الملل عذاب. قد يصل إلى حدّ الكارثة. لا يمكن للإنسان أن يعيش حياة مملة. قد يقتله ذلك أو يقتل نفسه؛ لعله لأجل ذلك نعبّر عنه بالزهق!
ينشأ الملل من توقف الإنسان عن إيجاد عمل أو نشاط يمكن أن يكون له معنًى في نفسه. المعاني تنشأ من الغايات. فقدان الغاية للحياة هو المنشأ الأول للملل. ولهذا يكثر الملل في الأطفال.
تفرض البيئة المدرسية على التلامذة الكثير من الأنشطة التي لا تعني لهم أي شيء؛ حتى لو كان لها فوائد جمة، فإنّها عندئذ ستتسبب لهم الملل طالما لم يدركوا فائدتها. البيئة المنزلية ليست بمنأى عن هذا أيضًا؛ خصوصًا إذا كان المنزل عبارة عن شقة في عمارة ليس فيها سوى القليل من الإمكانات والفرص المتناسبة مع نمو الطفل الذهني والحسي الحركي.
يحتاج الأطفال إلى مساحات يومية من المجهول لاكتشافه. هنا تكمن أهمية التواجد في الطبيعة أو زيارتها بشكل دائم. في الطبيعة الغنّاء الكثير من المجهولات التي تستثير حس الاستكشاف الفطري. فالحل الأمثل هو أن نوفر لأبنائنا مثل هذه الفرصة المهمة. صحيح أنّ للأطفال حاجات مادية ملحة، لكن احتياجهم إلى العلم الذي يبعث ذلك الحس لعله أقوى من أي شيء آخر. الأطفال لا يعبرون عن ذلك بصراحة ومباشرة. حين يقول أبناؤنا إنّهم يشعرون بالملل فهذا يعني أنّه لا يوجد شيء ليكتشفوه.
يقوى حس الاكتشاف عبر اصطباغ الأشياء بالمعنى. لا يحب الأطفال استكشاف ما لا يعني لهم شيئًا. وهنا تكمن مشكلة التعليم الأولى. المناهج المدرسية تعجز عن ربط المعارف المطروحة فيها بمغزى أو فائدة مباشرة، لذلك يقول النبهاء من المتعلمين: "لماذا ندرس هذه الأشياء التي لا تفيدنا؟". ليس من المتوقع منهم أن يعرفوا الفوائد البعيدة المدى.
القسم الأكبر من المنهاج التعليمي يرتبط بإعداد التلميذ للدخول إلى الجامعة. ويكمن ضعف مادة الرياضيات في تجريدها المفرط، خصوصًا في المرحلة الثانوية. يظهر الضعف أكثر في قسم الهندسة منها (الجيومتري) التي هي أكثر تجريدًا رغم روعتها. ما تحتاجه هذه المادة المحورية هو هذا الربط المباشر ليس باختصاص الهندسة والبرمجة، بل بواقع التلميذ. هذا الواقع الذي يُفترض أن يتم تشكيله أيضًا من خلال مجموعة من الأنشطة والمشاريع. الاستخفاف بعقول الأطفال كان السمة البارزة للتعليم المدرسي وأجوائه.
ينظر المشرفون على هذا التعليم إلى التلامذة على أنّهم مجموعة من الحمقى المغفلين الذين لا همّ لهم في الحياة سوى المشاغبة. أي تلميذ يتفوق يُسمى مميزًا. التفوق عندهم هو التماهي مع المنهاج وامتهاره.
لقد ذكرنا أنّ الشعور بالملل هو أحد أهم العوامل الباعثة على المشاغبة التي يمتزج فيها التمرد على القوانين والضوابط. لو قُدّر لمدارسنا أن تشغل تلامذتها وتستهلك طاقاتهم العجيبة بالتعلم لما بقي هناك من مجال للمشاغبة، التي تُعد إحدى أكبر المشاكل في التعليم.
الباعث الآخر على الملل هو تشغيل الأطفال والشباب بأنشطة أقل حماسة ممّا يعيشونه في أنشطة أخرى يمارسونها، كالألعاب الإلكترونية. لقد صُمّمت هذه الألعاب على أساس إفراز المزيد من الأدرينالين، المادة المسؤولة عن النشاط والحيوية. تصور أنّ طفلًا يعتاد على كمية من الأدرينالين، ثم تطلب منه الاشتغال بنشاط لا يتمكن من إفراز هذا القدر والكمية. بالطبع سيكون مملًا له مهما كان بنظرك مفيدًا. الإدمان على الأنشطة العالية الإفراز هو المسؤول الأول عن تحول الكثير من الأنشطة المفيدة إلى عوامل للملل.
أمام هذا التحدي لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي. يجب أن نبدع في تصميم أنشطة مفيدة وجذابة تحفز كل القوى الحسية والإدراكية وحتى العاطفية عند الأطفال والناشئة. لا يخلو عالمنا من مثل هذه الأنشطة، لكن بعضها خطر ومضر للغاية. هنا يحتاج الأطفال إلى مراقبة وإشراف.
يمكن الادعاء بأنّ كل ما يتعلمه الأطفال في المدارس حتى نهاية المرحلة الابتدائية بالحد الأدنى، موجود ومتوفر في برامج وأنشطة غير مدرسية بصورة أكثر جاذبية وتشويق. ومع انفتاح الأطفال على هذا العالم الواسع يومًا بعد يوم يضمر دور المدرسة لتصبح العامل الأول للملل القاتل.
في الوقت نفسه، علينا أن نبدأ العمل على ترسيخ المعارف التي تشكل أركان فهم الغاية من هذه الحياة. كلما استطعنا أن نسهل على أبنائنا إدراك هذه الغاية بصورة أسرع، سهلنا عليهم الخروج من الملل. إذا عرف الإنسان هذه الغاية في مقتبل عمره وآمن بها، سيتحول هذا الكون بكل ما فيه بالنسبة له إلى فرصة، ليس للاستكشاف فحسب، بل للاستخدام والاستفادة.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)
أزمة العلمانية مع الإسلام
تفسير القرآن الكريم بمعناه اللّغوي
البسملة