مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إيمان شمس الدين
عن الكاتب :
باحثة في الفكر الديني والسياسي وكاتبة في جريدة القبس الكويتية

السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)

كثيرًا ما يتم تداول كلمة السيادة والتي تعني مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة، وهذه لا تكون إلا لله كونها مطلقة بلا قيد. وفي أبجديات الفكر الشيعي تطرح على مستوى المرأة متمثلة بنموذج الزهراء عليها السلام كسيدة نساء العالمين. وما يحويه هذا التوصيف من تأسيسات مهمّة تتشكل منها مرجعية للمرأة في نظم السيادة في كل زمان ومكان.

 

ارتأينا في ظل لحظات تاريخية تمر بها الأمة –وخاصة النساء مهد الحضارات– بعنق زجاجة يتعلق بالهوية والانتماء المستهدفتان عالميًّا خاصة المرأة كمصداق، وما العولمة إلا أداة ذلك الاستهداف خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والثقافات والسلوكيات التي تحدد هوية الشخص ومن ثم تحدد له انتماءه، أللسماء أم إلى الأرض، من خلال تقديم نموذج يشكل مرجعية للاتباع والاقتداء يتحقق من خلاله تشكيل الهوية وتحديد الانتماء.

 

السيادة بين السماء والأرض

 

القوة المطلقة غير المقيدة لا يمكن تحقيقها بهذا الإطلاق واللاقيد إلا لله تعالى. ولكي تتنزل هذه السيادة السماوية للأرض فلا بد من وجود أوعية قابلة لهكذا نمط سيادي مطلق وغير مقيد، يكون مستخلفًا واعيًا ومدركًا لكل حيثيات الاستخلاف الصحيح وفق إرادة الخالق لتكون هذه السيادة الأرضية في طول سيادته وليس في عرضها وتأتي بعد ذلك سيادة الخلق في الأرض من السماء وفق مراتب تتصل بمراتب الوجود.

 

وهذه السيادة تكون:

سيادة على مستوى الذات

سيادة على مستوى الأسرة

سيادة على مستوى المجتمع

سيادة على مستوى الدولة

سيادة على مستوى العالم

 

وهنا السيادة حينما تبدأ من خارج النفس ترتبط بالسيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى المفاهيم تكون سيادة قيمية ومفاهيمية، بحيث يفرض النموذج المتسيد مرجعيته في ذلك لامتلاكه القوة والسلطة المستمدة من قوة وسلطة السماء. فتتحقق سيادة العالمين من ناحية المراتب المكانية ومن ناحية المفاهيم، وإذا كان نموذج السيادة نموذجًا إلهيًّا معصومًا فتتحقق السيادة الزمانية أي صلاحيته كنموذج لكل زمان، ليصبح النموذج ذا سيادة زمانية ومكانية.

 

التربية والربوبية والسيادة

 

النموذج الذي يسود هو القدوة التي تشكل مرجعية فكرية ودينية وسلوكية عبر الزمن، والقرآن يجعل موقع القدوة بموقع الربوبية بمعنى التربية، وهنا بالسيادة تتحقق الربوبية المتصلة بالتربية والربط بالنموذج الأكمل، وكان صراع الأنبياء مع المستكبرين عبر التاريخ في جزء منه هو صراع حول الربوبية المتصلة بإدارة الشأن والتنظيم والتربية. وكان المعصوم يرى الله ربًّا بمعنى أنه المرجعية المعصومة في التربية. عن النبي الأكرم: ”أدبني ربي فأحسن تأديبي” (محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج١٦، ص ٢١٠). وأعاد الراغب الأصفهاني الربوبية والتربية لنفس الجذر اللغوي، فقال في تعريفه لـ (الرب): “الرب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام”.

 

ووظيفة النموذج الأكمل من أكبر الوظائف وهي الربط بين الأمة والله، ووظيفة المثل المتبع لهذا النموذج هو الربط بين الأمة والنموذج، أي أدوار تقع في طول بعضها البعض ويوكل لها وظيفة التربية التي هي لب الدعوة إلى الله كونها تربية في طول تربية الله وإرادته.

 

وكانت وظيفة المعصوم وصل الناس بهذا الرب عبر التاريخ، فكان المعصوم النموذج الكامل الذي يمثل مرجعية التربية لتتحقق الربوبية وتتم السيادة. وكان لابد من توفّر أمثلة أو أنماط في كل زمان وظيفتها ربط الناس بالنموذج بحيث يكون النمط الانعكاس الأقرب للنموذج الكامل. والزهراء عليها السلام النموذج الأكمل المعصوم للمرأة التي تجسد شخصية المرأة في المشروع الإلهي. وكونها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فهذا يعني سيادة زمانية ومكانية وعلى الأصعدة كافة. وبذلك تتحقق الربوبية بنموذج الزهراء للمرأة التي لها شأنية في التربية. ولكن لماذا لم نقدم أمثلة متصلة بهذا النموذج لتسود المرأة في زمانها مستظلة بسيادة الزهراء عليها السلام؟

 

حيث إن سيادتها الزمانية والمكانية تعتي أنها صالحة كنموذج إلهي لكل زمان ومكان وأن في نموذجها ما هو ثابت وما هو متغير كونها كنموذج إلهي إسلامي معني بالأصالة والخلود، فالإسلام له مكونان رئيسيان يحفظانه من الانحراف ويجعلانه صالحًا لكل زمان ومكان:

 

المكون الأول

الأصالة التي تعني بالثوابت وكليات الإسلام التي تحفظه من التحريف

 

المكون الثاني

الخلود والذي يبقيه مرنًا وباق لكل الأزمنة

 

وشخصية الزهراء كنموذج إلهي معصوم سائد إلى يوم القيامة أيضًا فيه بعدا الأصالة والخلود المتعلقان بالثابت والمتغير تشريعيًّا.

 

لكن لماذا لم يسد نموذج الزهراء ولم تسد المرأة كل وفق زمانها؟ لكل زمن متغيراته الاجتماعية وبالتالي وفق هذه المتغيرات ووفق تراكم المعرفة العقلية يمكن قراءة نموذج الزهراء على ضوء هذه المتغيرات فيتم تجليتها كنموذج والتعرف عليها أكثر وبالتالي تسيدها أكثر.

 

فلكل زمن مقوماته وأدواته في السيادة، ولكن هناك ثوابت وأصالة تاريخية سواء ثقافية أو فكرية واجتماعية أو إنسانية، فالمستقرئ لشخصية الزهراء عليها السلام ووفق موقعها السيادي للعالمين يستطيع في كل حقبة زمنية ونتيجة التكامل والتراكم العقلي والمعرفي أن يكتشف في شخصيتها مقومات لسيادة هذه الحقبة سواء كانت مقومات تحاكي الواقع الاجتماعي المتغير ولا تحابيه، أو مقومات ثابتة أصيلة لا تتعلق بتغير الزمان والمكان خاصة فيما يتعلق بمنظومة القيم.

 

ولكن رغم وجود هذا النموذج الرباني المعصوم نجد هناك عدة مدارس فكرية لها رؤيتها الخاصة بالمرأة، وطبعًا هناك مبررات موضوعية لهذا الاختلاف حول المرأة مع وجود شخصية الزهراء النموذجية، وأهم هذه المبررات:

 

– ابتعادنا عن عصر التشريع

– قصر حياة الزهراء عليها السلام

– شح تاريخي بخصوص شخصية الزهراء عليها السلام حيث لم يصلنا عنها إلا القليل وهو ما قد يؤثر على تكوين رؤية كاملة.

– الذاتية في النظرة

– البيئة ومؤثراتها على قراءة موضوعة المرأة

– آليات وأدوات استقراء التاريخ من جهة والنص من جهة أخرى والاجتهاد من جهة ثالثة.

 

المدارس الفكرية الدينية والمرأة

 

نشأت هذه الاتجاهات الفكرية نتيجة المواجهة التي حدثت مع الغزو الثقافي الغربي وما قدمه من نموذج مخلّ للمرأة بالواقع الاجتماعي الإسلامي والذي يطغى عليه طابع المحافظة ويتمسك بطبيعة الحال بعفة المرأة وعفافها وما لهذه القيم من أصل في حفظ المجتمع من الانحراف والفساد.

 

ولنكن أكثر دقة كانت المدرسة التقليدية تبني أفكارًا انفعالية تجاه الغزو الغربي الثقافي من جهة وردًّا على المدرسة التجديدية من جهة أخرى، والمدرسة التجديدية تبني أفكارها مستقبلة ما يطرحه الغرب ومحاولة لتكييف عناصره الثقافية مع بيئته من جهة، ومن جهة أخرى تنفعل ضد ما يطرحه الاتجاه التقليدي.

 

لكن كل مدرسة كانت تسعى من وجهة نظرها لتوضيح رؤية الإسلام عن المرأة، فكما ذكرنا آنفًا أن الإسلام له مكونان رئيسيان: الأول الأصالة والثاني الخلود.

 

١- الاتجاه التقليدي الإسلامي

“نعني بالتقليديين هنا مجموعة من العلماء والمتدينين المسلمين الذين عاشوا في القرنين الأخيرين، وحصروا اهتمامهم فقط برفض الثقافة الغربية ومحاربتها، وذلك بدافع من غيرتهم على الدين، وتمسكهم بالمعارف والأحكام الدينية، وهذه الجماعة لا تنضوي تحت مجموعة واحدة ولكن لديها مسلمات مشتركة هي:

– الأصولية

– محورية التكليف والتعبد

– اعتماد الاجتهاد في فهم الدين (النص حاكمًا)

– الأصالة ومحاربة الالتقاط

– تقديس الماضي أو الماضوية

ونظرًا لذلك تكون هذه المدرسة قد ضحت بخلود الإسلام لحساب أصالته.

 

٢- الاتجاه التجديدي الإسلامي

هذا الاتجاه نشأ كردة فعل في مواجهة الثقافة الغربية من جهة والتقليدية من جهة أخرى لاستشعارها الصراع الدائر بين التقليدية والتجديد بسبب ما لديها من ميول دينية.

هذا الاتجاه أيضًا له سمات عامة مشتركة وان لم يجمعه إطار واحد وهي:

– النزعة الإنسانية

– التنمية

– تقديس العلم والاعتماد على العقلانية

– التاريخية والنسبية في الفهم

– النظر نحو المستقبل

وقد وقع هذا الاتجاه في مأزق التضحية بالأصالة لحساب الخلود

٣- الاتجاه الحضاري الإسلامي

 

يعتقد هذا الاتجاه أنه يمكن الحفاظ على عنصري الأصالة والخلود في الإسلام وجمعهما في نظرية واحدة، تكون على مسافة واحدة بين نسبة منطقية متساوية.

 

وهم يعتقدون أن الطريق الوحيد للخروج من الإشكالية الحالية في المجتمعات الإسلامية يكمن في التحرك في سبيل إيجاد حضارة حديثة، بحيث تعتمد برامج التنمية والتطوير فيها على القيم الإسلامية وتهتدي بهداها.

 

ومن هنا يعتقد الكثيرون من المثقفين المسلمين بأن ظهور الإشكاليات المعاصرة المتعلقة بالمرأة في المجتمعات الإسلامية والثقافة الحداثوية من جهة، وإلى معارضة التقاليد الاجتماعية، في المجتمعات الإسلامية للقيم المنبثقة عن التنمية الغربية من جهة أخرى.

 

وأهم سمات هذا الاتجاه المشتركة هي:

– النظر إلى قضايا المرأة بشكل منهجي

– الأصولية في فهم الدين والتطور في تطبيق الدين

– التطور في منهج الاجتهاد وإعادة النظر في مناهج العلوم

– ضرورة تدوين النمط الأكمل لشخصية المرأة المسلمة (وضع النموذج)

– التأسيس لحضارة إسلامية جديدة

 

وحيث أن الفقه هو المعني الأول في التجديد الديني، لما تلعبه الفتوى من دور في تحريك المجتمعات وتفكيك مكوناتها الثقافية ودفعها نحو الحركة حيث الفتوى سلطة مهمة عبر التاريخ، فبالتالي تصبح المدرسة الحضارية في بحثها وبلورتها لنموذج المرأة الحضاري معنية بموضوع الثابت والمتغير.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد