همّة الإنسان تحدّد نوع الصوم الذي يصومه
أمّا هذه المراحل الثلاث للصوم التي بينّاها، فالقاعدة فيها أنّ «المرء يطير بهمّته»، كلّ إنسان وهمّته.. كلّ إنسان وعِرق حميّته، حيث أنّ كلّ إنسان له حميّة... وينبغي أن نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذلك الصوم: صوم خواصّ الخواصّ، فالتوفيق منه أيضاً، بل حتّى لو وفّقنا لما هو أعلى فلا ضير في ذلك وسنكون راضين، ولو وفّقنا لِما هو أعلى من ذلك فلن نعترض، توقّعنا ينبغي أن يكون عالياً. ففي النتيجة نحن نشاهد ونرى أنّ الأوضاع هناك لها نحوٌ آخر. هناك لا يُنظر إلى ضعفنا، بل إنّ الله يَنظر من منظار عظمته ورحمته، وعندما نجد أنّ صاحب البيت له هذا الشأن، فلمَ نبخل نحن؟! ولم نطلب القليل؟! بل نقول: إلهي! ارزقنا تلك المرحلة الرابعة. وما ذلك ببعيد على الله.
لدينا رواية عجيبة جداً! حيث يقول الله فيها: «أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي» فإذا أحسن العبد ظنّه بي فأنا أحسن الظنّ بعبدي، وأحسن تصرّفي وسلوكي معه، أمّا إن كان عبدي يراني عاجزاً فأنا أيضاً لا أُعيره أيّ اهتمام، وأمّا إن كان عبدي يرى أنّي أعلم كلّ شيء.. أنّي أنا المفيض، وأنّي أنا صاحب الرحمة والمغفرة.. إن كان هذا اعتقاده، فأنا أعامله بنفس هذا الظنّ. حسناً، فطالما أنّ الأمر على هذا النحو، فلماذا نُقلّل من توقّعاتنا؟ بل فلنقل: إلهي! أعطنا تلك المرحلة الرابعة. وهو إن شاء الله يمنحها لنا.
كان الوالد العلاّمة رضوان الله عليه يقول: إنّ الذي حصلنا عليه؛ هل جلبناه من منزل خالتنا؟! كلاّ، بل كلّه منه تعالى ـ بالطبع هو لم يكن يتكلّم عن نفسه بل كان يتكلّم عن الأعاظم والأولياء ـ كلّها من الله. سأضرب لكم مثالاً على ما أقول: إذا صار كلّ الناس في كلّ الدنيا كالنبيّ فهل ينقص شيء من الله؟ كذلك لو صار الناس جميعاً كفّاراً، فذلك لا ينقص من الله شيءً، بل لا ينقص من خزانة فضله وإفاضته حتّى بمقدار رأس الإبرة، لماذا؟ لأن ـ نحن الطلاب نفهم هذه المسألة جيّداً ـ حقيقة الوجود تختصّ بذاته هو، فإذا أفاض وأنفق فهذا الإنفاق يُصبّ في كيسه هو، وإن لم يفض ولم ينفق أيّ شيء فهو لم يخرج من كيسه شيئًا، فكلا الكيسين واحد.. وأنتم إذا أخرجتم النقود من كيسكم ووضعتموها في ذلك الكيس الذي هو لكم أيضاً، أو في جيبكم، فهل أضيف إليكم أيّ شيء؟ أبداً. والأمر الذي نحن فيه هو كذلك، وطالما هو كذلك نسأل الله تلك المرتبة العليا، نسأله تلك المرتبة.
بعض الوصايا المتعلّقة بشهر رمضان
استحباب قراءة دعاء الافتتاح ودعاء أبي حمزة الثمالي، وختم القرآن
قراءة دعاء الافتتاح في ليالي شهر رمضان المبارك، أو مقدار من دعاء أبي حمزة الثمالي، فبالطبع ليس من الواجب قراءة دعاء أبي حمزة الثمالي بأكمله، بل يكفي مقدارٌ منه، لأنّ مجرّد قراءة الدعاء بحدّ ذاته ليس هو المطلوب، وإنّما المطلوب والمهم جداً هو التأمّل في المضامين، وكذلك ينبغي قراءة ختمة قرآن واحدة على الأقل، وإهداء ثوابها إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، والأفضل أن يكون ذلك خلال اليوم، يعني عندما يكون الإنسان صائماً، والعصر أنسب لذلك من سائر الأوقات، وكذلك بين الطلوعين فله مقامه المحفوظ، وهو داخل أيضاً في وقت الصوم.
إذاً على الأقل ختمة واحدة. وكذلك قراءة أدعية شهر رمضان المبارك، على أن يكون ذلك بالحدّ الميسور والمناسب.
أبواب رحمة الله مشرّعة في شهر رمضان والشقيّ من حرمها
ذكر النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله في تعداده لخصائص هذا الشهر: «فإنّ الشقي من حُرم رضوان الله في هذا الشهر العظيم» يعني: انظروا كم المسألة مهمّة!! فالإنسان لا يحتاج لأن يبذل جهداً بنفسه، لا حاجة لبذل الجهد في هذا الشهر، يكفي أن يَمضي شهر رمضان على الإنسان، فماذا على هذا الإنسان حتّى يُحرم من هذه البركات؟!
يُروى عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه كان في مكّة، فأتاه رجلٌ، وقال: لقد رأيت الحسن البصري الآن مع جماعة يتحلّقون حوله، وكان يقول: ليس العجيب في أن يدخل الإنسان إلى النار وإلى جهنّم، بل العجب كلّ العجب مِمّن يكون له عملٌ في الدنيا يدخله الجنّة في الآخرة. فقال الإمام السجّاد لكنّني لا أقول ما يقول، بل أقول عكس ما يقول: «ليس العجب ممّن يدخل الجنّة، بل العجب ممّن استحقّ العذاب مع هذه الرحمة الواسعة لله عزّ وجلّ». ينبغي التعجّب من هذا الإنسان، وهذا كلام إمام لا كلام إنسان عاديّ.
والخلاصة هي أنّ على الإنسان أن يتمسّك في هذا الشهر بكلّ سبب وفيض يفاض عليه، فعلينا أن ندّخر ذلك لكي ننفقه طوال السنة. والخلاصة هي أنّ هذا الشهر هو بحسب تعبير التجّار... فهم عندما يجدون أحد الموارد التجاريّة المربحة جداً، عندما يجد التجار تجارةً مربحة جداً، يقولون: هذه فرصة لا ينبغي أن تفلت من أيدينا. الآن ينبغي أن نغتنم الفرصة، بحيث لو أنّنا قصّرنا فيما بعد فلا ضير حيث سيبقى بأيدينا ما يكفينا.
أولياء الله كانوا يشكرون الله بعد انتهاء شهر رمضان بسبب المواهب التي حصّلوها
شهر رمضان شهر التجارة، وإذا استغلّ الإنسان هذا الشهر، وحسب له حساباً، يمكنه أن ينفق في باقي الأيّام، على الرغم من أنّ ما يحصل عليه الإنسان لا يستدعي منه الطمأنينة، فلا تتخيّلوا أنّكم استرحتم عند انتهاء شهر رمضان...، فإذا قسم الله للإنسان في شهر رمضان الفيض والتوفيق وكانا من نصيبه، فإن شاء الله يدوم هذا التوفيق، ولكن على كلّ حال هذا المقام هو مقام ينبغي اغتنامه جداً، وهذه المسألة مهمّة جداً إلى درجة أنّنا نرى أنّ رجلاً كالمرحوم السيّد الحدّاد رضوان الله عليه مع كلّ ما لديه من الدرجات ومع كلّ ما لديه من المسائل، ولكن ما أكثر القضايا التي انكشفت له في هذا الشهر!! وكم هي الأمور التي وصل إليها فيه!! بحيث أنّه كان يقوم بدورة كاملة من الزيارة لقبور الأئمّة عليهم السلام بعنوان الشكر لهذه الضيافة الإلهيّة التي أضاف الله بها عباده، فكان يبدأ من النجف ثمّ باقي الأئمّة فأبناء الأئمّة وهكذا....
فما السرّ في المسألة؟ يعني هذا الفعل فعل الأولياء، وليس مسألة عاديّة من باب المجاملة كأن يقول: نعم نقوم بالمجاملة فنذهب على سبيل المثال لزيارة أمير المؤمنين لنشكره [مجاملةً]!! فما هي المواهب التي كانت من نصيبهم بحيث يدفعهم ذلك للذهاب إلى زيارة الأئمّة المعصومين بعنوان الشكر لهم؟ لقد كانوا يذهبون شكراً! هذا المقدار يكفي لأن يجعلنا نفهم أنّ وراء الأمر سرّاً وخبراً، وليس الأمر أنّنا نريد خداع أنفسنا...
إنّنا نعلم هذا المقدار فقط و هو أنّنا نسمع صوت جرس يأتي من هناك، فلنتمسّك بصوت الجرس ذاك ونتّبعه، لعلّنا نصل نحن أيضاً إن شاء الله إلى منزل المحبوب، فأولئك الذين ذهبوا ووصلوا قالوا: أيّها العزيز إنّ المنزل موجود، تأكّد من ذلك لأنّه موجودٌ فعلاً، ووجوده أعلى من اليقين أيضاً، غاية الأمر أنّنا نعيش في الغفلة وغير ذلك من المسائل الأخرى التي تأسرنا، ونتعامل مع هذه الأمور بالمزاح وعدم الجدّية.. لكن لا، هذه الأمور موجودة بنحوٍ مسلّم.
نسأل الله أن يمنحنا شرف التنعّم بضيافة الله في هذا الشهر، وأن تكون سفرتنا مملوءة أكثر وأكثر وأيدينا طافحة بفيوضاته عزّ وجلّ، وأن يجعل جميع أفعالنا وتصرّفاتنا ونفوسنا وسرّنا وسويداءنا على غرار أفعال الأعاظم والأولياء وتصرّفاتهم.
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد باقر الأيرواني
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ مرتضى الباشا
الشهيد مرتضى مطهري
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
نصائح غذائية لشهر رمضان للحفاظ على الصحة
منظومة الأعمال في شهر رمضان
المميّزات الخاصّة لشهر رمضان المبارك ومراتب الصوم (2)
اختلاف الدماغ عن الذكاء الاصطناعي في معالجة النصوص الطويلة
من يعلم تأويله؟
بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ
تاريخ البحث في القواعد الفقهية
احتفاء بالديوان الأوّل للشّاعر حسين البطاط (على وتر الغمام)
حدّثنا الثّمالي
آثار الخشوع القلبي في السلوك