من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي آل محسن
عن الكاتب :
وُلد عام ١٣٧٧هـ في مدينة سيهات، التحق بالمدارس الحكومية وبعد إنهاء المراحل الدراسية الثلاثة والتخرج من الثانوية التحق بالجامعة لدراسة الطب، ولكنه تركها عام ١٣٩٨ للهجرة إلى مدينة قم المقدسة لطلب العلوم الدينية. عاد إلى القطيف عام ١٤٠٥هـ ومن ثم هاجر إلى النجف الاشرف مطلع عام ١٤١٦هـ وحضر البحث الخارج عند فقهائها وعلمائها البارزين، من مؤلفاته: دليل المتحيرين في بيان الناجين، الردود المحكمة، من هو خليفة المسلمين في هذا العصر وغيرها

الجانب الذي لا يعرفه بعض المسلمين من الإسلام


الشيخ علي آل محسن

عندما نقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله مع أعدائه المحاربين له والمكذبين لدعوته من صناديد قريش وعُتات العرب، نجد أنه لم يبدأهم بقتال، ولم يجابههم بعنف ولا شدة، ولم يقابلهم بحرب كلامية، وإنما كانت دعوته لعامة الناس تتسم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وأما اللجوء إلى الحرب فكان آخر الحلول بعد أن يستنفد معهم كل الوسائل المتاحة لمهادنتهم، أو قبول الدعوة الإسلامية، أو الرضا بدفع الجزية، ولهذا لم يذكر التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد بالحرب من لم يقصده بسوء، أو عمد إلى حرب استنزاف تأكل الأخضر واليابس.
وكانت كل الحروب التي عزم عليها رسول الله صلى الله عليه وآله في سبيل الدعوة إلى دين الله تعالى أو كانت بأمره، تنتهي بمجرد عدم رغبة الأطراف الأخرى في الدخول معه في حرب، بقبولهم النطق بالشهادتين، أو دفع الجزية، من دون أي مفاوضات أو عراقيل في الأمر.
ومع وضوح هذه السيرة النبوية العطرة التي أوضحت طريقته صلى الله عليه وآله في التعامل مع أعداء الإسلام الذين كانوا يحاربونه ويقتلون أتباعه والمنتمين إليه، إلا أنا نرى أن بعض الجماعات الإسلامية التي تبنت باسم (الجهاد) قتل غير المسلمين المتواجدين في البلاد الإسلامية، لا يعطون من يقع في أيديهم من هؤلاء أي خيار، ولا يقبلون منهم النطق بالشهادتين، ولا الإقرار بكل العقائد الحقة، ولا ينجيهم منهم رغبتهم في دفع الجزية إليهم، أو دفع أي فدية أخرى أو غير ذلك، ولا يرضون منهم إلا بقطع رؤوسهم، من غير فرق بين من جاء إلى بلاد المسلمين مسالماً يطلب رزقه، أو سائحاً، أو تابعاً لغيره، أو جاء غازياً ومحارباً، مع أن قرار قتل هؤلاء أو عدم قتلهم من وظائف إمام المسلمين، فإنه كما يقرّر الحرب والسلم، كذلك يقرّر بحسب ما تقتضيه المصلحة من يستحق القتل ومن لا يستحقه بحسب الموازين الشرعية، ويقرّر كذلك الطريقة التي يقتل بها من كان مستحقاً للقتل، ولا حق لكل من هبَّ ودرج في اتخاذ أمثال هذه القرارات التي تتوقّف عليها المصالح العليا للمسلمين.
والغريب أن هذه الجماعات التي تبنّت قتل الكفار في العراق أو أفغانستان أو غيرهما من البلاد الإسلامية، يقتلون من المسلمين أضعاف من يريدون قتله من الكفّار، ومن المعلوم عند كل أحد أن قتل المسلمين الأبرياء غير جائز بأي مبرّر من المبرِّرات، ولا سيما إذا كان قتله بالسيارات المفخَّخة التي تستوجب تقطيعه إلى أشلاء، وتثير الرعب بين الآمنين، وتتلف أموال المسلمين الآخرين بغير وجه حق.

ثم إن هذه الجماعات كما تبنَّت باسم الجهاد قتل الوافدين إلى البلاد الإسلامية من غير المسلمين فإنها أيضاً تبنّت قتل أتباع الطوائف الأخرى، خصوصاً المنتمين إلى مذهب الشيعة الإمامية، بنفس الطريقة التي يُقتل بها الكفار الآخرون، بل صار قتلهم للشيعة هو هدفهم الأول، مع أن الشيعة لا يستهدفونهم بحرب ولا قتل.
ورغم تقطيع هذه الجماعات لرؤوس الشيعة المسالمين وأكلهم أكبادهم، إلا أنا لم نسمع في وسائل الإعلام المختلفة أن هذه الجماعات قامت بعملية واحدة لمحاولة قتل اليهود المحاربين الذين يبيدون الفلسطينيين كل يوم، ويهدمون بيوتهم، ويصادرون أرضيهم وبساتينهم، ويزجّون بالصغار والكبار منهم في السجون الإسرائيلية.
إن هذه الجماعات لم تفهم الإسلام بصورته الناصعة، ولم تتلمّس في تعاليم الإسلام جوانب الرحمة، والحب، والشفقة، والعدل، والمساواة، وفهمت فهماً مغلوطاً كلّ الآيات التي وردت في قتال الكفار كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ... ﴾ 1 ، وقوله سبحانه:﴿ ... أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 2، فطبّقوها على المسلمين، وانشغلوا بقتل المسلمين عن قتال الكافرين.

إن الإسلام هو دين الرحمة والسلام، وهو دين المحبّة والحرية، الذي كفل لكل الناس حقوقهم، وحفظ لهم كرامتهم، ولم يُكرههم حتى على قبول الإسلام نفسه، كما قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... ﴾ 3 .
لقد استطاع المسلمون الأوائل أن يَدْعوا إلى دين الإسلام بالحجة والدليل، لا بالسيف والإرهاب؛ لأن الإسلام هو الدين الوحيد من بين جميع الأديان المعروفة الذي يخاطب العقول، ويحث على التأمّل والتفكير، والإسلام لا يحتاج إلى السيف حتى يتوسّع وينتشر، ووصوله إلى أقاصي الدنيا لم يكن بحرب ولا بقوّة، وإنما كان بسبب أنه هو الدين الحق من بين سائر الأديان.
ومحاربة أعداء المسلمين لا تتحقّق بالعمليات الإرهابية في بلاد المسلمين، التي تطال الأبرياء الآمنين، وتهدر طاقات المسلمين، وتبدّد أموالهم، وتزعزع الأمن في بلادهم، وإنما تتحقّق ببث العلم والوعي بين المسلمين، والعمل على تجسيد مبادئ الإسلام في كل جانب من جوانب حياتهم.

ومن لا يقدر على مواجهة أعداء الإسلام بالحرب النظامية المعروفة، فليعرف كيف يداريهم، ويكف شرّهم عن بلاد المسلمين بالوسائل السلمية وبالطرق الدبلوماسية، وقد استفاد أعداء الإسلام من العمليات الإرهابية التي قامت بها الجماعات الإسلامية أكثر مما تضرّروا به؛ لأن الضرر قد لحق أفراداً قلائل منهم، وألوفاً كثيرة جدًّا من المسلمين، ولكنهم استفادوا تشويه صورة الإسلام في جميع أنحاء الدنيا، حتى صارت السمة الغالبة على المسلمين أنهم إرهابيون، قتلة، متوحّشون.
نسأل الله تعالى أن يرشد المسلمين إلى ما فيه صلاحهم، وأن يجمع كلمتهم، ويؤلّف بين قلوبهم، إنه سميع مجيب، قادر على ما يشاء، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

1. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 12
2. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 29، الصفحة: 515.
3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 256، الصفحة: 42.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد