الموسم العاشورائي 1446 هـ

الشيخ فوزي آل سيف: الارتباط بالإمام المهدي المنتظر (عج)

بسم الله الرحمن الرحيم 

الليلة الثامنة عن الارتباط بالإمام المهدي المنتظر (عج) 

سماحة الشيخ فوزي آل سيف 

مجلس المرحوم الحاج حسن عبدالله بوحليقة – بسيهات

 

جاء في الدعاء المروي عن المعصومين عليهم السلام: "اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين". 

حديثنا في هذه الليلة يتناول شيئًا عن موضوع الارتباط بالإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد افتتحنا بهذا الدعاء الذي ذكره ثقة الإسلام الكليني (رضوان الله عليه) في كتابه "الكافي" في أعمال ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، والتي تشير الروايات إلى أرجحيتها في أنها ليلة القدر. ضمن أعمال تلك الليلة قال: ومما يدعى به أنك تكرر ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجدًا وقائمًا وقاعدًا وعلى كل حال كيفما أمكنك ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي: "اللهم كن لوليك الحجة..." إلى آخر الدعاء. وقد روى ذلك عن الصالحين (عليهم السلام)، كما ذكره أيضًا شيخ الطائفة الطوسي (أعلى مقامه) في كتابه "تهذيب الأحكام". 

تعلمون أن الكتب الأربعة "الكافي"، و"تهذيب الأحكام"، و"من لا يحضره الفقيه"، و"الاستبصار" تعدّ من أهم المصادر للروايات في العقائد والفقه. يوجد هناك قول لبعض العلماء، وهم كثيرون، إنه إذا وردت رواية أو نص تكرر في أكثر من كتاب من هذه الكتب الأربعة، فإن ذلك يعطي اطمئنانًا ووثوقًا بصدور هذا النص عن الإمام المعصوم. وهذا حتى يستعملوه في الفقه، فإذا وردت رواية مثلًا في "الكافي" و"التهذيب" و"من لا يحضره الفقيه"، حتى لو كان في سندها بعض المشاكل، فإنهم يعتمدون على ورودها في هذه الكتب ويقولون إن مؤلفي هذه الكتب هم على درجة عالية من الخبرة في الروايات وعلى درجة عالية من التورع عن أن يوردوا أشياء لا تصح نسبتها إلى المعصوم، ولذلك يعملون بها. ويعمل العلماء كثيرًا بالروايات والنصوص الواردة في أكثر من كتاب من الكتب الأربعة. 

 

هذا الدعاء ورد كما قلنا في كتابين أساسيين: "الكافي" و"تهذيب الأحكام"، الأول للشيخ الكليني (رحمه الله)، والثاني لشيخ الطائفة الطوسي. وفيه تعليم الدعاء للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وخصوصًا في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، تدعو به على كل أحوالك قائمًا قاعدًا راكعًا ساجدًا حيث أمكنك. على إثر هذا صار هذا الدعاء بمثابة الشعار لشيعة أهل البيت عليهم السلام في أحوالهم المختلفة، وهو يعبر عن ذلك الارتباط بينهم وبين صاحب العصر والزمان. 

قدمنا بهذا الدعاء المروي تمهيدًا للحديث عن جهات الارتباط بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). ينبغي لتحديد المبحث أن نقول إن حديثنا عن الإمام المهدي هو ضمن الدائرة الإمامية الاثني عشرية. ذلك أن بعض العناوين موجودة عند مختلف البشر، مثل عنوان المخلص، عنوان المنقذ، عنوان الإنسان الذي يأتي في آخر الزمان ويمنع مسار البشرية من الانهيار ومن الدمار. هذه الفكرة موجودة عند كثير من البشر حتى عند غير أصحاب الديانات، فإنهم عندما يفكرون مليًّا يقولون: ليس من المعقول أن الخالق يخلق هذا الكون ويسيّر هذا الكون في طريق الفساد والانحدار والانهيار إلى أن يفني الإنسان نفسه، يفني أخلاقه، يفني حضارته، والله سبحانه وتعالى حسب التعبير يتفرّج على هذا! وأن الله خلق الكون على أساس أنه يمشي إلى هذه الدركات وإلى هذه الانهيارات، هذا عبث لا يمكن أن يحصل. 

لذلك حتى غير أصحاب الديانات يؤمنون بفكرة المخلص والمنجي والمنقذ للبشر. قد لا يحددون من هو وما هي ديانته وكيف هي حركته، وإنما في أصل المسألة. هذا قسم من البشر، قسم آخر وهم المسلمون أو قسم منهم من أتباع مدرسة الخلفاء يؤمنون بالمخلص والمنقذ ويؤمنون أيضًا أنه هو المهدي وأنه من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله، لكنه يأتي في آخر الزمان ولا يؤمنون بإمامته كما يؤمن الإمامية، ولا يؤمنون بولادته كما هو الحال عند الإمامية، وإنما يضيفون إلى الفكرة الأولى انتسابه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه من قبل الله (عز وجل) وأنه يغير الأرض ويصلحها ويملؤها عدلًا بعدما ملئت جورًا، وأنه حتى لو لم يبق إلا يوم واحد لأطال الله ذلك اليوم حتى يظهر المهدي. 

 

نحن لا نتحدث لا عن المستوى الأول ولا عن المستوى الثاني، وإنما نتحدث عن الارتباط بالإمام المهدي ضمن الرؤية الإمامية الإثني عشرية التي تقول إن الإمام المهدي هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت السابقين عليه، وهو المعصوم الرابع عشر من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بدءًا برسول الله، وأن هذا الإمام المهدي هو ابن الإمام الحسن العسكري، وأنه ولد في سنة 255 هجرية، وأنه تسلم الإمامة من أبيه العسكري بعد شهادة أبيه الإمام العسكري، فولد في ذلك الزمان في النصف من شعبان سنة 255 هجرية، وهو لا يزال يعيش إلى هذا اليوم إلى أن يأذن الله له بالظهور، وهو يأتي ضمن نظرية الاصطفاء والاختيار الإلهي التي أكرم الله بها ذرية النبي محمد. 

هذه هي معرفة الإنسان الإمامي الاثني عشري بالنسبة إلى الإمام المهدي، فلو تغير شيء في بعض الأمور فهذا لا يمكن أن يعدّ إماميًا اثني عشريًا. إما عند شبهة تزال تلك الشبهة، وإما إذا كان مصرًّا على ذلك فهذا لا يعدّ إماميًا اثني عشريًا. قد يعدّ أي شيء، أحد عشريًا، ثمانيًا، أي شيء يمكن أن يعدّ إلا أن يعدّ شيعيًا إماميًا اثني عشريًا. إذا كان مشتبهًا تُرد شبهته، إن بقي عليها انتفى عنه العنوان، كما أنه مثلًا الإسلام قوامه أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. 

هذا من حيث العقائد ومن حيث الإيمان، نلتزم بما قرره من أوامر ونواهٍ، فلو أن إنسانًا جاء وقال أنا أعتقد بالله (عز وجل) لكن بالنسبة إلى رسول الله أنا عندي تردد، أنا شاك، أو أنه لا هو محمد، لكن ليس ابن عبد الله ابن عبد المطلب، أو غير ذلك. يقال له أنت ينطبق عليك أي عنوان إلا عنوان المسلم. ما ينطبق عليه إذا في شبهة ترد الشبهة، إذا لم يقتنع بذلك يقال له أنت تكون أي شيء لكنك لست مسلمًا. الإمامي الاثنا عشري يؤمن بإثني عشر إمامًا، هذا واحد. فلو نقص واحد منهم يكون كمن جحدهم كلهم، ويؤمن بأن الإمام الثاني عشر مولود وحي باقٍ أيضًا وهو إمام معصوم. وأدنى من ذلك فلا يعدّ إماميًّا اثني عشريًّا. 

 

حديثنا ضمن هذا المستوى الثالث: كيف وما هي جهات الارتباط بين الإنسان المؤمن الشيعي وبين الإمام المهدي الثاني عشر من آل محمد؟ 

أولًا من الارتباط به ومن لوازم الارتباط به معرفته وزيادة المعرفة. لكي يرتبط الإنسان بهذا الإمام يجب أن يتعرف عليه، أن يعرف صفاته، أن يعرف دوره، أن يعرف ما هو. وهي درجات، أدنى درجة هي التي قدمناها قبل قليل وتتفاوت درجات المعرفة بين الناس بحسب اطلاعهم بل وبحسب منازلهم ودرجاتهم الإيمانية. 

جاء رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) فسأله مسألة، فقال له الإمام (عليه السلام): "بعضكم أفضل من بعض صلاة". الملاحظ في المجتمع أن قسمًا من الناس يكتفون فقط بالصلاة الواجبة، قسم لا يضيف إليها صلاة النوافل، فهو هذا الذي يضيف إليها النوافل أفضل من ذاك الذي يقتصر على الفرائض. "بعضكم أفضل من بعض صلاة، وبعضكم أفضل من بعض صومًا، وبعضكم أفضل من بعض حجًّا، وبعضكم أفضل من بعض صدقة، وأفضلكم أفضلكم معرفة". لاحظ أنه على المعرفة في الدرجة العالية بالنسبة إلى هؤلاء. فلو  كنت تعرف الله سبحانه وتعالى وتعرف صفاته وآياته أكثر مني، وأنا أصلي أكثر منك، فأنت أفضل مني لأنك أفضل معرفة. وهذا مقتضى قوله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات". العارف الأكثر معرفة هو الذي يكون أفضل لأنه إذا عرف ربه أوفاه حقه، وإذا عرف إمامه أعطاه منزلته وتعلق به التعلق المناسب. أنا وأنت على قدر ما نقدر في جهة الارتباط بالإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أن نتعرف عليه، أن نعرف صفاته، أن نعرف ما يرضيه، أن نتعلق بهذه الصفات. في هذا الباب لابد أن يتحرك الإنسان في تثقيف نفسه بما يرتبط بإمامه. هذا الإمام هو إمامك الفعلي، الحاضر، الناظر، الذي أنت مسؤول عنه ومخاطب به، وهو حجة الله عليك، وليس غائبًا. التعبير عنه غائب، ولكنه صلوات الله عليه كما جاء في الرسالة في التوقيع المشهور للشيخ المفيد يقول: "إنا غير مهملين لذكركم، ولا ناسين إياكم، ولولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء، ولشملكم البلاء". ذكر ذلك الشيخ الطبرسي في كتابه "الاحتجاج". 

 

وأمر وجود الإمام وحياة الإمام هو مما يتقوم به الاعتقاد الصحيح بهذا الإمام العظيم، وقد أقام علماؤنا المئات من البراهين العقلية والآلاف من الروايات النقلية على موضوع إمامته وولادته وحياته وتصرفه. وكان لنا حديث قبل سنوات في هذا المكان المبارك حول دور الإمام المهدي في زمان الغيبة الكبرى، ماذا يصنع في زمان الغيبة الكبرى التي نعيش فيها. نحتاج أن نتعرف على الإمام (عليه السلام)، الإخوة المؤمنون، الشباب والشابات ينبغي أن يتحركوا للتعرف الزائد والكثير عن الإمام الحجة (عجل الله فرجه). من أشهر الكتب "تاريخ موسوعة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)" للمرحوم الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر، وهو في أربعة مجلدات، أحسن فيه التتبع وأحسن فيه التحليل، وهو كتاب مشهور وموجود، ينبغي للإنسان أن يرجع إليه. العمل الضخم الذي قام به المرحوم العلامة الشيخ علي الكوراني (رضوان الله تعالى عليه) الذي توفي حديثًا، حشره الله مع سادته المعصومين. من كتابه الضخم وأيضًا هو موجود على الإنترنت "معجم أحادیث الإمام المهدي" تتبع فيه الروايات الواردة فيما يرتبط بالإمام المهدي، وهو عمل قيّم وجيد. توجد مراكز، مراكز مثل مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي والذي يشرف عليه نخبة من العلماء الفضلاء تحت إشراف المرجعية الدينية الشيعية. 

وهذا مهم لأن الإنسان أحيانًا يقرأ كتابًا أو يطلع على موقع أو يتابع فضائية، ولكن القائمين على تلك الأجهزة أو على تلك المصادر ليسوا ممن يوثق بكلامهم، فيحتاج الإنسان أن يرجع إلى هذه الكتب، إلى هذه المصادر، إلى هذه المعارف حتى يتثقف فيما يرتبط بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ولا نريد أن نفصل في سائر الكتب فإن الأمر يطول، الكتب كثيرة والمواقع متعددة، ولكن هذه كإشارة لموضوع المعرفة بالنسبة إلى الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف). 

 

من الضروري لتحقيق الارتباط السليم والصحيح أن يتثقف الإنسان، أن يتعرف الإنسان على الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، لأنه عندنا مشكلتان: مشكلة شبهات مخالفين من الخارج مثل: كيف يعيش الإمام هذا الزمان؟ ماذا يصنع؟ كذا كذا. طبعًا هم أيضًا يعيدون نفس الأسئلة التي سألها أسلافهم وتم الرد عليها، والبرهنة والإجابات فيها مقنعة، لكن ربما هؤلاء يحاولون التركيز على جيل الشباب الحديث وهم الذين لم يقرأوا مثل هذه الردود ومثل تلك الكتب، وهذا نوع من الشبهات. 

المشكلة لدينا أيضًا يوجد شبهات داخلية، يعني بعض الجهات ذات حركات مهدوية مزورة غير صحيحة، غير سليمة، مزيفة، يزعمون أن فلانًا مثلًا وكيل المهدي أو فلانًا ابن المهدي أو فلانًا كذا وكذا أو ظهر المهدي أو ما شابه ذلك. وقد ذكرنا في سنة من السنوات أيضًا علامات الدعوات المهدوية الكاذبة وبينّا شيئًا يمكن أن يهدي الطالب للتعرف على شؤون هذه الدعوات الكاذبة فيجتنبها. زيادة الثقافة، زيادة المعرفة من قبل الإنسان المؤمن تجعل إيمانه ثابتًا راسخًا لا يتعرض إلى الاهتزاز، وأما إذا كان لا يعرف هذه الأمور ولم يسمع بها ولم يقرأ عنها فربما من أول شبهة تثار ضده من قبل الداخل أو من الخارج يتراجع أو يتزلزل. هذا أول نحو من أنحاء الارتباط. 

النحو الثاني هو التذكر للإمام (عليه السلام)، إبقاء الإمام حاضرًا في الذاكرة، أن لا يصير نسيًا منسيًّا عند الإنسان، أن لا تصير حياة الإنسان خالية من ذكر الإمام، وذلك أولًا بالدعاء له. هذا الدعاء الذي ذكرناه قبل قليل ينبغي أن لا تخلو صلاة الإنسان في عدة صلوات من ذكر الدعاء للإمام المهدي. الحمد لله الآن كما ذكرنا وكما رأينا أصبح شبه شعار لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في أنهم في اجتماعاتهم الدينية، في صلواتهم، في جمعاتهم عادة ما يذكر هذا الدعاء، وهو  دعاء للإمام (عليه السلام): "اللهم كن لوليك الحجة في هذه الساعة، وليًا، حافظًا، قائدًا، ناصرًا، دليلاً، عينًا". وهذه كل واحدة من هذه العناوين لها شرح، لكن الآن لسنا في صدده حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا. 

 

أدعية كثيرة في حق الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، لو أراد الإنسان أن يرجع إليها لوجد في كتب الأدعية كـ"مفاتيح الجنان" وغيرها الكثير من هذه الأدعية. وهذه الأدعية فيها معارف دينية، لما ذكرناه في أوقات مختلفة، أن أحد أساليب تعريف الأئمة الناس بالعقائد كان الدعاء، فيعبئ الدعاء مفاهيم ومعارف وعقائد، ولما يقرأها الإنسان مرة ومرتين ويخزنها في ذاكرته تصبح ثقافته الدينية ثقافة عالية. من ذلك ما ذكر الإمام العسكري (عليه السلام) في دعائه لابنه الإمام المهدي. وهذا أمر ملفت للنظر هنا، الإمام العسكري كان الإمام المهدي بالنسبة إليه صغير السن وكان قد فارقه وهو في حداثة سنه، ولكن يدعو له هذا الدعاء المهم، يقول: "اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم أعزه من شر كل طاغ وباغ ومن شر جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، واحرسه من أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك، وأظهر به العدل وأيده بالنصر". 

في دعاء الإمام السجاد (عليه السلام)، وهذا أيضًا أكثر غرابة وطرافة. الإمام السجاد أين والإمام المهدي أين من حيث الزمان. الإمام السجاد سنة 95 هجرية فارق هذه الدنيا، الإمام المهدي سنة 255 هجرية ولد. مع ذلك، الإمام السجاد في يوم عرفة كان يدعو للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يعني قبل حوالي 180 سنة من الزمان، 170 سنة من الزمان، هو يدعو للإمام السجاد (عليه السلام). الدعاء للإمام بالحفظ والرعاية والنصر من الله (عز وجل) هذا من أنحاء تذكره ينبغي للمؤمنين أن لا يغفلوا عن ذلك وهم بحمد الله وأنتم كذلك ولكننا نذكر بهذا الأمر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وأنتم بحمد الله من طليعة المؤمنين. 

كذلك من التذكر له (صلوات الله وسلامه عليه) زيارته، هناك زيارات متعددة للإمام عجل الله تعالى فرجه، منها زيارة آل يس وهي من الزيارات التي يكثر منها العلماء المرتبطون بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف. بل إكثار السلام عليه أيضًا، وهو في كل ذلك، كما أنت تذكره هو يذكرك. هل تستغرب من هذا "من يتصل بالغيب، إذا ذكر ذلك المتصل بالغيب يذكر". القرآن الكريم يقول: "فاذكروني أذكركم". ونخاطب الإمام الحسين وسائر الأئمة فنقول: أشهد أنك تسمع كلامي وفي رواية أخرى: وترد سلامي. وأنك حي مرزوق عند ربك، الإمام الحسين وسائر الأئمة شهداء بحسب الظاهر انتقلوا من هذه الدنيا، ولكن مع ذلك يسمعون الكلام ويشهدون المقام ويردون السلام. فكيف إذا كان ذلك السلام على من هو حي حاضر قائم شاهد وهو الإمام الحجة عجل الله فرجه؟ 

 

مرة نحن نعتقد أن الإمام المهدي حاضر ناظر شاهد، بل تعرض عليه أعمال المؤمنين، فيسرّ إذا رأى من المؤمنين الأعمال الصالحة ويكتئب إذا رأى من بعض المؤمنين أعمالًا سيئة. من ضمن التذكر له والتعلق به تجديد العهد والميثاق معه. تذكر خلف الصلاة أئمتكم الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وهذه مما تركه الآباء جزاهم الله خيرًا في نفوس الأبناء، وهو وارد في الروايات أنك بعد أن تنتهي من صلاتك يستحب لك أن تعدد عقائدك، عقيدتك في الكتاب، عقيدتك في النبي، عقيدتك في القرآن، في الجنة، ثم تسرد أئمة الهدى (عليهم السلام). هذا مستحب بل وردت رواية معتبرة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه يستحب أن يأتي بها الإنسان في سجدة الشكر وهو ساجد. هذا نوع من أنواع العهد بينك وبين أئمتك، ومنهم الإمام الحجة.

أيضًا يستحب لك ويستحب لكِ أن تقرأوا دعاء العهد مع صبيحة كل يوم، والكثير إن لم يكن الكل يقرأ هذا الدعاء: "اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيام حياتي عهدًا وعقدًا وبيعةً له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول عنها أبدًا". وقيل إن من يداوم على مثل هذا الدعاء قد يرزق نصرة الإمام الحجة ويكون في ركابه. 

كذلك من ذكره التشوق له والتحرق للقائه والاشتياق إلى أن يراه الإنسان. وفي هذا ما أحسن أن يعبر الإنسان عن ذلك بما ورد في دعاء الندبة المعروف والذي يقرأ في صبيحة الجمعة في كثير من الأحيان: "هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى، هل يتصل يومنا منك بعدة فنحظى، متى نرد مناهلك الروية فنروى، متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى؟". هذا نوع من إشعال فتيل الشوق إلى الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه). شتان بين من تلتهب عواطفهم من أجل حب نهايته الإشباع البدني: أنا أحب فلانة، آخر الأمر إذا صار الأمر بشكل شرعي فهو إشباع بدني لهذه الغريزة. وبين هذا التحرق والتشوق والحب الزائد للقاء إمام معصوم انتدبه الله سبحانه وتعالى لإصلاح هذه الأرض. فرق كبير جدًّا. 

 

اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل أنظارنا بنظرة منا إليه، وعجل فرجه وسهل مخرجه وأوسع منهجه، واسلك بنا محجته. هذا أمر ثاني: التذكر له. 

الأمر الثالث وننهي به الحديث: الاستعداد للقائه ولدولته ولنصرته. 

مشكلة هذا الأمر وهي مشكلة بل هي نعمة أن الوقت غير معروف، وقت ظهور الإمام غير معروف. وكل إنسان أراد أن يوقت وقتًا، ولو تقريبيًا، انتهى إلى أن انطبق عليه القول المعروف: "كذب الوقاتون". الذين قالوا مثلًا في مطلع الـ 1400، وصلت الـ 1400 وانتهت وإلى آخره. الذين قالوا ما أدري في سنة 2000 ميلادية كذلك، الذين قالوا بعد، والذين قالوا قبل، وإلى آخره... والحق أنه لا أحد يعلم بذلك إلا الله سبحانه وتعالى من عامة الناس ومن العلماء. لا أحد يعلم من ذلك، ولو تنطع أحدهم وقال أنا أعلم، يقال له معذرة في هذا الأمر، لا نستطيع الاستجابة لك. 

