مقالات

عقائد المفكّرين

الشيخ محمد جواد مغنية

 

إن فكرة خالق الكون يقترن تاريخها بتاريخ الإنسان. فمنذ وجود الإنسان البدائي حتى هذا اليوم وفكرة مدبر الكون حسب مشيئته وإرادته تسيطر على العقول والقلوب بسلطان لا يقهر ولا يغلب، حتى ظن كثير من الفلاسفة وعلماء النفس أن هذه الفكرة جبلّة متأصلة في الإنسان، وقد ظهر سلطانها في كل عصر بمظاهر شتى من الطقوس والضحايا والقرابين، ومن بناء المعابد والهياكل، وما إلى ذلك من دلائل الاحترام والإجلال.

 

ولو أراد الإنسان أن يدرس تاريخ الأديان والأدوار التي مرت بها، لظهرت أمامه صور شتى تختلف في المظهر، وتتفق على وجود خالق قدير. وفي نفس الوقت يجد الأدلة على وجود الخالق مختلفة في الشكل والأسلوب، ومتفقة في الهدف والقصد؛ فلعلماء الطبيعة أدلة غير أدلة الأدباء، وأدلة علماء النفس والاجتماع غير أدلة الأطباء، بل أدلة الفلاسفة تختلف عن أدلة المتكلمين، ولكنها تتوافى إلى نتيجة يجمع عليها الكل. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على صدق ما قاله الشاعر:

عجبت للعبد كيف يعصي الإله  

ويجحد آلاءه الجاحد

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

 

وقد أخذ الشاعر هذا المعنى من قول الإمام علي: «ما رأيت شيئًا إلا رأيت الله معه». وترجع هذه الحقيقة في أصلها إلى القرآن الكريم: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ».

 

ومن الخير والفائدة أن نشير إلى كتاب للأستاذ العقاد اسمه «عقائد المفكرين في القرن العشرين»، جمع فيه عددًا غير قليل من مفكري هذا العصر الذين يعتقدون بدافع من تفكيرهم وتجاربهم الخاصة بوجود قوة وراء الكون تديره بحكمة ونظام. ولم يتأثر هؤلاء المفكرون ببيئة أو مدرسة أو كتاب يمت إلى الدين بسبب، وفيهم العلماء والأدباء والفلاسفة والأخلاقيون.

 

الدكتور ألكسيس كاريل:

فمن العلماء الدكتور ألكسيس كاريل، ولد بفرنسا سنة 1873 ومات فيها سنة 1944، وهو طبيب متخصص في بحوث الخلية ونقل الدم والأعضاء. اشتغل بالطب علمًا وجراحة وإشرافًا على معاهد العلاج، وصاحب جائزة نوبل 1912، ومدير معهد الدراسات الإنسانية بفرنسا.

يؤمن بأن الله لازم للإنسان لزوم الماء والأوكسجين، لأنه لاحظ من تجاربه بأن كل خلية في الجسم تهتدي بالعقل الأبدي إلى موضعها من البنية المرسومة، وتعمل في كل من خطواتها كأنها ترى تكوين الجسم كله ماثلًا أمامها.

 

الصلاة:

ووضع هذا العالم رسالة في الصلاة قال فيها:

«إن الصلاة تُسام إلى أوج اللامادية من الدنيا، وهي على أكثر ما تكون شكاية أو ابتهال أو صرخة أو استغاثة، وهي في بعض الأحايين تأمل خالص في أصول الوجود ومصادره. ويصلح أن يقال: إنها ارتفاع إلى المقام الإلهي وعنوان للتوجه بالحب والعبادة إلى الذي منه صدرت الأعجوبة التي هي الحياة. وبالصلاة يسمو الإنسان إلى الله، ويدخل الله سريرته، وهي ضرورة لا غنى عنها لنمو الإنسان في أرفع حالاته».

 

فرانز ويرفل:

من الأدباء وكتّاب القصة العالميين الأديب النمساوي فرانز ويرفل، توفي سنة 1945، قال في كتاب «بين السماء والأرض»: «إن تفسير الكون بالقياس والتعقيب هو أنجح أحابيل الشيطان، لأن حجته التي تقوم عليها جميع المذاهب الوضعية المادية هي أن الشيء يساوي نفسه، والأمة وليدة الإقليم الجغرافي، والفرد محكوم بظروفه، ومطالب الشعب تتوقف على حاجاته الاقتصادية، والفيل له جلد فيل لأنه ضروري له... وقد نجح الشيطان في تزويغ الأصول الأولى من المسألة كلها، وهي أصول الخلق والكينونة ووجود الله. إن الله أعظم جدًّا من أن يحتوي كلام الإنسان برهانًا على وجوده».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) تسبيح كل شيء بحسبه، فالعاقل يسبح اللّه بقلبه ولسانه، وغير العاقل يسبح بدلالة الحال على وجود اللّه وتوحيدة، إذ كل موجود سوى اللّه مفتقر اليه تعالى، والافتقار إليه دليل قاطع على تعظيمه وتقديسه. قال الرازي في تفسيره: إن التسبيح باللسان لا يكون إلا مع العلم والفهم والنطق، وكل ذلك محال في الجماد، فلم يبق إلا التسبيح بلسان الحال.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد