الإمام الخميني "قدّس سرّه"
فأشواك هذا الطریق والموانع في هذا العروج، قذارات لا یستطیع السالك -إن لم یسع في إزالتها- الصعود بهذه المرقاة والعروج بهذا المعراج، وكل الموانع من الصلاة وأرجاس الشیطان هي من هذه القذارات، في حین أن شروط حقیقة الصلاة هي كل ما یعین السالك في هذا السیر ویعدّ من آداب الحضور.
فعلی السالك أن یزیل الموانع والقذارات أولًا، لكی یتیسر له الاتصاف بالطهارة وتحصیل الطهور، الذي یتصل بعالم النور. فالسالك لن یحظی بالمحضر المقدس أو الحضور فيه ما لم یتطهر –بمراعاة مراتب الطهور- من جمیع القذارات الظاهریة والباطنیة، العینیة والساریة منها.
وأول درجة من القذارات، هي القذارات التي تلوث أدوات النفس وقواها الظاهریة بلوث الذنوب وأقذار المعاصی وأدران التمرّد علی أوامر ولي النعم، وغیر ذلك مما هو من مكائد إبلیس الشكلیة التي تحرم الإنسان الواقع فيها من فيض المحضر والحصول علی القرب الإلهي.
ولا یظنن أحد أن بإمكانه الفوز بمقام حقیقة الإنسانیة أو تطهیر باطن القلب دون تطهیر ظاهر مملكة الإنسانیة، فإن هذا من تغریر الشیطان ومكائد إبلیس الكبری؛ ذلك لأن الكدورة والظلمات القلبية إنما تزداد بازدیاد المعاصي التي تمثل حالة غلبة الطبیعة علی الروحانیة، وما دام السالك عاجزًا عن فتح مملكة الظاهر فسیظلّ محرومًا بالكامل من الفتوحات الباطنیة، التي تعدّ الهدف الأكبر، ولن یفتح له سبیل إلى السعادة.
إذن، فإحدی العقبات الكبری في هذا السلوك، هي القذرات والمعاصی التي یجب التطهر منها بماء التوبة النصوح، الطاهر المطهر.
واعلم أن جمیع القوی الظاهریة والباطنیة التي أنعم الحق تعالى بها علینا وأنزلها من عالم الغیب هي أمانات إلهیّة، كانت طاهرة مطهرة من جمیع القذارات بل متألقة بنور الفطرة الإلهیة، بعیدة عن ظلمة وكدورة تسلط إبلیس علیها، ثمّ إنها تلوثت بعد أن طالتها ید شیطان الواهمة وأرجاس إبلیس بعد نزولها إلى ظلمة عالم الطبیعة، فانتفت عنها حینئذ الطهارة الأصلیة والفطرة الأولیة، وتلوثت بأنواع القذارات والأرجاس الشیطانیة.
إذن، فإن السالك إلى اللّه إذا تمكن -وبعد التمسك بأذیال لطف ولي اللّه- من حفظ مملكة الظاهر طاهرة وبعیدة عن سلطة الشیطان، وردّ الأمانات الإلهیة علی الحالة التي استلمها دون نقص ولم یخن الأمانة، شمله بذلك الغفران والستر، واطمأنّ باله إلى سلامة الظاهر، في عمد بعد ذلك إلى القیام بإزالة الأرجاس والأخلاق الفاسدة من الباطن.
وهذه هي الدرجة الثانیة من القذارات التي یكون فسادها أشدّ وعلاجها أصعب، وأهمیتها أكبر عند المرتاضین؛ ذلك لأن الخلق الباطني للنفس ما دام فاسدًا وما دامت النفس محاطة بالقذارات المعنویة، فإنها لن تكون أهلًا لمقام القدس وخلوة الأنس، بل قد یكون منبع فساد مملكة الظاهر هو باطن النفس وأخلاقها الفاسدة وملكاتها الخبیثة، وما لم یبدل السالك تلك الملكات السیئة بالملكات الحسنة فلن یأمن من شرور الأعمال، بل إنه حتی إن وفّق للتوبة فلن تتیسر له الاستقامة فيها مما یعدّ من مهمات الأمور.
فتطهیر الظاهر رهین بتطهیر الباطن أيضًا، فضلًا عن أن القذارات الباطنیة ذاتها تعدّ السبب في الحرمان من السعادة ومنشأ «جهنم الأخلاق»، التي یقول عنها أهل المعرفة بأنها أخطر من «جهنم الأعمال» وأشدّ منها إحراقًا، والإشارات إلى هذا المعنی كثیرة في الأخبار المأثورة عن أهل بیت العصمة علیهم السّلام؛ لذا وجب علی السالك أن یبادر -وبعد تطهیر صفحة النفس من الأخلاق الفاسدة بماء العلم النافع والارتیاض الشرعي الصالح الطاهر المطهر- إلى تطهیر القلب «أم القری»، الذي تصلح بصلاحه الممالك كافّة وتفسد جمیعها بفساده.
فقذارات عالم القلب هي المنشأ لجمیع القذارات، كالتعلق بغیر الحق، والتوجه إلى النفس والدنیا، مما یعدّ نتائج لحب الدنیا هو رأس كلّ خطیئة، وحب النفس الذي هو أمّ الأمراض كلّها. فما دامت جذور هذین الحبین متغلغلة في قلب السالك، فلن یحصل فيه أثر لمحبة اللّه، ولن یجد سبیلًا إلى المقصد والمقصود، كما أن وجود بقایا من هذین الحبین في قلب السالك یجعل من سیر السالك سیرًا إلى النفس وإلى الدنیا وإلى الشیطان، ولیس سیرًا إلى اللّه.
إذن، فالتطهر من حب الدنیا والنفس هو في الحقیقة أول مراتب الطهور وتطهیر السلوك إلى اللّه، وقبل هذا التطهیر لا یعدّ السلوك سلوكًا إلى اللّه، وإطلاق صفة «السالك» و«السلوك» إنما یتمّ تسامحًا.
وبعد هذا المنزل منازل أخرى ینبغي اجتیازها حتی یتوقع تنسّم نسیم من مدن العشق السبع «للعطار» [1]، وذلك القائل الذي یری نفسه –وهو السالك- في منعطف أحد أزقتها، في حین أننا ما زلنا خلف الأسوار والحجب الثقیلة، نتوهم أن تلك المدن ووجهاءها لا تعدو إلاّ نسیجا من خیال. ولا شأن لي بالشیخ العطار أو میثم التمّار ولكني لا أنكر أصل المقامات، وأرغب من أعماق روحي وقلبي أن أكون من أصحابها، ولي الأمل أن تعینني هذه الرغبة في الوصول إلى مرتبة ما. أما أنت -یا عزیزی- فكن ما شئت والتحق بمن شئت:
أراد المدّعي الدخول إلى مشهد الحبیب
فجاءت ید الغیب وضربت صدر الأجنبي [2]
غیر أني لا أبخل في الأخوة الإیمانیة مع الأحباء العرفانیین، ولا أدخر النصیحة التي تعتبر حقًّا متبادلًا بین المؤمنین؛ لذا أقول بأن أشدّ القذارات المعنویة التي لا تطهرها البحور السبعة والتي وقف أمامها الأنبیاء العظام (ع) عاجزین، هي قذارة (الجهل المركب) منبع الداء العضال المتمثل في إنكار مقامات أهل اللّه وأرباب المعرفة، ومبدأ سوء الظن بأصحاب القلوب.
والإنسان ما دام ملوّثًا بهذه القذارة، ولم يقدر المقاومة عليها بالتمسك بجميع مراتب الطهور، فلن یتقدم خطوة باتجاه المعارف، بل قد تطفئ هذه الكدورة نور الفطرة الذي یمثل نبراس طریق الهدایة، وتخمد نار العشق التي تعدّ براق العروج إلى المقامات، فتجعل الإنسان یخلد إلى أرض الطبیعة.
علی الإنسان إذن أن یطهّر باطن قلبه من هذه القذارات، وذلك بالتفكر في حال الأنبیاء والأولیاء الكمّل (ص) واستذكار مقاماتهم، وأن لا یكتفي بالمرتبة التي یكون علیها، فالوقوف في مرتبة معینة والقناعة بدرجة من المعارف تلبیس من التلبیسات الخطیرة التي یقوم إبلیس والنفس الأمّارة بالسوء بها، نعوذ باللّه منهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – الرومي، یشیر ببیت شعر بالفارسیة إلی رؤیة نفسه في أحد الأزقة فیها (العطار) دار مدن العشق السبع.
[2]– مضمون بیت بالفارسیة للشاعر حافظ الشیرازي.
محمود حيدر
السيد عادل العلوي
د. سيد جاسم العلوي
الشهيد مرتضى مطهري
السيد عباس نور الدين
السيد محمد باقر الحكيم
عدنان الحاجي
الشيخ حسين مظاهري
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
بصدد التنظير لقول عربي مستحدث في نقد الاستغراب (1)
التّعامل مع سلوك الأطفال، محاضرة لآل سعيد في بر سنابس
القلب المنيب في القرآن
ماذا يحدث للأرض لحظة اختفاء الشمس؟ الجاذبية بين رؤيتين
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
لماذا نحتاج إلى التّواصل الفعّال مع الله؟
أطفال في يوم الفنّ العالمي يزورون مرسم الفنّان الضّامن
ملتقى الأحباب، جمعيّات القطيف تتكاتف لخدمة الأيتام
تجربتي في إدارة سلوكيات الأطفال، كتاب للأستاذ حسين آل عبّاس
الفروق الحقيقيّة بين المكي والمدني