مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ إبراهيم السنّي التاروتي
عن الكاتب :
الشّيخ إبراهيم بن الحاج حسن بن محمد السنّي (أبوعلي) من فضلاء جزيرة تاروت. درس في قمّ المقدّسة، مرحلة المقدمات والسّطوح على يد نخبة من أساتذة الحوزة العلمية فيها، أبرزهم آية الله السيد حسين الشاهرودي، وآية الله السيد جعفر علم الهدى، وسماحة الشيخ حسن الرميثي، وسماحة الشيخ محمد رضا القائيني، كما درس مرحلة البحث الخارج عند آية الله الشيخ حسين الوحيد الخراساني، وآية الله السيد كاظم الحسيني الحائري، وسماحة السيد منير الخباز. تولّى أثناء دراسته، مهام تدريس المقررات الحوزوية لجمع من الطلبة القطيفيين والأحسائيين والخليجين.

دلالة الحديث القدسي: لولا فاطمة ما خلقتكما

دلالة الحديث القدسي: لولا فاطمة ما خلقتكما - رؤية في الحكمة الإلهية وسلسلة النور

 

ورد في الحديث القدسي

"لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا علي ما خلقتك، ولولا فاطمة ما خلقتكما".

 

المنهج الحوزوي: الفصل بين البحث السندي والبحث الدلالي

جرت السيرة العلمية في الحوزات على أن البحث السندي لا يُلغي البحث الدلالي، أي أنه لا ينبغي التوقف عند صحة السند فقط، بل يجب أيضًا دراسة دلالة الرواية ومعانيها. هناك مقولة تُنسب إلى الشيخ الأنصاري: "البحث الإسنادي حيلة العاجز". بمعنى أن من يعجز عن استخراج معاني الرواية أو نكتها قد يلجأ إلى القول بضعف السند.

هذا المنهج يُعتبر خلافًا للسيرة العلمية الحوزوية، التي تؤكد على:

فصل البحث السندي عن البحث الدلالي.

التعامل مع النصوص - خاصة غير المتعلقة بالأحكام الشرعية - بدلالاتها العميقة.

الأحاديث والقضايا الحقيقية: غالبًا ما تُلقى النصوص على نحو القضية الحقيقية، لا الخارجية.

على سبيل المثال، يقول الله تعالى: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا". أي أن هذه الآية تشمل كل مستطيع للحج عبر العصور، لا على نحو حالة خارجية محددة.

 

الحديث القدسي ودلالته:

عند تناول الحديث القدسي: "لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا علي ما خلقتك، ولولا فاطمة ما خلقتكما":

فرض صحة السند:

بغض النظر عن صحة السند أو ضعفه، يتم دراسة دلالة النص على فرض الصحة.

تحليل دلالي لحديث: "لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا علي ما خلقتك، ولولا فاطمة ما خلقتكما".

الإشكالية الدلالية: الحديث يطرح تساؤلًا عميقًا عن العلاقة بين النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، والإمام علي (عليه السلام)، والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بحيث يبدو أن هناك نوعًا من الترتيب، يوحي بأن وجود كلٍ منهم مرتبط بالآخر. بناءً عليه، يُثار التساؤل التالي: هل يشير الحديث إلى أفضلية الإمام علي أو السيدة فاطمة على النبي (صلى الله عليه وآله)؟

يعني كيف أن خلق النبي محمد صلى الله عليه وآله متوقف على إيجاد علي بن أبي طالب؟

يعني مرتبط به، مقيد به، مقترن به.

لولا علي لم يُخلق النبي صلى الله عليه وآله، ولولا فاطمة لم يُخلق علي بن أبي طالب.

فظاهر الحديث أن علي بن أبي طالب كأنما هو أفضل من رسول الله، لأن الوجود النبوي متوقف على العلوي، والوجود العلوي متوقف على الوجود الفاطمي. فكأنما علي بن أبي طالب أيضاً وجوده متوقف على وجود فاطمة.

فهذا يدل على أن المتوقف عليه أفضل من المتوقف، أي أن علي بن أبي طالب متوقف وجود النبي على وجوده، فالمتوقف عليه أهم من المتوقف وهو النبي، لأنه لولا علي ما وُجد، ولولا فاطمة ما وُجدت يا علي.

فأيضاً وجودك، الذي يتوقف عليه وجود النبي، متوقف على وجود فاطمة.

 

الجواب:

هذا الحديث لا يفيد الأفضلية. وإنما يشير هذا الحديث إلى أن علة التشريع وعلة الكمال وعلة العدالة والقسط والاستقامة، وعلة الهداية وعلة الإيجاد، متحدة في سلسلة ممتدة من بعد النبي إلى بقية الله في الأرضين، الحجة المنتظر المهدي. فعندما قال سبحانه وتعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، عُرف أن الإيجاد متوقف على العبادة. ولهذا هناك نوعان من السبق:

سبق خلقي: أي أن الإنسان يُوجد أولاً ثم يعبد الله، فالخلق سابق على العبادة، وهو سبق وجودي فعلي زماني.

سبق غائي: أي أن العبادة سابقة على الوجود من حيث الغاية، بمعنى أنه لولا العبادة لم تكن هناك حكمة للوجود والإيجاد. إذاً، فهذا السبق الغائي أيضاً له علة توجده. ولهذا ذكرنا في كثير من البحوث أن الله، عندما أراد أن يُعبد، لم يبقَ زمان أو آنٍ بدون عبادة. فور إرادته أن يُعبد، تحقق وجود من يعبده. ولهذا عندما قال في الميثاق: "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى"، كان النبي صلى الله عليه وآله أول من شهد وقال: "أنا".

أي أن أول ما أراد الله الخلق أراد العبادة، والعبادة والخلق والإيجاد متحدة في زمان من الأزمنة، وفي نور من الأنوار، وفي رتبة من مراتب الخلق ومراتب الإيجاد.

إرادة الله التكوينية لا تتخلف، فما يريد الله يقع. ولهذا، عندما أراد أن يكون معبوداً، تحقق وجود من يعبده فوراً، وكان هذا الوجود هو النبي صلى الله عليه وآله.

ثم انبثق من نور النبي نور عُبدَ الله من طريقه، وهو نور فاطمة، ثم الحسن والحسين. هذا الوجود وهذا الإيجاد الذي أراده الله سبحانه، مقترن ومرتبط بالعبادة، لا يتحقق في وجود النبي فقط.

النبي هو أهم وأفضل الخلائق وأحبهم وأقربهم إلى الله، ولهذا لا يقال في حقه "لولا" بشكل عام. لكن بعض العرفاء طرحوا فكرة أنه لو لم يوجد النبي محمد، لكان الإمام علي هو النبي. في الرد على هذا الطرح نقول: هذا لا يصح، لأنه لو لم يوجد محمد، لكان علي هو محمد.

 

هنا تكون المسألة مسألة الاشتقاق:

اشتقاق.

مراحل الاشتقاق.

أفضل اشتقاق.

أول اشتقاق.

أهم اشتقاق.

اشتق من ذاته المحمودية: محمد.

فلو كانت ذات النبي محمد ليست نبيًّا، وليست هي أول من يُجيب، لكانت الذات التي تليه تحل محلّه مباشرة، وتُسمى بهذا الاسم (محمد). لذلك، لا يمكن أن يكون علي بعد النبي، بل يكون الاشتقاق التالي مشتقًّا من الذات المحمودية. كما قيل: "فشقّ له من اسمه ليُجِلّه، فذو العرش محمودٌ وأنت محمدٌ".

لذلك، من الضروري أن يكون أول ما يُخلق من أراد الله أن يُعبد.

مقترن العبادة بوجودهم السابق النوراني:

هذا الوجود النوراني مشتق من الذات المقدسة، والاشتقاق يبدأ بالمحمودية (محمد)، ثم العلوية (علي)، ثم الفاطمية (فاطمة).

هذه الاشتقاقات تمثل:

العبادة في مرحلة من المراحل.

ثم الهداية والحجية في مرحلة أخرى.

الحكمة الإلهية تتطلب سلسلة متصلة:

وجود أول نور وحده لا يكفي. الحكمة لا تكتمل بوجود النبي صلى الله عليه وآله فقط، بل تحتاج إلى سلسلة متصلة لتحقيق الغاية الإلهية.

 

إرادة الله مرتبطة بالعبادة والهداية:

لو خلق الله النبي فقط دون السلسلة التي تليه، لما تحققت إرادته كاملة.

إرادته أن يُعبد، أن يهدي الناس، وأن يُوجد عبادًا يعبدونه.

كما ورد في الحديث القدسي: "كنت كنزًا مخفيًّا، فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق لكي أُعرف".

وفي الآية الكريمة: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".

 

سلسلة الأولياء بعد محمد:

توقفت العبادة على سلسلة من الأولياء بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله:

أول السلسلة: علي بن أبي طالب.

إذا وجد رسول الله، وهو أول الاشتقاقات من الذات المقدسة، فإن الحكمة لم تنتهِ.

الغاية بعدها قائمة.

الحجة بعدها قائمة.

الإرادة بعدها قائمة.

الاشتقاق النوراني هو الذي يُظهر أن سلسلة العبادة والهداية مستمرة، ولا تكتمل الحكمة الإلهية إلا بوجودها المتصل بدءًا من النبي محمد صلى الله عليه وآله، ثم علي، ثم فاطمة، وهكذا.

 

بالنتيجة:

إرادة الله تطلبت أن يكون هناك مخلوق يكمل هذه الغاية، وهو علي عليه السلام. ثم تعلقت إرادته بمخلوق آخر، فلا تكتمل إرادته بالمخلوق الثاني وهو علي، إلا بالمخلوق الثالث. ولهذا قيل: حتى لو سكتت الرواية عند فاطمة، لكن لو قيل:"ولولا الحسن ما خلقتك". "ولولا الحسين ما خلقتك". فهذا أيضاً صحيح، أو حتى لو قيل: "ما خلقتكم". لماذا؟ لأنه ليس المقصود وجود فاطمة بما هي فاطمة فقط، وإنما كما ورد في الرواية: "إن الله ميّز محمداً على باقي الأنبياء لأنه أودع فيه نور فاطمة، المودَع فيها أنوار الأئمة والحجج". ميزه على باقي الأنبياء لأن نور فاطمة كان مودعاً عند النبي. ولهذا ميّزه الله على الأنبياء.

 

فاطمة أم أبيها:

"أم أبيها" تعني أن الإرادة التكوينية تكتمل بها وبأبنائها. فهي الجزء الثاني من العلة الزوجية.

علي وفاطمة هما النور. ومن نورٍ وبنورٍ زُوِّجت، فاكتملت السلسلة:

جزئي السلسلة.

أو جزئي العلة.

حتى تأتي بعدها بقية العلل. فإن الله أودع في بطن فاطمة نور الحجج.

وأودع نور فاطمة في نور النبي صلى الله عليه وآله.

ولهذا ميّزه الله عن باقي الأنبياء، لأن دعوته ورسالته، التي هي خاتمة الأنبياء وخاتمة الرسل، تقوم على:

اثني عشر إماماً.

اثني عشر حجة.

وأحد عشر حجة منهم في بطن فاطمة.

"ولولا فاطمة ما خلقتكما":

هذا يعني: لولا فاطمة، لما كانت الأنوار التي يكتمل بها الدين، والحجج التي يكتمل بها الدين.

ولولا فاطمة، لما اكتملت الإرادة الإلهية والعبودية.

فعبادة الله ليست متوقفة على محمد فقط.

وليست متوقفة على علي فقط.

وليست متوقفة على فاطمة فقط.

 

لماذا توقفت على فاطمة؟

لأن أحد عشر إماماً حجة من بطن فاطمة، في نور فاطمة، أم الأئمة. ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وآله لخديجة عليها السلام: "إنها أنثى، وإنها النسلة الطاهرة، وإن الله أخبرني أن منها الأئمة الطيبين الطاهرين".

 

فاطمة هي العلة:

أحد عشر إماماً تجسد الرسول صلى الله عليه وآله فيهم. فلولا فاطمة، العلة والحكمة والإرادة الإلهية ما اكتملت بالنبي. ولم تكتمل بعلي، فلا بد من فاطمة. ولهذا اختار الله فاطمة، واشتاق إلى نورها.

 

فاطمة ريح الجنة:

قال النبي: "دعيني منك، إني أشم من فاطمة ريح الجنة". فاطمة ريح الجنة. إنها التفاحة التي أنزلها الله على النبي، وأمره أن يعتزل خديجة، ثم يأتيها. فاكتمل بذلك النور.

 

فلولا فاطمة ما خلقتكما:

"أم أبيها":

يقول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: "إنها وديعة الله، ووديعة رسوله عندك يا أبا الحسن". هذه وديعة الله. ولهذا كان النبي دائماً يوصي الناس بفاطمة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد