الموسم العاشورائي 1446 هـ

الشيخ فوزي آل سيف: الأسرة أولاً، العودة بعد الطلاق

الليلة الخامسة من محرم 1446 هـ
الشيخ فوزي آل سيف
الأسرة أولاً، العودة بعد الطلاق
مسجد الخضر (ع) بالربيعية

 

قال الله العظيم في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً" صدق الله العلي العظيم.

حديثنا هذه الليلة بعنوان "الأسرة أولاً، العودة بعد الطلاق"، منطلقين من الآية المباركة التي تذكر صفات المؤمنين كما جاءت في القرآن الكريم. إن من صفات هؤلاء أنهم يدعون ربهم بأن تكون أسرتهم قرة عين، فالزوجة والأولاد قد يكونون تارة عدواً للإنسان كما في القرآن الكريم، وتارة أخرى يكونون قرة عين، عندما ينظر الإنسان إلى أسرته فتقرّ عينه وتهدأ نفسه.

هذا الإنسان المؤمن من صفاته هكذا. عندما يدعو الإنسان بهذا الدعاء يفترض بأن يعمل على تطبيقه ووفقاً له، وإلا إذا كان يدعو في وادٍ وعمله في وادٍ آخر فهذا لا يتحقق. يدعو الله بأن يغفر له لكنه في طريق الشيطان، لا ينفعه ذلك. لابد أن يكون في طريق الله ويدعو الله سبحانه وتعالى.

كذلك إذا كان يريد أن تكون أسرته قرة عين بالنسبة إليه، إلى حدّ أنها تكون جزءاً من دعائه، فلابد أن يعمل في هذا الاتجاه. هذا الأمر هو إحدى البناءات الأساسية التي بنى الإسلام نظامه الاجتماعي عليها. الإسلام لم يأت كعقيدة قلبية فقط، وإنما بالإضافة إلى ذلك، وضع أنظمة في الاقتصاد والاجتماع بحيث لا يكون المجتمع المسلم كالمجتمعات الأخرى التي يكون ارتباطها بنظامها السماوي يوم العطلة أو يوم الكنيسة أو ما شابه ذلك. بل يجري الإسلام في النظام الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي جريان الدم في عروق الإنسان.

 

لذلك ترى هناك محرمات في الاقتصاد، فالربا حرام، والغش حرام. بعض الأقوام قالوا: يا شعيب، أصلاتك تأمرك أن نترك ما كان يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ ما ربط الدين بالأموال؟ ما ربط الدين بالدكان؟ ما ربط الدين بالموازين؟ نحن نشتغل في الميزان في التجارة، وفي وقت الصلاة نصلّي معك. لا، دين الإسلام ليس هكذا. بل سائر الديانات قبل التحريف أيضاً هي هكذا. فبناء الأسرة من أهم بناءات الإسلام في المجتمع. ولذلك تدخل الإسلام في تفاصيل التفاصيل. أصل تكوين الأسرة ما يكون إلا بعقد شرعي نظّمه الإسلام بطريقة خاصة.

ما الفرق؟ نحن متفقان، أنا الرجل وتلك المرأة على كل التفاصيل، لكن ما تقول المرأة: "زوجتك نفسي على مهر قدره كذا وكذا"، عندنا اتفاقات، كل شيء، لكن هذا ما نقول. يقول هذا عقد غير شرعي، هذا نكاح محرم، هذه لا تحلّ على هذا المقدار من التأسيس. يتدخل في تفاصيل التفاصيل، وفي داخل الأسرة، كيف يتعامل هذا مع تلك؟ وما هي حقوق كل منهما في هذه الحياة الزوجية؟ بل حتى حين الانفصال، يريد كل واحد أن يتطلق من الآخر، في بقية الأماكن فقط يقول لها: مع السلامة، وانتهى الموضوع وأغلق الباب. هنا لا، لابد من شروط وقيود وأحكام وأمور، وبدونها لا تحصل الفرقة ولا الطلاق. يعني أن الإسلام جاء وبنى هذا البناء -وهو الأسرة- بناء في أصله وفي تفاصيله وفي كيفية حقوق كل من الطرفين، وفي حال النزاع ماذا يصنعان، وحق كلّ منهما على الآخر، وحتى إذا أراد أن يتفرّقا وينعزلا عن بعضهما هناك أيضاً حكم شرعي لابد من تطبيقه.

فإذاً، أول مسألة عندنا، يجب أن تتذكرها، أن من أهم البناءات الاجتماعية التي أقامها الإسلام هو بناء الأسرة. فشرّعها وفصّل تفاصيلها وتدخّل في كلّ أحكامها، وهذه من ميزات الإسلام. حتى في قضية الطلاق، كما قلنا، موضوعي هذه الليلة لا يرتبط بالضرورة وبشكل أساس في أسباب الطلاق وكيف ينشأ هذا. لعله موضوع طرح سابقاً ويطرحه الخطباء أيضاً بين الحين والآخر، وهو بالفعل من المواضيع الاجتماعية المهمّة نظراً لارتفاع نسبة هذه الحالة وهذا المؤشر إلى درجة مقلقة ينبغي الحديث فيه. في بعض الدول المحيطة بنا، وصلت نسبة الطلاق بالقياس إلى الزواج إلى 49%. يعني إذا كان هناك في السنة 100 عقد، فإن هناك 49 طلاقًا مع نهاية هذه السنة. نصف الأسر مع نهاية السنة بحسب الإحصاء تنهدم، وهذه نسبة مخيفة للحقّ والإنصاف.

 

في إحدى الدول، في سنة واحدة حوالي 60,000 حالة طلاق مسجلة ومثبتة. والمسجّل ليس دائماً هو كل الحقيقة، لأن قسماً من الناس لأسباب مختلفة لا يثبتون طلاقهم، إمّا لأسباب مادية، واجتماعية، أو غير ذلك. فهذه النسبة المعلنة تعني أنه في كل يوم من أيام السنة هناك أكثر من 150 حالة طلاق تحدث في تلك المنطقة وفي تلك البلاد، وهذا أمر فعلاً مخيف. وإذا استمرت الوتيرة على هذا الأمر لا نعلم، لأن هذا الأمر لم يكن موجوداً في السابق. يعني قبل 40 سنة وقبل 50 سنة لم تكن هذه النسب موجود. فأصل موضوع الطلاق وأسبابه وما يرتبط به، وما العمل بالنسبة إلى علاجاته، هذا أمر مهم وتم طرحه ولابد من طرحه وذكره، وذكرناه في بعض السنوات. موضوعي الآن ليس في هذا الاتجاه، وإنما فيما بعد ذلك.

لنفترض أن هذه النسبة 50% من الطلاق حصلت، بعد ذلك ما العمل؟ دعوتي هنا وحديثي هنا في هذه الليلة، أيها المطلِّقون، هذه ليست نهاية المسألة، ارجعوا من جديد. عودوا إلى أسركم، رمموا ما تهدم، أصلحوا ما تهشم. وهذا ممكن جداً ولعله في بعض الحالات سهل ويسير. لكن يُعمل على هذا الأمر عادة. حصل الطلاق، تفارق الزوجان، لأسباب قد تكون أسباباً معقولة في وقتها، وقد تكون كما هو الأكثر، أسباباً تافهة، أخذت هذه العصبية أو أخذت ذاك الانفعال، وانتهى إلى الطلاق، وجدوا أيضاً بيئة مشجعة على الطلاق، وبالتالي ذهبوا وراء هذا. الآن راحت السكرة وجاءت الفكرة، للأسف الشديد هناك بيئة غير مشجعة على العودة والرجوع، مع أنها لو كانت هذه البيئة متوفرة، فإن كثيراً من حالات الفراق بين الزوجين وتهديم الأسر، يمكن العودة فيها والتراجع وبناء الأسرة من جديد، وأحياناً حتى على أسس أفضل بعد شعور كل من الطرفين إلى حاجته إلى الآخر، وبعد تبيّن الأمر لكل من الطرفين، أن الأولاد يعيشون حالة انفصام حاد في نفوسهم، كأن ينشأ هؤلاء الأولاد في حالة من فراق الأم والأب، إما هذا يحرض الأولاد على أمهم، أو تلك تحرض الأولاد على أبيهم، أو كلّ منهما منشغل بنفسه وبمعاشه وبمعادلته عن الأولاد الذين يكونون الضحية.

حديثي هنا، شعاري هنا، أيها المطلِّقون، عودوا إلى الأسرة، جددوا الارتباط، تراجعوا عن هذا القرار الخاطئ في وقته، حاولوا أن تصلحوا ما فسد، وأن ترمموا ما انهدم، وأن تعيدوا ما تهشم. وهذا ممكن ويسير في كثير من الأحوال. قد يكون، وهذا إن شاء الله سوف نتحدث عنه في ذات ليلة، حب الذات المبالغ فيه هو العامل الأساس في كثير من حالات الطلاق. أنا تزوجت، لا أريد أن أخسر مما كان عندي أي شيء، وأريد فوق هذا أيضاً أن أحصل على مصالح جديدة وإمكانات جديدة. وهذا غير ممكن في حالة الشراكات. لاحظوا، مثلاً الإنسان الذي عنده شراكة في مؤسسة، إذا كان لوحد،ه عنده أرباح وعنده خسائر. أمّا إذا صار شريكاً مع آخرين، فتنحصر حريته، فيصبح ملزمًا بسماع رأيهم، ومشاركتهم في القرار، واقتسام الأرباح معهم.

 

لا يصح أن يفكر هذا الشريك في المؤسسة التجارية أنه يجب أن تكون الأرباح كلها له، والخسائر على شريكه، وأنه ليس ملزماً بأن يستشيره أو يأخذ برأيه، هذا غير ممكن. بمقدار ما ستحصل على أرباح، ستُحدّ من حريتك، سيُحدّ من ربحك، وهذا يجعل المؤسسة والشراكة مرتفعة. قسم من الناس في الزواج لا يعتقدون بهذا الأمر، ليس لساناً ولكن عملاً، يريد كما كان في السابق، حياته على وضعها، سهراته كما يحب، أي وقت يأتي، أي وقت يخرج، ليس مسؤولاً عن أحد، هذه حريته الشخصية التي كانت عنده من السابق، هذا كلّه يريد أن يحافظ عليه، ويريد أيضاً أن يحصل على عواطف من شريكه، يريد أن تكون أموره مرتبة ومهيئة ولا يخسر شيئاً. بعض الرّجال هكذا، وكذلك بعض النّساء. لا، أنت ما دام تزوجت، أكملت نصف دينك، تقبل الله منك عملك، وركعتان يصليهما متزوج خير من سبعين ركعة يصليها أعزب، هذا له ثمن. الثمن أنك مسؤول عن زوجة وأسرة، تربي هؤلاء، تأتي في وقت مناسب في الليل، تقلل من طلعاتك، وتتخلّى عن سهراتك خارج الدار. لأنّ أسرتك أصبحت أولاً، في حين كانت ذاتك أوّلا في السّابق، لا أحد يسألك أين تذهب وإلى أين تأتي ولماذا تأخرت وماذا صنعت، الآن لا، أنت مسؤول، ما دام أصبحت الأسرة أولاً بعد الزواج، تراجع شعار الذات أولاً. قسم من الناس لا يعترفون بهذا نساءً ورجالاً. ولعلّ هذا أول سبب من الأسباب التي تؤدّي إلى الطلاق والفراق.

الآن حصل الطلاق، كما قلنا، نحن حديثنا كله في هذا الموضوع. يحصل إلى درجة في بعض الدول، كما قلنا 49%، إلى درجة في سنة واحدة قريب 60,000 حالة، وفي مناطق أخرى أكثر وأقل.  ما الذي يعيق الإنسان عن الرجوع؟ لاحظوا، حتى لا أتخطى هذا، الإسلام أولاً يقول: إنّ للفراق أسلوبه وطريقه وآدابه، فيقول لك: وسرّحوهن سراحاً جميلاً. أنت تريد أن تطلق الزوجة، أو أنتِ أيتها الزوجة لجأت إلى الخلع بشروطه. أقول بشروطه لأنّ كثيراً من عمليات الخلع لا تستوفي الشروط الشرعية على مذهب أهل البيت. في سائر المذاهب، الخلع من المرأة بمجرد أن ترغب في أن تنفصل عن زوجها، تستطيع ذلك فتعطيه مهره وينتهي الأمر. هذا في بعض المذاهب الأخرى. عندنا في مذهب أهل البيت شروط كثيرة. لماذا؟ لأن الإسلام بقدر ما سهل قوانين الزواج وتأسيس الأسرة، بنفس المقدار صعب قوانين الطلاق والفراق. الإسلام يريد بناء، وليس الهدم. الإسلام يسهل الذي يبني، لا ما يهدم. الهدم يحتاج تعقيد شروطه. ولذلك بهذه الأساليب التي يفرضها الإسلام يقل الطلاق. فيقول في الطلاق أولاً، كما في موضوع الخلع، لكي لا نتجاوزه، المذهب الإمامي يقول يجب أن تكون كراهية من الزوجة للزوج إلى أقصى درجة. فلو كرهت أم الزوجة الزوج، لم تستطع تحمله، أم الزوجة لا تحب زوج ابنتها، تقول لها اخلعيه، لا يجوز شرعاً ذلك، ولا يقع الخلع وهي على ذمّته. لو أن الأب، والد الزوجة قال لابنته هذا زوجك لا يحترمني، عندما أتيت لم يقبل رأسي ولم يحيّني، اخلعيه. قالت له أمرك يا والدي. هنا لا يجوز لها أن تخلعه ولو خلعته بهذا السبب لم يكن ذلك نافذاً ولا الخلع صحيحاً. لا هي نفسها، اليوم جاءت من العمل وأعطاها كلمتين قاسيتين فغضبت، وخلعته، وقالت له هذه أموالك. لا يقع هذا الخلع. يجب أن يكون الخلع بدرجة لا تستطيع الحياة معه، لا تستطيع رؤيته، لا تستطيع شمّ رائحته، لا تستطيع العيش معه، إلى درجة تقول لا أستطيع أن أعطيه حقه أبداً. إذا كانت صادقة، هذا يصير مبرراً للطلاق الخلعي. وليس فقط هذا، بل يجب أيضاً على الزوج أن يقبل بالبذل والفداء. فعندنا في المذهب الإمامي، يجب أن تقدّم المرأة مالاً في الخلع، لأنّ الرجل يكون قد أنفق كثيرًا قبل ذلك، والآن بمجرد أن تقول له لا أحبك، سأخلعك، بعد أن تكون قد أخذت مهرها كاملاً. لا، لا يمكن أن يقونن الإسلام قانوناً من هذا النوع الذي لا ينصف الزوج، لابد أن يقبل الفداء. تقول له أنا أعطيك مبلغ من المال الذي تقبل به ويصبح الطلاق الخلعي طلاقاً صحيحاً. المهر،و ثمن الحفلة، وعطية والدتها ووالدها، والشبكة، وغير ذلك، كلها يجب أن يقبل بها. فإذا لم يطلب، فجزاه الله خيرًا، ذلك، لكن إذا لم يقبل إلا باستيفاء كل ما أعطاها. قالت له المهر 30 ألف ريال أعطيتني إياه، هذا 30 ألف لا تزيد ولا ريال واحد. هذا خلع من الناحية الشرعية في الفقه الإمامي غير واقع وغير صحيح. لابد من موافقة الزوج على الفداء والعطاء الذي تعطيه الزوجة إياه. نعم، ينبغي أن لا يكون تعسفياً ومضرّاً. يقول لها لا أنا لا أقبل إلا تعطيني 10 مليون،. هنا هذا لا، هذا طلب تعسفي ومضر. نعم، ما أنفق له حق فيه من مهر وغير ذلك. الإسلام حتى هنا يقول سرحوهن سراحاً جميلاً. في مكان آخر يقول أو سرحوهن بماذا؟ بمعروف، جميل ومعروف. هذا هو نظام التسريح والطلاق. أين سيؤثر هذا؟ سيؤثر على نتيجة محاولات العودة. إذا كان الطلاق طلاقاً انتقامياً من أحد الطرفين، فتصعب العودة. أنا أطلق زوجتي انتقاماً منها، كسراً لأنفها، أو هي تطلق زوجها انتقامًا، ليس سراحاً جميلاً، ليس سراحاً بمعروف. هذا سيعقد إمكانات الرجعة. لاحظوا أنّ الإسلام أولاً قال سرحوهن سراحاً جميلاً، أو سرحوهن بمعروف، فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف. وأيضاً وضع قانون الرجعة والعدة ثلاثة أشهر. ليس شيئاً قليلاً ثلاثة أشهر، في هذه الأشهر الثلاثة  يمكن للغضب أن يبرد، وللعقل أن يرجع، وللتفكير أن يأخذ مجراه، وكذلكَ  يمكن  لأهل الخير والمعروف أن يسعوا في الصلح بينهم، ليس يومًا أو يومين وانتهى الأمر، ثلاثة أشهر في العادة، أو ثلاث حيضات وهي فترة طويلة جداً. هذا يعني أن الإسلام يريد أن يعطي فرصة لهذين لكي يتراجعا. في القرآن الكريم: "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً". أين جاءت الآية المباركة؟ جاءت في: "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ثم أيضاً لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن". يحرم عليها أن تخرج من بيت زوجها، غضبت منه، كذا، كذا، لملمت أغراضها في حقيبة وذهبت إلى بيت أهلها. كيف تخرجين؟ لا يجوز لك ذلك حتى مع الطلاق. لو طلقها عصر ذلك اليوم، لا يجوز لها ليلتها أن تأخذ أغراضها وتذهب إلى بيت أهلها. (معززة مكرمة)، هو أيضاً لا يستطيع أن يخرجها، ليس هي فقط، يحرم عليها، هو أيضاً يحرم عليه أن يقول لها اخرجي من البيت، لا أريد أن أراك أمامي ولا تأتي في البيت. لا، لا يجوز له.

 

الذي أحل له نكاحها قال له يحرم عليك إخراجها، وقال لها أيضاً يحرم عليك أن تخرجي (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة). فذلك شيء آخر. فلذلك يقول: فسراح جميل. أصل الطلاق صعب، شروطه كثيرة، يجب أن يكون هناك شهود عدول، من ذاك النوع الذي تتقرب بالصلاة وراءهم جماعة، ليس أي واحد فقط عنده بطاقة وكتبوا اسمه. لا عند الإمامية ليس الأمر كافياً هكذا. ولهذا رأيتم أنه مثلاً في البيئة التي تعيش فيها المجتمعات التابعة لأهل البيت، عادة يقع الطلاق في المسجد باعتبار أن المسجد يحتوي على أناس كثيرين 100 أقل، أكثر، على الأقل يوجد اثنان عدول في هؤلاء إذا لم يكونوا كلهم عدول. فهذه فمن الشروط أن تكون خالية من الحيض والنفاس، وفي طهر لم يواقعها فيه. إضافة إلى ذلك سراح جميل بمعروف. فترة أيضاً ثلاث أشهر هي فترة إمكان العودة، ويستحب للمرأة أن تتزين، وأن تنام معه في نفس غرفته. هو ليس أجنبياً عنها وهي ليست أجنبية عنه، بل يستحب له من جهة، ويستحب لها من جهة أن يتقاربا، هي يستحب لها أن تتزين، تتهيأ، لو طلبها لا تستطيع أن تقول لا، نحن تطلّقنا للتّو. هذا لا، لابد أن تستجيب له. هذه قضية العودة أثناء العدة، العدة الرجعية.

أريد أن أنبه إلى أمر هنا، وهو أن البعض يقول لمن يجري الطلاق، أريد طلاقاً بالثلاث. نحن عندنا أولاً لحن شديد تجاه التطليق بالثلاث. إذا كان أبغض الحلال عند الله هو الطلاق، فكيف بالطلاق بالثلاث؟ ولو هذا اللفظ ما موجود عندنا بنفس النص ولكن في معانيه أحاديث كثيرة. ليس أن الله يبغض المطلاق الذواق. ما بني في الإسلام بيت كبناء نكاح، وما جعل بناء أسوأ من الطلاق. كثير من الروايات تحمل هذا هذا المعنى. فإذا كان أصل الطلاق مبغوضًا، فالطلاق بالثلاث الذي يكون أول قسم منه غير واقع عندنا، شيعة أهل البيت، أن يقول له أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ويقتلها في مكانها. هذا غير واقع، وليس شرعياً عندنا الإمامية. بعض المذاهب الأخرى عندها هذا شرعي، عندنا الإمامية لا. وكثير أكّد على منعه وهو مبغوض، حتى بعض الطرق التي يلجأ إليها. طلقة، ثم رجعة، ثم طلقة، ثم رجعة، ثم الطلقة الثالثة، لا ينبغي أن يصنع الإنسان ذلك. هذا مثل ماذا؟ مثل إنسان يدخل مكاناً ثم يغلق الباب عليه ويلقي المفتاح خارجاً. لماذا تقيد نفسك؟ أنت عندما تطلقها بالثلاث لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. سبحان مقلب القلوب، انقلب قلبك إلى أن رجع، هي رجعت لك، اعتذرت لك، عرفت وجه الخطأ، أنت عرفت قيمتها ذاك الوقت. الآن ماذا تفعل؟ لا تستطيع أن ترجع إليها إلا بأن يتزوجها رجل آخر، صعب على كثير من الرجال، صعب حتى تنكح زوجاً غيره، وهذا صعب على كثير من الرجال وعلى كثير من النساء. فأنت لماذا تفعل هذه الطريقة؟ أتعجب من قسم من الناس فعلاً، هذا الإنسان الذي يقول أريد أن أطلق بالثلاث. في زعمه أنه يطلق بالثلاث حتى يستريح من النفقة، ثلاثة أشهر، كل شهر 500 ريال، 1500 ريال. انظر كيف يكون الإنسان بخيل الذات، كيف يخسر أهله، أسرته، رعاية أبنائه. كثير من هذه الطلاقات وراءها أولاد ذكور، إناث، هؤلاء تتهدم شخصياتهم. لذلك نحن ندعو حتى إذا حصل الطلاق بشروطه وانتهى الأمر ما بين الزوجين ووانتهت من العدة، أيضاً حاولوا أن ترجعوا. ذلك أولاً، ما الذي ستصنعونه في مشاعركم العاطفية؟ وحاجة كل منكم إلى الآخر؟ المرأة لا تستغني عن الرجل كما أن الرجل لا يستغني عن المرأة. ماذا ستفعل في هذه الحالة؟ تقفل على هذه العواطف، تقفل على الحاجة الجنسية من الطرفين، لا يمكن ذلك. تذهب لا سمح الله المرأة أو الرجل وراء علاقات عابرة محرمة، يرتكب الإثم العظيم وترتكب الإثم العظيم، تذهب أو يذهب زواج مؤقت أو ما شابه ذلك. أنت الذي هربت من زواج دائم، استقرار، غير ذلك، ستضطر أن تذهب إلى مثل هذا الأمر. وكم فيه من مآسٍ حصلت ويتم الحديث عنها. الذين يضحكون عليها، والذين يلعبون عليها، والذين يلعبون عليه، وإلى آخره، ولا يوجد استقرار. يجب أن يتخفى، ويجب أن يكون شيئاً سرياً، ويجب أن لا يدري أحد، ويجب كذا وإلى آخره. أين المودة؟ أين السكن الذي كان عندك مع أهلك سابقاً؟

 

فنحن ندعو أن يرجع الزوجان، أن يفكرا خصوصاً بعد مرور فترة العدة، يكون ذاك الوقت قد أحس كل واحد بحاجته للآخر إلا في حالات نادرة من العداء، في حالات نادرة من السوء. وإلا أكثر الحالات سوف يستشعر هذا الزوج مقام زوجته عنده، الآن صار وضعه غير مستقر، البيت أصبح بيتاً لا يُعاش فيه. وهكذا هي بالنسبة لها، لا تستطيع أن تبيت بذلك الاستقرار والهدوء الذي كان قبل ذلك. أحدهم يضحي قليلاً بما يسمى بالعزة، وهي وهم وكذب عند كثير من الناس، وأنا أحذر منها. تأتي إلى بيت والدها، هذا الأب تأخذه العزة بالإثم، والمفروض أنه هو يكون الأعقل والأكثر حكمة، فإذا به يقول لابنته لا ترجعي له، يجب أن يأتي هو ويأخذك وأنت بكرامتك. كرامتها مع زوجها. أنت مخطئ، بعد أربعة أشهر سوف تستثقل أيها الأب وجود ابنتك داخل بيتك. أنت لا تستطيع أن تقضي حاجاتها لا المادية ولا العاطفية ولا الجنسية. وليست المسألة يومًا أو يومين، كن حكيماً وخذها بالنصيحة، صبرها، أرشدها، أعطها من حكمتك، أيضاً اذهب إلى ذلك الزوج وكن وسيط خير بين الشخصين. والأمر نفسه بالنسبة للأم. أحياناً يقول لها لا دعك منه، 1000 واحد يتمناك، ليس 1000، 999 واحد بالضبط، حسبت أنهم مسجلين عندها. انتظرت شهرين وثلاثة وأربعة وسنة وسنتين، لم يأت أحد من هؤلاء الألف. في ذلك الوقت، هذه تضطر أن تعطي ابنتها إلى كل من تقدم إليها فقط حتى لا يقولوا أن ابنتها غير مرغوب فيها. وأحياناً حتى نفس الفتاة المطلقة أحياناً تصبح هكذا، حتى لا يقال إنه ما أحد راغب فيها. هي في ذلك الوقت تقبل بمن جاء وقد يكون أقل ممن فقدته بعشرات المرات. لذلك أكرر الكلام ونعيده، اجعل البيئة التي تعيش فيها هذه الزوجة المطلقة بيئة مساعدة على الرجوع، اجعل البيئة التي يعيش فيها الزوج المطلِّق بيئة مساعدة على الرجوع. الأب ينصح ابنه، يا ابني حكمة الحياة تقتضي أن تصبر على ما لا تحصل عليه، وأن تكتفي بما تحصل عليه، لا تعبد ذاتك، لا تتصور أن كل شيء يجب أن تحصل عليه 100% وإلا فلا. هذه الدنيا لم تخلق لأحد لكي يعيش فيها 100%. إذا حصل على 50 وصار عليه 50، هذا خير من الله. يوم لك ويوم عليك. لا تتصور أن الدنيا مخلوقة لغير هذا. إن أنصفك الدهر فيوم لك ويوم عليك. يوم زعلانة منك ويوم أنت زعلان منها، ويوم راضية عليك، ويوم أنت راضي عليها. ويجب أن تمضي الحياة هكذا. لا، أنا أطلق حتى أبحث عن شيء يناسبني. عندك علم الغيب أن هذه المرأة التي سوف تتزوجها بعد مدة من الزمان لن تكون أسوأ في رأيك من هذه التي طلقتها. هذه نفسها تزوجتها بناءً على أنها أفضل شيء، أفضل خيار، ما الذي يدريك بعد ذلك ماذا يحصل في الزوجة الأخرى بعد ما طلقت الأولى. وأنت أيضاً، ماذا يدريك أن من يأتي بعد ذلك سيكون أفضل مما فقدته. كل إنسان أيضاً ما دام أمام الآخرين يظهر بأحسن المظاهر. أنا أظهر أمامك بأحسن ما يمكن، وأنت تظهر أمامي بأحسن ما يمكن. لكن عند التجربة والمعايشة وليس بيوم أو يومين وليس ست ساعات في العمل. لا، هذا شيء استثنائي، أخلاقه وكذا، لا، تعال جربه في البيت. وبعد مرور شهر العسل، وإذا مرت المصاعب والمشاكل، هناك التجربة. فيحتاج المطلقون أن يرجعوا، يفكروا في الرجوع، يذللوا العقبات. وتحتاج البيئة الحاضنة لهؤلاء من زوج مطلِّق ومن زوجة مطلَّقة أن تنصح وتحرض. للأسف الشديد عندنا، وتكلمت عن هذا الموضوع ربما في السنة الماضية، الآن توجد بيئات سيئة تجمع المطلقات، وكل واحدة تحرض الأخرى على أن تعيش حياتها بهذه الطريقة. هؤلاء سيستيقظون في يوم من الأيام ولن يكون وقتها مناسباً للندم. يندمون بعد ما تنتهي سنة وسنتين وثلاث ويفوتهم القطار وتشعر نفسها هكذا وحيدة. يا أختي، الإنسان مع أسرة، مع أولاد، ومع ذلك لا يستطيع أن يتغلب على مصاعب الحياة ويعيش فيها سعيداً، هانئاً، هادئاً، مع كل هذا. أنا أتيت وحدي في مصارعة هذه المشاكل والمتاعب وأعيش حياتي وحيداً. هذه بيئات معاكسة للرجوع، نحن ننصحهن بأن يتقين الله عز وجل، وبدلاً من أن يحرضن على استمرار الطلاق، وفي رأيهن من أخذ الحرية، فليتقين الله وينظرن إلى مصلحة هذه النساء. بالعكس ينصحن هؤلاء بالرجوع، بالتفاهم، بالتنازل، بالتسامح. هذا هو الطريق السليم.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى ولم ننته من موضوعنا بشكل كامل، أن يوفق جميع المتزوجين إلى إنشاء حياة سعيدة مستقرة، وأن يوفق من تم الفراق بينهم وبين شركائهم لأن يرجعوا سواء كان في وقت هذه العدة التي جُعلت من الناحية الشرعية، أو حتى بعد هذه الفترة. ونسأل الله أن يوفق من يعيشون في البيئات المحيطة بهذه الأسر، أن يشجعوا أبناءهم وبناتهم على العودة والرجوع وبناء الأسرة من جديد. وهذا ممكن، بيتك صار فيه مشكلة، انهدم منه جانب، أعد ترميمه واسكن فيه. بيتك انهدم بالكامل، تتستطيع بناءه، وأحياناً قد تبنيه على أسس أفضل مما كانت الأسس السابقة. نسأل الله أن يستجيب لنا ذلك ببركة محمد وآل محمد.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد