نظمية الدرويش
انعاكس جميل على وجه ماء الأدب، وانبعاث مضيئ يخرق الوجد ويتصل بالآخر ويجمع ما بين مجاميع القلوب.
الشعر، الفن العربي الأول والثقافة الأدبية المتأصلة في الزمان والمكان العربيين، حتى ما خلت أو تخلو حاضرة عربية من قصائد تحاكي قيمها وعاداتها ومعتقداتها وتشهد على إنجازاتها وفنونها وحِرفها وتجمع بين أبنائها وتنقل عبر الأجيال ما هو أبعد من حدث وأعمق من مبارزة شعرية وأرسخ من مشاعر فردية إلى ما هو أعم وأرحب؛ الثقافة.
الثقافة تحضر شعرًا
يأتي حوارنا هذا مع الشاعر عدنان جاسم المناوس على شكل إطلالة على الثقافة العربية من نافذة الشعر. فالثقافة بأوجهها المتعددة والمختلفة هي ذلك الأمر الواقع والملاصق لتركيبة شخصية الإنسان وحياته فكيف بالشاعر؟!!.
في هذا السياق يؤكد الشاعر الثلاثيني ابن الأحساء من المنطقة الشرقية على قوة حضور الثقافة في الشعر فيقول: "بالطبع كل روافد المعرفة والثقافة المختلفة في جميع الحقول التي يكتسبها الأديب والشاعر على وجه الخصوص من القراءة والتجارب الحياتية المختلفة تكوّن لغة الشاعر وترفع من سقف معانيه وتوسّع حدود مخيلته التي يخرج الشعر منها مدثّرا بالرمز والمجاز".
يمثل لنا المناوس بتجربة الشاعر محمود درويش بحيث أنه لو لم يسبر الشاعر محمود درويش تاريخ الهنود الحمر ويتعرّف على خطب زعيمها "سياتل", لم يترجم هذه الثقافة في قصيدته الرائعة (خطبة الهندي الأحمر).
ونرى كذلك مثالاً آخر في توظيف أسطورة طائر الفينيق أو "العنقاء" الذي يحترق حين يموت ويولد من رماده طائرٌ جديد في مواطن شعرية كثيرة أذكر على سبيل المثال بيتين رائعين من قصيدة (بوحٌ حتى الهذيان) للشاعر جاسم الصحيح يقول فيهما:
من أجل وحدة هذا العالم القلقِ
عودي إليّ ..احرقيني فيكِ واحترقي
لابدّ للنار أن تفني فراشتها
كي يولدَ العشق من حرّية الألقِ
وأمثلة كثيرة هي التي تدل على تأثير الثقافة في الشعر بحسب الشاعر الشاب.
الثقافة العربية جوهر القصيد
يقدر الشاعر عدنان المناوس المكانة التي لطالما احتلتها الثقافة العربية في قلب القصائد منذ أول ما نظم الشعر. يعبر عن ذلك بالقول الذي يصرح بأن (الشعر ديوان العرب) ولأنه كذلك فإنه يحتوي بين دفّتيه كل ملامح الثقافة العربية الأصيلة التي تنعكس على مرآة اللغة في لسان الشعراء. ويضيف: "لذلك كان للشاعر في العصور السالفة من العصر الجاهلي إلى العصور الإسلامية اللاحقة مكانة سامية تتجلّى في نفوس المجتمع العربي. وذلك لأن الشاعر كان لسان هذا المجتمع الناطق باسمه وباسم ثقافته المتوراثة وعاداته وتقاليده جيلاً بعد جيل".
الشعر هو لسان الفخر لدى القبيلة، ولسان الحماسة في الحروب، ولسان الدعوة للدين، ولسان الحكمة والدعوة للأخلاق الحميدة كالدعوة إلى الكرم والشجاعة ونبذ البخل والجبن، ولسان المديح والهجاء. لذلك كان الشعراء يكتسبون المكانة العالية في نفوس العرب لما تحمل أشعارهم من مواضيع هي نابعة من أعماق هذه الثقافة العربية الأصيلة المتجذرة فيهم، ويتردد صدى أشعارهم في نفوسهم جيلاً بعد جيل تاركاً بصمةً واضحة على تأثير الشعر فيهم وتأثيرهم فيه من خلال عاداتهم ومكونات بيئاتهم الثقافية. يؤكد المناوس بأن كل ذلك متجذر في مخيلة ووعي الشاعر الذي هو ابن هذه البيئة.
أزمة اليوم
ثم يطل الشاعر على حال ثقافتنا العربية اليوم فيجدها متأزمة. فباعتقاده أننا نعيش أزمة "حرية". ويضيف: "الحرية والثقافة مفهومان متلازمان. وبالمحصّلة إذن نحن نعيش أزمة ثقافية من الجذور. فالحرية حجر الأساس للثقافة الإنسانية وأول أركان الإبداع. لذلك انعدام هذا الركن في ثقافتنا يؤثّر بشكلٍ سلبي على منجزنا الأدبي الإبداعي. لأن الكاتب حينها يكون مقيّدًا بسلاسل متينة من الثقافة المعلبة والأجوبة الجاهزة والتابوهات الاجتماعية والدينية والسياسية التي لا يستطيع أن يتجاوزها عندما يواجه الورقة البيضاء. هذه المساحة التي من المفترض أن تكون المساحة الحرة للمبدع. ولكنها في الحقيقة عندنا معاقة ومشروطة".
بين الأصالة والحداثة
للكلمات طاقة عظيمة. وقوّة الشاعر تكمن في كيفيّة استنطاق هذه الطاقة المكنونة في أعماقها بأدواته الخاصة. لذلك الرهان هنا بالنسبة للمناوس هو: "كما يقول الشاعر العراقي سركون بولص أنه كيف يستطيع الشاعر تناول المفردات القديمة وصوغها في سياقات جديدة في تراكيب مُبتدعة تتحدث عن حاضرنا وتلقي الضوء على ما يجري حاليًا. لذلك فإن وظيفة الذاكرة ليست بسيطة إذ لا يتعيّن على الشاعر أن يعرف الكلمات وحسب. إنما عليه أيضًا أن ينسى السياقات الكامنة فيها". وبهذا المعيار الذي اتخذه المناوس لنفسه وشعره نستطيع القول أنه من الممكن التوفيق بين الأصالة والحداثة الشعرية.
الثقافة ليست قضية الشاعر!
يعبر المهندس عدنان المناوس ابن الثقافة الأحسائية عن عقيدته الشعرية بشكل صريح وواضح، فهو يؤمن بأن قضية الشعر هي جوهر الشعر ذاته ولا غير. ويضيف: "تتنوع قضايا الشعراء بتنوع المسالك والمسارب التي يسلكونها في الحياة وتختلاف باختلاف الموروثات الثقافية التي تعجن طينة هؤلاء الشعراء. لذلك أنا لا أعتقد أنني أحمل قضية أخرى غير الشعر على كتفيّ أنتظر من يصلبني عليه! أحاول أن أتماهى مع الشعر, هذا الكائن الهلامي, لأفنى فيه وأولد منه من جديد صارخاً ما في الجبّة إلا الشعر..! وأنطق كما أراد لا كما أردت. لذلك مفهوم الشعر عندي ينطلق من هذه الرؤية التي تنبع من عمق الذات وترى الشعر بأنه مرآة لها".
تعدّ الثقافة عاملاً هامًّا في تصنيف المجتمعات والأمم، وتمييز بعضها من بعض، وذلك بالنظر لما تحمله مضمونات الثقافة من خصائص ودلالات ذات أبعاد فردية واجتماعية، وإنسانية أيضًا. إلا أننا قد لا نجد اليوم ثقافة أصيلة غير متأثرة، لذلك يعتبر المناوس أنه في ظل هذه العولمة أصبح العالم قرية واحدة كما يُقال وصرنا نعيش فيما يسميه البعض "ديموقراطية الثقافة" وسهولة انتقال المعلومات والتعرف على الحضارات بوسائل السوشيال ميديا بين الشعوب المختلفة ذات الثقافات المتعددة.
فلم يعد الشاعر هو "القناة الإعلامية والإذاعية" كما كان في العصور السابقة على حد تعبير المناوس الذي لا يعتقد أن هناك ما يدين به الشاعر اتجاه الشعر والناس غير نشر "الجَمال" كما تنشر الأزهار عبيرها في الآفاق. "الشاعر مدينٌ للشعر والجمال ولا شيء غير ذلك". يحسم الشاعر المسألة عند هذا القول.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان