لماذا كان من الضروري أن تستمر الرسالة الإسلامية من خلال (الإمامة)، مع أن هذه الرسالة هي رسالة خاتمة؟ ثم لماذا لم يكن هذا الاستمرار بهذه الصورة في الرسالات السابقة، بل كان من خلال النبوات التابعة؟
أما عدم الاستمرار من خلال النبوات التابعة، فلأن الاستمرار للنبوة في الرسالات السابقة كان أمرًا طبيعيًّا، وذلك للوصول بالرسالة والإنسانية معًا إلى مرحلة التكامل الرسالي والإنساني، فكان من الضروري أن يأتي أنبياء تابعون للرسالة الإلهية التي يرسل الله تعالى بها نبيًّا من الأنبياء أولي العزم، لأن الرسالات الإلهية كانت تتعرض إلى التحريف فيها لدرجة تفقدها دورها الرسالي المطلوب من ناحية، كما أن الرسالات لم تبلغ التكامل الرسالي المفروض الذي بلغته في الرسالة الخاتمة من ناحية أخرى، والإنسانية لم تبلغ مرحلة التكامل الرسالي في ثبات الأصول والمبادئ الأساسية للرسالات الإلهية في مسيرتها من ناحية ثالثة، فنحتاج إلى هذه النبوات التابعة التي قد يندمج فيها دور النبوة والإمامة في بعض الأحيان، وقد ينفصل حسب طبيعة المرحلة والزمان، فنشاهد أنبياء دون إمامة لإبلاغ الرسالة وبيان أو كشف ما تعرضت له من تحريف أو أوصياء دون نبوة، ليكون دورهم هو مواصلة دور النبوة السابقة المحدود.
أما في الرسالة الخاتمة وبعد فرض تكاملها الرسالي والإنساني معًا، سواء على مستوى النظرية أو ثبات الأصول والمبادئ الأساسية للرسالة، فنحن لسنا بحاجة إلى أنبياء تابعين، ولذا انقطعت النبوة.
وأما لماذا كان هذا الاستمرار من خلال خط الإمامة في الرسالة الخاتمة؟ فقد أشرنا في حديثنا إلى أنه قد يبدو لأول وهلة أن الحاجة في الرسالة الخاتمة إلى الاستمرار والبقاء - بسبب أهميتها وجلالتها وسموها وامتيازاتها على الرسالات السابقة - أكثر من الحاجة بالنسبة إلى الرسالات السابقة، لأنها الرسالة الأهم والأعظم، فكيف لا تحتاج إلى من يتابعها، مع أن الرسالات الأقل احتاجت إلى مثل هذه المتابعة؟
والسبب في ذلك هو أن هذه الرسالة، وإن أصبحت من حيث مضمونها ومحتواها الرسالي رسالة خاتمة وكاملة، ولا تحتاج عندئذ إلى متابعة على مستوى (الأنبياء) لبيان أصل الرسالة وثبت الأصول، لأن النبي صلى الله عليه وآله أكملها في بلاغها وعرضها على الناس، وقد صرح القرآن الكريم بذلك: (...اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلم دينًا...) (1)
إذن، فالرسالة الخاتمة من هذه الناحية لا تحتاج إلى إكمال على مستوى البلاغ والتبشير والانذار الذي يتحمله الأنبياء عادة، لمعالجة الانحرافات وتثبيت الأصول والأسس، نعم قد تحتاج إلى إكمال بيان بعض التفاصيل، ولكن ذلك وحده لا يحتاج إلى الإمامة ودورها الكبير في النظرية الإسلامية.
كما شاء الله سبحانه وتعالى أن تختص الرسالة الإسلامية من بين الرسالات الأخرى بضمانات ووسائل الحفظ من الضياع والتحريف المطلق في مضمونها، وذلك من خلال عدة عناصر أساسية ومهمة، يأتي في مقدمتها القرآن الكريم، والمحافظة عليه من التحريف والزيادة والنقصان، ببركة قيام النبي صلى الله عليه وآله بتدوينه ووجود العدد الكبير من الصحابة الأفذاذ الصالحين وفي مقدمتهم الإمام علي عليه السلام، الذين تمكنوا من حفظ القرآن في الصدور، وغير ذلك من الأسباب الغيبية أو المادية (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (2) ولا شك أن لوجود أهل البيت عليهم السلام دورًا مهمًّا وعنصرًا أساسًا - أيضًا - في ذلك.
وهي بذلك لم تعد بحاجة إلى نبوات تابعة، ولكن مع ذلك كله، تبقى الرسالة الإسلامية الخاتمة بحاجة إلى وجود متابعة لها على مستويات أخرى، ومن أجل ذلك كان وجود الإمامة واستمرار الرسالة من خلالها ضرورة لازمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة: 3.
(2) الحجر: 9، عالجنا هذا الموضوع في بحث ثبوت النص القرآني من كتابنا علوم القرآن: 99.
حيدر حب الله
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
عدنان الحاجي
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان