللباس أشدّ بمراتب من تلك الألبسة الفاخرة؛ لأنّ للنفس مكائدَ دقيقة جدّاً، فبمجرّد أن يرى السالك نفسه من النوع الممتاز الذي يلبس الخشن فيما يلبس الناس الألبسة الليّنة اللطيفة، يدفعه حبّ النفس ليغفل عن عيوبه، ويحسب لباسه سبباً لافتخاره، وعُجبه، ويتكبّر على عباد الله، ويحسب سائر الناس مبعدين عن ساحة القدس للحقّ، ويرى نفسه من المقرّبين، ومن خلّص عباد الله، ثمّ يُبتلى بالرياء وسائر المفاسد العظيمة. فالمسكين غفل عن جميع مراتب المعرفة والتقوى والكمالات، ورضي باللباس الخشن واعتقده فضيلة، وغفل عن الآلاف من عيوبه التي من أعظمها هذا العيب الذي حدث فيه من سوء تأثير هذا اللباس، وحسب نفسه من أهل الله، مع أنّه من أولياء الشيطان.
3- تزلزل القلب: إنّ لباس الشهرة، سواء في جانب الإفراط (الفاخر) أو في التفريط (الخشن والزاهد)، من الأمور التي تزلزل القلوب الضعيفة، وتخلعها من مكارم الأخلاق، وتوجب العجب والرياء والكبر.
4- مبغوضة من الله: في الأحاديث أشير إلى جملة من الأمور في لباس الشهرة، عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله يبغض شهرة اللباس"(1). وعنه أيضاً قال: "الشهرة خيرها وشرها في النار". وعنه عليه السلام: "إنّ الله يبغض الشهرتَين: شهرة اللباس وشهرة الصلاة"(2).
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما معناه: "من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثياب الذلّ يوم القيامة"(3).
والمؤمن من يتحرّر من آثار لباسه، ومن يعلم أنّ جوهره في نفسه وفي كمالاته الإنسانيّة، فيكون لباسه ستراً له، وحفظاً لاعتبار آدميّته وشرفه بين الناس.
فإذا علم ذلك، انتخب في صلاته التي هي وسيلة العروج، أطهر لبوسه، وأحبّه إلى الله.
ـــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج5، ص24.
(2) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج81، ص261.
(3) مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص116.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد