قال الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً) المؤمنون / 115 . (وَمَا خَلَقْنَا السّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ) الأنبياء / 16.
مهما بلغ الإنسان في سير تقدّمه العلمي وتمدّنه الحضاري المزدهر بأحدث الصناعات التكنولوجية، فإنه لا يزال يدور في فلك من المجهولات في الآفاق والأنفس، فلو تسَلّق سُلّم العلوم والفنون وسخّر الفضاء والقمر، فإنه لا يكاد يرى إلاّ أنه في بداية الطريق، وأن معلوماته وما كشفه ليس إلاّ كالقطرة أمام البحر الهائج من مجهولات الكون وأسراره، ولو وضع جهله تحت قدميه لنطح رأسه السماء السابعة، مع أنّ جبال المجهولات ما زالت لم تفتح قممها الشامخة التي تعلو السحاب، (وَمَا أُوتِيتُم مّنَ الْعِلْمِ إِلّا قَلِيلاً) الإسراء / 85 . (وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يوسف / 76.
ولكن مهما كان الأمر فإن الإنسان خُلق مفطوراً على التفكير، وقد أودع الله سبحانه فيه حب الاستطلاع وكشف الحقائق وفكّ رموز أسرار الحياة، فهو بجبلته ـ لحكمة ربانية ـ يمتاز بالطموح والعمل الدؤوب المتواصل، يبحث دوماً عن المجهولات الكونية، ليكشفها ويرفع القناع والستار عن حقيقتها وذاتها، فلا يفتر في طلب العلم، وإنه يسفك المُهج ويخوض اللّجج من أجله.
ومن أعظم وأكبر مجهولاته، والذي ساير موكب البشرية منذ البداية إلى يومنا هذا أو ربما غداً، هو أن يكشف سر الحياة وفلسفة الخلقة والهدف من هذا الكون الرّحب، فما هي فلسفة الحياة؟!
مهما تعمّق الباحث عن الحقيقة في هذا السؤال الرهيب، فإنه يرى نفسه قد انغمر في بحار متلاطمة الأمواج بعيدة الغور والمدى وبلا ساحل يُرتجى. وفي مثل هذه العجالة من الصعب، بل كاد أن يكون مستحيلاً أن أوفّي وأقضي حق الموضوع، ولكن أوّل الغيث قطرة، وبالميسور لا يسقط المعسور، فوددت أن أذكر رؤوس أقلام في جواب هذا السؤال، عسى أن أفتح قلاع أفكار القارئ الكريم، إذ فيه انطوى العالم الأكبر كما جاء في الأثر: ( أتزعـم أنك جِرمٌ صغير، وفيك انطوى العـالم الأكبرُ).
السؤال الكبير
فأقول مقدمةً: إن الإنسان منذ أن خُلق وعرف نفسه يسأل عن علّة وجوده وحكمة خلقه وفلسفة حياته، ومن ثمَّ ما هو الهدف والغاية من خلقة هذا الكون العظيم الدقيق بكل ما فيه من ذرّاته إلى مجرّاته؟ ولماذا هذه الدنيا التي تحنّت بألوان الشقاء والعذاب والأهوال والأحداث كالزلازل والفيضانات والحروب؟!
أجوبة مختلفة:
وقد اختلف الجواب عن ذلك، فمن كان متوغلاً في الملاذ والشهوات وتغلّبت عليه القوة البهيميّة، وجذبته المادة وزخارف العيش، يجيب عن السؤال بأننا خُلقنا للأكل والشرب والتزوّد من الملذات الدنيوية، وأن السعيد من حاز على نصيب أوفر منها دون إيمان بالمعاد وبحياة أخرى، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلّا حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا الاّ الدّهْرُ وَمَا لَهُم بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلّا يَظُنّونَ) الجاثية/ 24، (وَالّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ) محمد / 12.
ومنهم من يُجيب بأننا خُلقنا للشقاء، فإن الحياة كلّها شقاء ونصب وتعب. ومنهم من يقول: خُلق بعضنا للسعادة والبعض الآخر للشقاء، وهذا رأي الأشاعرة. وهذا كله من الجهل والرجم بالغيب. وقال بعض المتكلمين: إن التكليف من الله سبحانه هو وجه الحكمة الذي لأجله حَسُن من الله تعالى خلق العالم بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، فالله سبحانه خلق كل شيء للإنسان وخلق الإنسان ليكلّفه ثم يُثيبه، فإن الثواب هو العطاء الاستحقاقي والنفع المستحق على الله تعالى على سبيل التعظيم والإجلال ولا يكون إلاّ للمكلّفين، كثمرة للتكليف حسب استحقاقهم ذلك.
وقال بعضهم: خلق الله الخلق لأن الأمر أمرهُ، والملك ملكه، لا لينفعهم ولا ليضرّهم... وقال آخر: خلق الله الخلق لإظهار قدرته وقوته، فبعض الخلق للنار والبعض للجنة. وذهب بعض الحكماء: إلى أن الخلق لا لغرض أعلى من صدوره لغرض، لما فيه من احتمال النقص لو صدر لغرض. بينما يرى بعض الفلاسفة خلاف ذلك بأن الخلق لا لغرض هو الذي يدل على النقص.
الرأي الصائب:
معتقد الأمامية، أنّ الله خلق الأشياء من أجل الإنسان (وَسَخّرَ لَكُم مَا فِي السّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) الجاثية / 13. وخُلق الإنسان من أجل تكامله، فخُلقنا لنتكامل ونتزوّد بالعلم والمعرفة والتقوى لنيل النعيم الأبدي، فخُلقنا من الرحمة الإلهيّة ونشأنا بالرحمة، ونرجع بالعلم والعبادة إلى رحمة الله تعالى، كما عليه الآيات الكريمة والروايات الشريفة، وزبدة المخاض أن فلسفة الحياة هي التكامل، وذلك بالرحمة والعلم والعبادة.
توضيح ذلك: أن المعاني والمفاهيم على قسمين: إمّا حقيقيّة ـ كالإنسان والحيوان ـ بحيث لا يتوقف تصوّرها وتعقّلها على معان أخرى، وإمّا إضافية ـ أي بالإضافة إلى الغير ـ فإن تعقّلها وتصوّرها يتوقّفان على معان أخرى كالعلم والعشق، حيث العلم رابط بين العالم والمعلوم، وإنما نتصور العشق بعد تصور العاشق والمعشوق.
والخلق مصدر من (خَلَقَ، يَخلُقُ، خلقاً)، ويتوقف تصوّره على معنى الخالق والمخلوق فهو رابط بينهما والحاصل منهما فإذا أردنا أن نقف على سر الخلق والخليقة فلا بد أن نتصوّر سر الخالق وسر المخلوق، وبعبارة أخرى سرّ العلّة الأولى وسرّ المعلول، فإن الله سبحانه وتعالى على حسب تعبير فلاسفة المشّاء هو علّة العلل.
ربّما يُقال: إنّ الله سبحانه وتعالى فوق أن يوصف بذلك، فهو خالق العلّة والمعلول فكيف يتأطر بمخلوقه ويدخل ضمن نظام العلّة والمعلول، كما يلزم قدم العالم بقدم علّته، إذ لا انفكاك بين العلّة والمعلول، فيلزم أن يكون موجباً ويسلب منه القدرة والاختيار، وكيف يكون ذلك ولازمه نفي الذات إذ القدرة عينها.
فلا بد من معرفة الخالق والمخلوق حتى نُشرف على سر الخلق. وهذا يعني أنه علينا أن نسلّط الأضواء على غاية خلق هذا الكون تارة من ناحية الصانع والخالق الموجد الأوّل: بأنه لماذا خلق وصدرت عنه المخلوقات بمراتبها وعدم نهايتها؟ وأخرى نبحث من ناحية المخلوقات بأنّها لماذا صدرت عن الله سبحانه؟ وما هو السر وهو الحكيم العليم الخبير؟ ولم يخلق السماوات والأرض عبثاً ولا لهواً ولا لعباً، كما يحكم بذلك العقل السليم والفطرة المستقيمة، وتشير إليه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
ربما يُقال لا يمكن معرفة سرّ الخالق، إذ إن الإنسان الممكن الفقير في وجوده وبقائه محاط بعلم الله وقدرته، فإن الله هو المحيط العليم القدير، فكيف يدرك المحاط المحيط، وكيف يدرك بالإنسان سرّ الله سبحانه في خالقيته؟ يستحيل ذلك. ولكن الحديث ليس في ذات الله وسرّ كنهه حتى يلزم الضلال والحيرة والكفر ـ فقد نُهينا عن أن نفكّر في ذات الله سبحانه، وأُمرنا أن نفكّر في صفاته وأسمائه ـ بل الحديث عن صفة من صفات الفعل، وهي صفة الخالقية، والله هو الخالق والصّانع والمصوّر الأوّل، وإليه تنتهي سلسلة العلل والمعاليل من الممكنات والمخلوقات، وربما من هذا المنطلق يمكن أن نستضيء ببصيص من نور واجب الوجود لذاته، لنعلم به من علمه السرّ في خلقه.
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسين الخشن
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
التعددية الدينية
زيادة الذاكرة
الضمائر في سورة الشمس
متى وكيف تستخدم الميلاتونين المنوم ليساعدك على النوم؟
تراتيل الفجر، تزفّ حافظَينِ للقرآن الكريم
في رحاب العيد
لنبدأ انطلاقة جديدة مع الله
المنطقة تحتفل بعيد الفطر، صلاة ودعاء وأضواء وتواصل
من أعمال وداع شهر رمضان المبارك
العيد الامتحان الصعب للحمية