وهذا من الخير للناس. لو أنه فرضنا لو أن أحد الأئمة، لو أن رسول الله وقت وقتًا، قال في 2060 ميلادية مثلًا، سوف يكون ظهور الإمام، ستوجد آثار سيئة. الظلمة من تاريخ الرسول إلى هذه السنة سوف يأخذون راحتهم وهم آمنون، المؤمنون سينتهي عندهم الأمل. لماذا؟ لأنه من الآن إلى سنة 2000 وكذا، كيف نصل إلى ذلك الوقت؟ المتلاعبون سوف يقولون: حسنًا ما دام إلى سنة 2060 مثلًا، فدعني آخذ راحتي وأعصي، وقبلها بخمس سنوات أصير رجلًا صالحًا، فأتوب إلى الرحمن من سنتين كما قال عمر بن سعد. 

 

يجب أن يكون الأمر غير معروف حتى يخاف الظالم، من الممكن أن يظهر الإمام. شاهدان مثلًا في زمان العباسيين كيف أن أولئك كانوا على وجه خوف، طوّقوا بيت الإمام العسكري، وقاموا بتفتيشات واعتقلوا بعض النساء وإلى آخره... 

المؤمنون أيضًا إذا لم يُعلم تاريخ ظهوره (عليه السلام)، سيكون على كل إنسان لكي يحظى بشرف اللقاء أن يكون ملتزمًا طوال وقته بأموره الدينية، أن يكون دائمًا مستعدًا بطاعة الله واجتناب نواهيه. حتى لو خرج الإمام فجأة في هذا الزمان المعين، يكون متحضرًا متهيئًا وجاهزًا، إنسانًا مؤمنًا متدينًا عاملًا واعيًا يصلح لأن يكون من جنود هذا الإمام العظيم. فهذه من فوائد وبركات أن ساعة خروجه ويوم ظهوره غير معروف. نحن نعلم أنه قطعًا سوف يخرج بإذن الله عز وجل ونسأل الله أن يبلغنا ذلك... 

وللاستعداد لذلك، يجب أن يخاطب الإنسان نفسه: لقاء الإمام شرف. وهذا مثلًا من موارد الامتياز والاختلاف في زمان الغيبة الكبرى بين الإمام المهدي وبين سائر الأئمة. الإمام علي (عليه السلام) اللقاء به لم يكن بهذا الشكل، حتى عبد الرحمن بن ملجم كان يقدر أن يراه. الإمام الحسين ما كان عنده هذه الميزة، حتى عمر بن سعد يلأتي ويرى الإمام (عليه السلام). لكن بالنسبة إلى الإمام الحجة في زمان الغيبة الكبرى والصغرى، فلقاؤه شرف لا يناله إلا أصحاب المنازل العالية. 

فإذا كان كذلك، فهل يليق مثلًا بعيني، لا سمح الله، التي تتتبع عورات المؤمنين والتي تدمن رؤية العاريات في هذه الوسائل المعروفة والتي تفعل ما تفعل، هل يليق أن هذه العين الخاطئة تكتحل برؤية حجة الله على خلقه؟! يعني هل يعطوها مكافأة على هذا الأمر؟ هل لهذه اليد التي سرقت والتي اعتدت والتي تجاوزت أوامر الله (عز وجل) أن تصافح يد الإمام وهي أطهر يد على وجه الأرض؟! لا، لابد أن تكون هذه اليد يدًا نظيفة، يدًا طاهرة، يدًا طيبة حتى تؤهل لمصافحته. 

وهكذا الأذن التي اعتادت لا سمح الله على الغيبة وسماعها والنميمة ونقلها، وما أدري، الغناء والملاهي وما شابه ذلك، هل يمكن أن تكون متشرفة في نفس الوقت بسماع مناجاة الإمام المهدي وسماع توجيهاته وسماع كلامه؟ لا، ليس الأمر كذلك. وهكذا سائر الأعضاء والجوارح. أما إذا أكرمها الإنسان بأن جعلها تسير على الدرب السليم فتجتنب كل ما نهى الله عنه (سبحانه وتعالى)، فمن الممكن أن يمنّ الله عليك وعليّ بأن نرى هذا الإمام العظيم، وإن حصل هذا فهو الشرف الكبير، وإن لم يحصل لم نخسر شيئًا، طهرنا جوارحنا، زكينا أنفسنا، نلتقي به وبأهل بيته في جنة الله إن شاء الله. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بشفاعة محمد وآل محمد، اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، وأن يجعلنا من خير المنتظرين لنصرته وظهوره، إنه على كل شيء قدير.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد