قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

معنى (عرى) في القرآن الكريم

مصبا - عرى الرجل من ثيابه يعرى من باب تعب عريًا وعرية، فهو عار وعريان، وامرأة عارية وعريانة. وقوم عراة، ونساء عاريات، ويعدّى بالهمزة والتضعيف، فيقال أعريته من ثيابه وعرّيته منها، وفرس عري: لا سرج عليه، وصف بالمصدر ثمّ جعل اسمًا وجمع فقيل خيل أعراء، ولا يقال فرس عريان كما لا يقال رجل عري. واعرورى الدابّة: ركبها عريًا. وعري من العيب يعرى فهو عر من تعب: إذا سلم. والعراء: المكان المتّسع الذي لا سترة به.

 

مقا - عرى: يدلّ على خلو ومفارقة. من ذلك العريان، يقال منه قد عري من الشي‌ء يعرى، وجمع عار عراة. ويقال: المعاري اليدان والرجلان والوجه، لأنّ ذلك باد أبدًا. ومن الباب العراء كلّ شي‌ء أعريته من سترته.

 

صحا - العرا مقصور: الفناء والساحة، وكذلك العراة. والعراء بالمدّ: الفضاء لا ستر به. وعروى: هضبة. وعري من ثيابه.

 

التحقيق

 

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو فقدان السترة، ومن الباب : رجل عار من اللباس الساتر لبدنه وفرس عري من السرج. وهو عر من العيوب إذا لم تستره العيوب. والعراء المكان الذي لا سترة فيه من جدار أو سقف أو شجر.

 

ولا يخفى التناسب بين المادّة ومادّة عرو: فإنّ الوصول المبرم النافذ يكشف عن الحاجة إلى غرض مطلوب يريد تحصيله بهذا التوصّل والتوسّل فكأنّه عري يطلب سترة ليطمئنّ تحت ظلّه وحمايته.

 

{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145]. {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } [القلم: 49]. أي يطرح ويترك بالعراء سقيمًا ومذمومًا، ولم يتداركه نعمة ولطف‌ من الربّ تعالى. يراد توبة يونس في بطن حوت وتسبيحه. والعراء: المكان الوسيع الذي لا سترة فيه تستر عن الحرارة والبرودة.

 

{فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 117 - 119]. الجوع هو فقدان ما به قوام البدن وقواه إذا تحلّل الغذاء، فإنّ قوام قوى البدن بالغذاء. والعري هو الخلو من الساتر في ظاهر البدن. فالعري فيه حاجة في ظاهر البدن. والجوع فيه حاجة في القوى الداخليّة، والافتقار في كلّ منهما إلى أمر خارجيّ من البدن.

 

وأمّا في الجهة الروحانيّة: فإنّ الغذاء واللباس للروح إنّما يتكونان من نفس الروح لا من الخارج. فغذاء الروح: هو التوجّه والإقبال والارتباط والاستفاضة وشهود المعارف. ولباسه: هو التقوى والورع والطاعة والعبوديّة والزهد. فإذا كان الإنسان ذا حياة روحانيّة وله وجهة إلى الحقّ والحياة الآخرة: فغذاؤه ولباسه من نفسه، لا يحتاج إلى أمر خارجيّ عن وجوده. وأمّا إذا كان متوغّلاً في الحياة الدنيا: فيحتاج إلى غذاء خارج وإلى لباس يتحصّل من الخارج.

 

وتدلّ هذه الآيات الكريمة على أنّ آدم خلق أولاً على مادّة لطيفة ملكوتيّة لا تجوع ولا تظمؤ ولا تعرى ولا تضحى بمقتضى خلقته وحياته، وكان محيط حياته روحانيًّا مستغرقًا في اللاهوت.

 

ثمّ لمّا تجاوز عن حدود الملكوتيّة وخرج عن محيط تلك الجنّة النورانيّة الزاكية القادسة، بالتأثّر بوساوس الشيطان: فهبط عنها، ووقع تحت نفوذ عالم المادّة الظلمانيّة الكثيفة، وصار جسمه بتأثير المحيط ظلمانيًّا كثيفًا مادّيًّا، ولحقته آثار الحياة الدنيا ولوازمها.

 

وهذا بحث يطول ذيله، ويلخّص في أنّ البدن يتبع الروح، بل هو أثر وتجلّى وظهور من الروح القاهر الحاكم النافذ. {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام : 9].

_________________________

 - مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ  .

‏- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، 6 ‏مجلدات ، طبع مصر . 139 ‏هـ. 

‏- صحا = صحاح اللغة للجوهري ، طبع ايران ، 1270 ‏هـ .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد