مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عن الكاتب :
فيلسوف، مفسر وعالم دين إسلامي و مرجع شيعي، مؤسس مؤسسة الإسراء للبحوث في في مدينة قم الإيرانية

تجلّي روح الأمّ بين أعضاء الأسرة

أهم عامل يثير الرأفة والتضحية والإيثار بين أفراد العائلة، هو تجلّي روح الأم بين أعضاء الأسرة؛ إن المجتمع الإنساني، يحتاج إلى علل وعوامل ليتأمن صفاء الضمير بين أفراده، ولا تكفي فقط القوانين والمقررات السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها.

 

ومن ناحية أخرى، إن المجتمع البشري الكبير يتشكل من مجتمعات صغيرة عائلية، أي إن أعضاء العوائل المتعددة، هي عامل تحقق مجتمع رسمي، وما دام لم يقع سبب الرأفة بين أعضاء الأسرة، فإن صفاء الضمير وروح التعاون وعلاقات المحبة، لا تقوم أبداً بين أفراده عند تشكل المجتمع الرسمي، وأهم عامل يثير الرأفة والتضحية والإيثار بين أفراد العائلة، هو تجلي روح الأم بين أعضاء الأسرة.

 

لأنه رغم أن الأب يتولى الأعمال الإدارية لمجتمع صغير (أي العائلة) بعنوان ـ الرجال قوامون على النساء ـ ولكن أساس العائلة، الذي شيد على الرأفة والوفاء والارتباط هو بعهدة الأم؛ لأن الأم تولد أبناء يرتبط كل منهم بالآخر، والأفراد الذين يولدون من امرأة واحدة، ليسوا مثل فواكه شجرة واحدة، حيث لا تظهر روح الإيثار الإنساني في مستوى النبات، وليسوا مثل صغار حيوان أنثى، يفتقدون التعاون الإنساني، ولا يتجلى فيهم الارتباط البشري الخاص.

 

بل إن الأبناء الذين يولدون من امرأة واحدة سواء كان ذلك بفاصلة زمنية أو بدون فاصلة، يرأف ويرحم بعضهم بعضاً، وينمون اتصالهم الفطري في ظل التعاليم الدينية، وقد عدّ حفظ هذا الاتصال، وعدم نسيانه من الواجبات المهمة في الدين، وإذا قطع شخص هذا الاتصال الفطري والديني، سيحرم من الرحمة الإلهية الخاصة؛ لأن صلة الرحم هي من الأشياء التي أمر بها الله.

 

وقد ورد اللعن لقاطعي الشيء، الذي يجب وصله: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)، (سورة البقرة ، الآية : 27)؛ (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة، ولهم سوء الدار)، (سورة الرعد ، الآية : 25).

 

ولعل سر ذكر الإفساد في الأرض إلى جانب قطع الشيء اللازم وصله، هو أن الأفراد الذين نموا في عوائل متدينة أصيلة، وأدركوا قانون صلة الرحم، وحفظوا اتصال الأعضاء، وعملوا بذلك، عندما يدخلون المجتمع الرسمي، لا يقومون بالإفساد في الأرض؛ لأنهم دخلوا المجتمع بروح اتصال وإيثار، ولكن الذين يترعرعون في عوائل غير متدينة، فلأن أساس الارتباط الفطري، قد أهمل بين أعضائها من أثر عدم مراعاة قانون صلة الرحم، ولزوم الايثار والتعاون وغيرها، لذا عندما يدخلون إلى المجتمع الرسمي، تظهر ظواهر توحش وتنمّر أيضاً.

 

الخلاصة إن قانون صلة الرحم، هو قاعدة مهمة تقوم بتربية المجتمع الصغير، وتهيئ أرضية ازدهار المجتمعات الكبيرة، وصلة الرحم هي قاعدة سائدة على الأرحام والمحارم والأقرباء العائليين، وسبب كل هذه الارتباطات هو ظهور جميع الأعضاء من رحم واحد، وذلك الرحم الذي يولد الأعضاء المرتبطة موجود في المرأة، والنتيجة أن النواة الأساسية للعائلة تتعهدها المرأة، رغم أن الرجل مسؤول عن الأعمال التنفيذية، وتأمين نفقات الحياة وأمثال ذلك، من هنا نقرأ في القرآن الكريم ضمن توصية الإنسان بتكريم الوالدين، تذكيراً بجهود الأم: (ووصيّنا الإنسان بوالديه أحساناً حملته أمه كرهاً، ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)، (سورة الأحقاف، الآية: 15) ؛ (حملته أمه وهناً على وهن، وفصاله في عامين)، (سورة لقمان، الآية: 14)..

 

كما أن الإمام السجاد عليه السلام بيّن في رسالة الحقوق لزوم مراعاة حقوق الأرحام بمقدار الارتباط والقرابة بالنسبة إلى الرحم، وأكد أن أول حق في النظام العائلي هو للأم، ثم تحدث عن حق الأب، وقال: (… وحقوق رحمك كثيرة، متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة فأوجبها عليك، حق أمك ثم حق أبيك، ثم حق ولدك، ثم حق أخيك، ثم الأقرب فالأقرب).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد