هناك من يسأل هذا السؤال النابع من جهل السائل، والذي ينمّ عن سطحيّة عقله ووهن رأيه، فيقول: (لماذا هذا الإصرار على معرفة أهل البيت سيّما في عصرنا الحاضر عصر العلم والتطوّر التكنولوجي؟! حيث إنّ العالم أصبح قرية واحدة في عصر الكومبيوتر، وأنتم لا زلتم تبحثون عن أمير المؤمنين علي النقطة التي تحت الباء، أين نحن وأين العالم ولِهذا الصراع على هذه الأمور التي لسنا بحاجة إليها).
يأتي الجواب من الإمام زين العابدين (ع)، ولكن قبل أن نسمع جواب الإمام، أريد أن أقول إنّ من العدل الإلهي أنه إذا تقدّم الإنسان في العلوم البشرية كما تقولون، لا بدّ أن يتقدّم ويتعمّق في العلوم الإلهية، التعمّق في العلوم الإلهية أهمّ من التعمّق في العلوم البشرية، لأنّ الإنسان ذو بعدين، البعد المادّي والبعد الروحي، فالعلوم البشرية هي التي تهتمّ بالبعد المادّي للإنسان وهو البدن، وأمّا العلوم الإلهيّة تهتمّ بالبعد الروحي، والإنسان كما هو واضح بروحه وعقله لا ببدنه، فلو كانت المقاييس على الأبدان، لسبقنا كثير من الحيوانات في ذلك كالفيل والجمل وكلّ من هو أكبر منّا جسمًا، ولكنّ المقاييس على العقول والأرواح، فلذلك صار كلّ شيء مسخّرًا لنا (سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِ السَّمَوَاتِ وَمَا فِ الأرْضِ)) لقمان: 20).
وعلى هذا لا ينبغي للإنسان أن يدع الرتبة الكريمة (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70)، وينزل إلى رتبة البهيمة (أوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ) (الأعراف: 79)، ثمّ قد يتسافل فينزل إلى أخسّ من الأنعام لقوله: (بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان: 44)، والفرق الآخر بين العلوم البشرية والإلهية الذي هو السبب في دفعنا إلى التعمّق بالعلوم الإلهية هو موضوع العلوم، فتلك لا تتجاوز المادّة وهذه موضوعها خالق المادّة وهو الله تعالى، فصارت أشرف وأعلى تبعًا لموضوعها؛ لأنّ العلوم تشرّف بموضوعاتها، كما أنّ الإنسان الحاضر يبحث في المعاش، فلنا أن نبحث في المعاد، وكما أنّ العالم الغربي يبحث في العلوم البشرية ويتعمّق، لا بدّ لنا أن نبحث في العلوم الإلهية السماوية، وهذا من صميم حضارتنا الإسلامية.
فنقول إنّ العلوم البشرية يتعلّمها المسلم والكافر ولكنّ العلوم الإلهية لا يتعلّمها ولا يتقدّم فيها إلاّ العالم الإلهي الربّاني، لأنّه علم شريف يحتاج إلى محلّ طاهر، فعلى هذا لو كان القلب طاهراً، لَعَلم وفَهم ما في القرآن الكريم وبواطنه وما فيه من المعارف، ولكن عندما يكون القلب نجساً أو شهوانياً أو حيوانياً أنّى له ذلك؟! فتراه يرى الحقّ باطلاً، والعلم بالعدل الثاني للقرآن وهم العترة الطاهرة ضياعاً، ومعرفتهم ترفاً فكرياً، وهذا عين الظلم للقرآن ولعدله الثاني وللعلماء بهما.
والآن نأتي إلى جواب الإمام زين العابدين (ع) الذي أصبح بعد كلامنا هذا شاهد صدقٍ على قولنا، فإنّه يقول(ع): (إنّ الله علم أنّه سكيون في آخر الزمان أقوام يتعمّقون فأنزل سورة التوحيد وآيات من سورة الحديد) حيث المعرفة الحقّة وحيث المعرفة الإلهية ولكن لا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم، ولا يقف على هذه الحقائق إلاّ من كان طاهراً معنوياً لأنّ القرآن لا يمسّه إلاّ المطهّرون، وأمّا غير المطهّر لو أراد أن يمسّ أي يعلم القرآن في بواطنه وأسراره، فإنّه لا يستطيع، بل لا ينال إلاّ اللعن من القرآن وهذا ما أكّده الحديث الشريف (كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه).
فالمعرفة التي يريدها لنا الله تعالى ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) هي التي تقودنا إلى كمالنا الحقيقي، وإلى سعادتنا الدنيوية والأخروية، فلا بدّ من التعمّق لكي نقف على الحقائق، ولا بدّ من التعمّق لكي نكون فقهاء لأنّ الحديث الشريف يقول: «لا يكون الفقيه فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا، فإنّ لكلّ منها سبعين وجهًا، ولكلّ وجه لنا مخرج»، فبمعرفة هذه الوجوه تكون الفقاهة.
وأذكر لكم شاهداً على ذلك ما ذکره الشيخ حسن زاده الآملي، فإنّه ذكر واحداً وتسعين معنى لقوله عليه السلام: (من عرف نفسه فقد عرف ربّه) . كما ذُكر للحديث النبوي الشريف «المؤمن مرآة المؤمن »تسعة وتسعون معنىً، فبهذا يتّضح أنّ حديثًا ندريه خير من ألف حديث نرويه، فنحن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لا بدّ لنا من التعمّق بمعرفة أهل البيت(عليهم السلام) وأن ندع الدنيا لأهلها، فنقول إذا جاؤوا لنا بجديد في علومهم البشرية فعلينا أن نأتي بجديد وعميق في العلم الإلهي والنبوي، فإنّ زيادة المعرفة والعلم تعطي الإنسان الأدب والخضوع والخشوع والمودّة والإطاعة، ومن ثمّ ينال الإنسان القرب من الله، ويفوز بسعادة الدارين.
نعم إنّنا لا نبلغ كنههم فكيف نصفهم ونحن في وصف الجنّة التي هي مكان لهم ولشيعتهم في حيرة؟ هذا ما أكّده الحديث الشريف: «إنّ في الجنّة ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، فكيف نعرف سادات الجنّة؟! لا نعرفهم إلاّ من خلال أقوالهم، فهذا أمیر المؤمنین علي (ع) قال عن نفسه: «أنا النقطة التي تحت الباء»، فبالنقطة تبدأ الحروف والأعداد، والخطّ المستقيم الذي هو أقصر خطّ ما بين نقطتين يبدأ بنقطة وينتهي بها، وهكذا عليّ (ع) هو البداية والنهاية، فكلّ ما تقول فيه... هو معشار العشر من فضله.... فلذلك نقول: «اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهمّ عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني، اللهمّ لا تمتني ميتة الجاهلية ».
السيد عادل العلوي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان