نسرين نجم ..

وضع الإسلام المرأة في مكانة سامية وأعطاها حقوقًا لم يستطع أي قانون مهما بلغ تطوره وحضارته أن يضع مثل هكذا حقوق، فالإسلام نظر إلى المرأة على أنها كما الرجل خليفته على الأرض لا وبل حصنها بحقوق تحفظ لها كرامتها ووجودها... عن المرأة المسلمة والتحديات التي تواجهها كان لنا هذا الحديث مع رئيسة تحرير مجلة زُلفى الإلكترونية، والعضو في لجنة المؤتمرات في التبليغية النسوية. ورئيسة اللجنة الثقافية لحُسينية المرخ للنساء في البحرين، والمحاضِرة في مناسبات أهل البيت (ع) أستاذة العقائد والفلسفة في الحوزة العلمية ليلى علي حسين:

* المرأة المسلمة بين الأصالة والتغريب:
يتحدث كثيرون في الوقت الراهن عن واقع المرأة المسلمة في ظل المدّ الغربي الذي طال كل بيوتاتنا بأساليبه المتنوعة، إضافة إلى التغييرات في المنظومة القيمية، عن واقع المرأة المسلمة في أيامنا الحالية تقول السيدة ليلى علي حسين: "لا يمكن أن نصف واقع المرأة المسلمة اليوم ككل واحد، بل النظرة العامة تجزّئ هذا الواقع إلى جزأين اثنين على الأقل:
الأول: النساء اللاتي انفعلن بالمد الحضاري الزائف القادم من الغرب، فانسقن وراء أيدلوجيته حيال المرأة وهي كونها أداة للإغراء، جاعلين قيمتها في جسدها وشكلها الخارجي.
الثاني: وهن النساء اللاتي فعّلن النظرة الإسلامية للمرأة المتمثلة في كونها إنسانًا خلقه الله عزّوجلّ ليكون مشروع خليفة له على الأرض، ولتسير مع شريكها في الإنسانية وهو الرجل في مسار الهدف الذي خلقوا لأجله وهو الكمال.".

شهر مارس يحمل مناسبة تتعلق بيوم المرأة العالمي تعلق الأستاذة ليلى حسين على هذه المناسبة فتقول: "عادة ما تقترن المناسبات العالمية بحدث معين ومن وحيه تنطلق المناسبة، والحدث الذي من أجله أُطلق يوم المرأة العالمي حدث سيء واقعًا، هذا الحدث هو خروج آلاف من النساء الأمريكيات للمطالبة بحقوقهن وإنصافهن في العمل ومساواتهن في الحقوق السياسية والاقتصادية بالرجال، إلا أن الشرطة تدخلت وقمعت المتظاهِرات بصورة وحشية. وعليه فأنا أفضل أن يكون للمرأة المسلمة يوم خاص بها، ويكون مرتبطًا بمناسبة تشيع جوًا إيجابيًّا في نفس المرأة، كيوم الولادة الميمونة لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، والتي شكّلت ولادتها علامة فارقة في كيفية التعامل مع المرأة وطبيعة النظرة السامية التي حظيت بها في ظل الإسلام العظيم."
وهنا السؤال الذي يطرح رغم كل ما قدمه الإسلام للمرأة. هل استطاعت أن تصل للعالمية؟ ترى الأستاذة ليل حسين: "لا يمكننا أن ننفي القضية بصورة السالبة الكلية، ولكن يمكننا أن نثبتها بصورة الموجبة الجزئية فنقول: نعم يوجد بعض النساء المسلمات وصلن إلى العالمية، وهؤلاء أصبحن نجمات لامعات في سماء العلم والعمل."
وعن كون الإسلام كرّم المرأة وأعطاها المكانة التي تليق بها، فلماذا حتى الآن لم تحصل على حقوقها التي شرّعها لها الإسلام؟ تجيب: "يمكننا أن نقول بأن العائق هنا أمران، أحدهما متعلق بالمرأة نفسها والآخر بالمجتمع المحيط بها.

أما المتعلّق بالمرأة: فهو عدم إدراك المرأة لمستوى الحقوق التي وهبها إياها الإسلام، فالمرأة التي فطنت لذلك جعلت غايتها في الحياة أن تكون سيرتها انعكاسًا لسيرة فاطمة الزهراء وابنتها الحوراء زينب عليهما السلام.
والمتعلّق بالمجتمع: فهو عدم تحرّر بعض الأفراد من النظرة الدونيّة للمرأة، واعتبارها أقل شأنًا من الرجل، حتى مع علمهم بأن تكريمها أمر جاء من الخالق جلّ وعلا."
وكون السيدة ليلى علي حسين من السيدات اللواتي يحملن مسؤولية اعلامية رسالية وانطلاقًا من كونها رئيسة تحرير مجلة (زُلفى) سألناها: هل أنصف الإعلام المرأة؟ تجيب بكل صراحة: "في نظري إن أكثر الميادين التي وقع فيها الظلم على المرأة هو ميدان الإعلام، لا أريد أن أتكلم عن الإعلام غير الإسلامي، فهناك المتاجرة بجسد المرأة وإظهارها بهوية ضائعة لا هي محسوبة على الإسلام ولا غير محسوبة عليه أمر واضح لا شبهة فيه. ولكن دعيني أتكلم عن القنوات الإسلامية، فالملاحظ أن المرأة فيها تظهر بمظهر المرأة على القنوات غير الإسلامية ولكن لنقل بنمط متحفظ !
مضافًا إلى ذلك فإن الإعلام بصورة عامة لا يزال لا يبرز النماذج النسائية في مجال العلم والبحث والكتابة، فهؤلاء مهمّشات على حساب نماذج يُراد لها الظهور لحاجة في نفس يعقوب !".

* المرأة ما بين العمل والأسرة:
ترفض الأستاذة ليلى علي حسين اعتبار المرأة هي عدوة نفسها "ولكن قد نرى لها تحققًا في بعض جزئيات الحياة."
دخلت المرأة المسلمة في مجالات متنوعة من العمل وأثبتت كفاءتها وكان لها الدور البارز في تحريك العجلة الاقتصادية والتنموية للبلاد وحتى كانت الشريك الفاعل والمنتج مع زوجها بتحمل مصاريف الحياة، لكن رغم كل ذلك قد يتساءل البعض عن عمل المرأة المسلمة وإلى أي حد ينعكس إيجابًا وسلبًا عليها وعلى أفراد أسرتها؟ تجيب عن هذا السؤال بالقول:" للإجابة على هذا السؤال يجب علينا أن نذكر القاعدة التي يرتكز عليها الجواب، والقاعدة هي: أن الدور الرئيسي الذي خُلقت لأجله المرأة والذي يتناسب مع طبيعتها وفطرتها وبنائها الجسدي والروحي هو الأمومة والقيام بالوظائف الأسرية، وكما هو معلوم فإن محل القيام بهذا الدور هو المنزل، ولكن متى ما أرادت المرأة الخروج من منزلها للعمل فإننا نقول:

 إذا أثّر عملها عليها بحيث أعاقها عن القيام بوظائفها وواجباتها الأسرية فإنه بلا شك انعكاس سلبي، ولكن لو تمكّنت المرأة من الموازنة بين متطلبات أسرتها ومتطلبات عملها فإن انعكاس عملها سيكون إيجابيًّا عليها أولاً وعلى أسرتها ثانيًا."
هذا الجواب دفعنا لسؤالها حول فكرة البعض بأن المرأة لا يمكنها خلق توازن بين عملها وأسرتها تقول: "أعتقد أن هذا تابع لنوعية العمل، فهناك بعض الأعمال تستهلك وقتًا وجهدًا كبيرين  من المرأة، بحيث أن المرأة بعد عودتها للبيت تكون مُستنزفة الطاقة فلا تقوى على أداء وظائفها البيتية، مضافًا إلى خطورته على الأبناء حيث يؤدي هذا النوع من العمل إلى فقدان دور الأم في الأسرة لا محالة، ولكن في المقابل توجد أعمال تتناسب مع المرأة فتكون المرأة قادرة معها على التوفيق بينها وبين أسرتها وبهذا النوع من العمل ننصح المرأة دائمًا."
بالانتقال إلى موضوع آخر وما إذا كانت تعتبر بأن وسائل التواصل الاجتماعي نعمة أم نقمة على المرأة ترى بأن: "وسائل التواصل الاجتماعي كغيرها من الأدوات الإعلامية، سلاح ذو حدين، فإن أحسن الإنسان استخدامها كانت عليه نعمة، وإن أساء استخدامها كانت عليه نقمة."

يرتفع في أيامنا منسوب آفتين خطيرتين هما الخيانة الزوجية والعنف الزوجي حول مواجهتهما تقول الأستاذة ليلى علي حسين: "الخطوات يجب أن تكون على الشكل التالي:
•  رفع مستوى الوعي بين أفراد المجتمع.
•  تحمّل كل من الزوجين لمسؤولياته تجاه الآخر وعدم التقصير فيها.
•  احتواء كلّ من الزوجين للآخر، وتفهّم كل منهما للآخر والقبول به.
•  الإشباع العاطفي من الزوج للزوجة والعكس، وذلك حتى لا يعيش أي من الزوجين حالة فراغ عاطفي فيتجه لسدها من الخارج.
•  المبادرة لحل المشاكل الأسرية وعدم تركها حتى تكبر وتكثر.
•  التسامح والتغاضي بين الزوجين."

منذ سنوات والهجمات الممنهجة على "الحجاب" لم تهدأ بحجة أن "الحجاب" يقيد المرأة، إلا أن الأستاذة ليلى علي حسين تجيب: "إذا كنّا نؤمن بأن الحجاب تشريع إلهي شرّعه الله الحكيم على المرأة فإذًا لا يمكن لعقلنا أن يتصور بأن الحكيم يشرّع ما فيه ضرر على المرأة، فلو كان الحجاب يقيدها لعُذرت المرأة في عدم امتثالها لهذا التكليف، وبالتالي يستلزم ذلك نقض الغرض من التكليف وهو الامتثال، وإذا لم تمتثل المرأة للتكليف فلن تصل للهدف الذي خُلقت لأجله وهو الكمال وهذا منافٍ لصفة الحكمة الإلهية.
هذا عقلًا، وأما من الناحية العملية فإننا رأينا ونرى في الواقع نساء التزموا بحجابهن وكانوا أيقونات في عالم الكمال، بدءًا بسيدة النساء عليها السلام التي خرجت لأداء دورها العقائدي والسياسي وهي تطأ ذيولها كما يخبرنا التاريخ لفرط حشمتها وسترها، وليس انتهاءً بالعديد من النساء اللاتي يؤدين أدورًا مهمة وحسّاسة في المجتمع وهنّ بكامل حجابهن."

والمطلوب في الوقت الراهن من المرأة المسلمة: "المطلوب منها أن تسعى سعيًا حثيثًا دؤوبًا للوصول إلى الهدف الذي خلقت لأجله وهو الكمال، وذلك بجعل رضا الله عزّ وجلّ نصب عينيها في كل حركاتها وسكناتها، ومطلوب منها النهل من العلم ما استطاعت، وأن تكون عنصرًا فعّالًا في المجتمع، وأن تعي بأن زينة المرأة هي التجمّل بالأخلاق الحسنة الحميدة.".
وحول أهمية امتلاك الثقافة وتحصين النفس بالثقافة الإسلامية تقول: "في ظل هذا التطور السريع للتكنولوجيا، وصيرورة العالم في كفّ الإنسان بفضل الهواتف الذكية، صار وصول الثقافات والعقائد والأفكار المنحرفة للإنسان أمرًا في غاية السهولة، وعليه فأي إنسان ستكون ثقافته الإسلامية ضحلة أو بناء على تقليد الآباء والأمهات فقط  فإنه لن يكون بمأمن من هذا الغزو الثقافي وسيقع ضحية سهلة له، ولذلك فإننا نؤكد على وجوب تحصين النفس بالعلوم والمعارف الإسلامية، ووجوب أخذها من المتخصصين بالدراسة وعدم الاكتفاء بالقراءة والسماع، لأن ذلك لا يوفّر للإنسان سياجًا قويًّا يحصّنه من رياح الانحراف العقائدي والثقافي القوية.".

وفي كلمة أخيرة للفتيات اللواتي تأخذهن بهرجة ما يعرض على شاشاتنا وعلى مواقع التواصل: "أقول لهن: إن أي رسالة توجه للمرأة ترسّخ فيها فكرة أن قيمة المرأة في جسدها، وأن تميزها يكون في مقدار كشف ما يجب عليها ستره من جسدها، أو أن نجاح المرأة اليوم مرهون في تحديها للأعراف والتقاليد وظهورها كموديل أو فاشينيستا بكل جرأة وابتذال، فإن هذه الرسالة لا تريد خيرًا للمرأة، لأنها ببساطة تريد أن تفرّغ المرأة من محتواها ومضمونها الإنساني الذي به تسمو وتعلو لتهبط بها إلى الحضيض، حيث امرأة ظاهرها إنسان ولكن حقيقتها عند الله تعالى: (أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون)".