نسرين نجم ..
بعد فريضة الحج ومناسكها يأتي العيد؛ عيد الأضحى المبارك، حاملًا معه الخير والرحمة واللطف الإلهي لعباده، عن معاني عيد الأضحى المبارك وأسباب الاحتفال به يقول سماحة الشيخ أحمد آل فردان: "عيد الأضحى يتكون من كلمتين- مضاف ومضاف إليه - (عيد) و (أضحى). وحتى نتعرف إليه لابد من بيان كلا الكلمتين:
أولًا: ما هو العيد؟
العيد: مأخوذ من العَوْد، وجمعه أعياد، والأعياد: هي الفرحة العامة للأمة، وإنما سميت أعيادًا لأنها تعود وتتجدد من حين لآخر، وقد تسمى الفرحة الخاصة عيدًا لتجددها وإعادتها كأعياد المواليد التي تحتفل بها بعض الشخصيات.
والأعياد لا تختص بأمة دون أمة، ولا بدين دون آخر، بل هي جلية وواضحة في تاريخ الأمم والأديان جميعًا ، وهي وليدة الفطرة البشرية، مما يدل على تقادم عهود الأعياد، وسبقها للأديان، فلم يذكر التاريخ أمةً ليس لها عيد؛ تنزع فيه أحزانها وآلامها، وتظهر فيه بمتعة الجمال، وبهارج الزينة، وألوان السرور؛ وذلك لأن النفوس تمل من الدرس، والأبدان تمل من كثرة مزاولة الأعمال، ومداولة الألعاب والحركة، فهي تميل إلى الراحة والابتهاج والتسلية.
يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): (إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة). وقد كانت للعرب قبل الإسلام أعياد شتى، فمنها ما ألغاها الإسلام ونهى عنها، ومنها ما سكت عنها الإسلام فلم يحكم فيها بنفيٍ ولا إثبات، ومنها ما أثبتها الإسلام.
فأما الأعياد التي ألغاها الإسلام هي: عيد الانتصار، عيد الآلهة، عيد النيل في مصر.
وأما الأعياد التي سكت عنها الإسلام ولم يحكم فيها بنفي ولا إثبات وتداولها المسلمون فهي: عيد الفتح، العيد الوطني، عيد المهرجان (من أعياد الفرس)، عيد النيروز، عيد الحب وغيرها.
وأما الأعياد التي أثبتها الإسلام إلى يوم القيامة فهي: عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الغدير.
ثانيًا: ما هو الأضحى؟
الأضحى: مأخوذ من التضحية، وهي مصدر الفعل الثلاثي المضعَّف (ضحَّى)، يقال: ضحَّى يضحي تضحية. وهي تعني الذبح أو النحر في الضحى، والضحى هو ضوء الشمس. ومنه سمي ما يقدمه الإنسان من الأنعام قربانًا لله تعالى بالأضحية، لأنها لا تنحر أو تذبح إلا بعد شروق الشمس، أي عند ضوئها الذي هو الضحى. ولكثرة ما يُضحَّى يوم العاشر من ذي الحجة سمي بيوم النحر وبعيد الأضحى، ويقال: ضحى الحاج إذا نحر أو ذبح هديه أو أضحيته. ويقال: ضحَّى الرجل بالشاة إذا ذبحها في الضحى من يوم عيد الأضحى.
ويسمى القربان الذي يتقرب به الإنسان المسلم إلى الله تعالى هديًا إذا كان نسكًا لحج، وأضحية إذا كان لغير الحج. فالأضحية - كما عرفها الشهيد الثاني في المسالك - : (ما يذبح يوم عيد الأضحى تبرعًا) أي تطوعًا لأنها مستحبة استحبابًا مؤكدًا. وقد كان هذا العيد مسنونًا عند العرب في الجاهلية لمن قضى مناسك حجه، فأقره الإسلام لأنه مقترن بأداء فريضة الحج، إلا أن هذ العيد في الجاهلية لم يكن مختصًا بيوم العاشر من ذي الحجة كما هو في الإسلام، بل كانوا يحولونه من حين لآخر حسب الفصول المناسبة له من حيث البرد والحر، وكانوا يختارون لحجهم الفصل الذي ليس فيه حر أو برد، بأن يكون دائمًا في فصل الربيع (شهر يناير)، فكانوا يؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوماً؛ ليحرزوا بذلك الوقت المناسب للحج.
ولما جاء الإسلام أقر الحج في اليوم التاسع من ذي الحجة، وأقر العيد في اليوم العاشر منه، وقد جعل الله تعالى عيد الضحى عيداً لحجاج بيته الحرام خاصة، وللمسلمين عامة. فأما جعْله للحجاج خاصة فلفوزهم بما قدموه من أعمال ومناسك وعبادات وطاعات لله تبارك وتعالى.
وأما جعله للمسلمين عامة - وإن لم يحضروا الحج - فلمشاركتهم لإخوانهم الحجيج فيما أتوا به من أعمال الحج بقلوبهم وأرواحهم وضمائرهم، فالمسلمون أينما كانوا في جميع أقطار الأرض في عيد الأضحى يرافقون الحجيج، ويتمنون أن يكونوا معهم، وكلما سمعوا تلبيات الحجيج على وسائل الإعلام (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك) خفقت قلوبهم، وهفت أرواحهم شوقًا إلى تلك البقاع المقدسة، وبهذه الأشواق يكتب الله لهم من الأجر والثواب ما يكتبه للحجاج؛ لأن الأعمال بالنيات، والنية مقام العمل؛ لأنهم شاركوا الحجاج في تلك المشاعر. قال الإمام الخامنئي دام ظله: "العيد الإسلامي إنما جعل من أجل إحياء هذه المشاعر بين المسلمين".
وعن أهمية العيد من الناحيتين الاجتماعية والاخلاقية يقول سماحة الشيخ آل فردان: "أولًا: أهمية العيد من الناحية الأخلاقية:
هناك فهم إسلامي عميق للعيد، هذا الفهم يعتمد على أساس سمو الإنسان ونموه إيمانيًّا وأخلاقيًّا. ولذلك يمكن لأي يوم من أيام السنة أن يكون عيدًا ضمن هذا الفهم؛ كما قال أمير المؤمنين (ع): (كل يوم لا تعصي الله فيه فهو عيد). وفي ذلك إشارة إلى أن العيد هو اليوم الذي لا يُعصى الله فيه هو انتصار للإنسان على الشيطان.
فعيد الأضحى مثلًا يوم ينتصر فيه الإنسان على نفسه ويربيها؛ حينما يتجنب المُحْرِم أمورًا كانت مباحة له؛ يكون التزامه بها باعثًا على زيادة انضباطه وتحويله إلى إنسان واعٍ هادف، ثم يكون إحدى مناسك يوم عيد الأضحى هو رمي الجمار، الذي هو رمز لانتصار المؤمن على الشيطان. قال السيد موسى الصدر - أرجعه الله سالمًا -: "إن فرحة العيد لمن تحرر من قيود أنانيَّته، وتمكن من أن يحب، أن يعطي، أن يضحي". والأعياد في الإسلام باعتبارها مواسم عبادية تعم فيها الفرحة والبشرى؛ في ظل رضا الله ولطفه ورحمته. إذ لا يريد الإسلام من المسلم الابتهاج بالمحرمات والموبقات، بل يريد أن يجعله مطيعًا لله في أفراحه ومسراته، ولهذا وضعت عدة سنن للعيد منها الغسل والصلاة وذكر الله جل وعلا.
أيضاً في إطار هذا الجانب الأخلاقي يعتبر العيد يومًا لأداء الشكر، وهو القضية الشاقة التي لم يبلُ الله الأنسان بمثلها (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)، إذ الكثير من الناس يتهاون في أداء هذا الحق بالرغم من أن الحاجة إلى شكر المنعم شعور عام فمن أجل تقوية هذه المعنوية الممزقة أمرنا باتخاذ هذا اليوم عيدًا نشكر الله فيه على النعم الجسام التي أولانا بها عز وجل.
فالشكر هي تحية يوم العيد وورده المفضل ولذا يستحب في عيد الفطر تكرار:
(الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا)، ويستحب في عيد الأضحى تكرار:
(الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا).
ثانيًا: أهمية العيد من الناحية الاجتماعية:
العيد هو فرصة جديدة لنا لتقوية صلات الرحم والتعاون بيننا، وللعطف على الفقراء، والمساعدة على قضاء حوائج كل محتاج، لذلك يعتبر العيد من المناسبات الدينية والاجتماعية المهمة في حياتنا. ولهذا دأب الإسلام في تربية المسلم على أن لا يقتصر في أفراحه على نفسه، بل يسعى لمشاركة الآخرين في أفراحه. ولذا أوجبت الشريعة المقدسة زكاة الفطرة في عيد الفطر، وبذلك يحاول الإسلام إدخال البهجة والسرور إلى بيوت لا تعرف معنى لطعام أو لباس جديد لأطفالها، فينزل فرحة على قلوب المحتاجين والمعوزين. وكذلك استحبت الأضحية لغير الحاج في عيد الأضحى، وعلى الحاج أن يقدم الهدي، فيأكل منه شيئًا، ويتصدق بشيء، ويهدي القسم الثالث، على اختلاف الفقهاء في التقسيم الثلاثي للهدْي.
قال الإمام الخميني (قده) في بيان هذا الجانب الاجتماعي للعيد: "إن لهذه المواقف في الإسلام كعيد الفطر والأضحى، والحج ومواقف الحج وصلاة الجمعة والجماعة التي تقام في الليل والنهار أبعادًا عباديةً وسياسيةً واجتماعيةً... وهذه الأبعاد متداخلة مع بعضها البعض".
إضافة إلى هذا وذاك، يهدف عيد الأضحى إلى توثيق آصرة القربى بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم وديارهم ولغاتهم، ويذكرهم بأنهم أسرة واحدة ينتظم فيها مئات الملايين. ولهذا قال إمامنا الخامنئي دام ظله: "ينبغي على الأمة أن تقدم هدية للرسول (ص) في عيد الأضحى، وهي حفظ وحدتها والتأليف بين قلوبها، وأن تصون عزة وكرامة النبي الأكرم (ص)".
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان