المترجم: عدنان أحمد الحاجي
الحب، ميكانيكا الكم، حالة الطقس البارحة - يناقش الناس هذه العنواين المجردة، بالإضافة إلى أشياء مجردة أخرى كثيرة، بالرغم من أنهم لم يرونها. تشير دراسة جديدة (1) إلى أن الرضّع يبدأون بتطوير هذه القدرة مبكرًا. حتى الأطفال بسن 15 شهرًا يستطيعون معرفة أشياء من أسمائها من غير الحاجة إلى رؤيتها، وفقًا لدراسة أجرتها إيلينا لوشكينا Elena Luchkina، باحثة في مختبر إليزابيث سبيلكي Elizabeth Spelke في قسم علم النفس بجامعة هارفارد، وساندرا واكسمان Sandra Waxman، أستاذة علم النفس ومديرة مركز تنمية الرضع والأطفال بجامعة نورث وسترن.
في هذه المقابلة مع صحيفة غازيت التي تصدرها الجامعة، تناقش لوشكينا كيف استنتجت ما يفكر فيه الرضّع، ولماذا يمكن أن تساعد دراستها في علاج صعوبات التعلم، وما إذا كانت القدرة على الحديث (تداول الكلام) عن أشياء غير مرئية تُميزنا كبشر عن عالم الحيوان.
هل البشر هم الوحيدون في عالم الحيوان الذين لديهم القدرة على الحديث عن أشياء لا يرونها؟
هذا قابلٌ للنقاش، والإجابة تعتمد على من توجه له السؤال. هناك قرائن على أن القردة العليا تستطيع التواصل فيما يبينها عن أشياء غير موجودة (أو غير مرئية) في محيطها، ولكن بشكلٍ محدود. على سبيل المثال، إذا أريتَ قردًا شيئًا ثم أخفيته عنه بسرعة، فقد يستطيع الإشارة إلى المكان الذي رآه فيه للتو. أو قد يطلب طعامًا غير موجود في ذلك الوقت حوله. لكن هذا يختلف عن كيف نتواصل لغويًّا (نتكلم) نحن البشر بشأن الأشياء الغائبة عنا أو غير المرئية لنا.
القدرة على تصور أو تمثيل شيء ذهنيًّا غير مرئي لنا ومعرفة اسمه قد تكون حجر الزاوية لتطور الكلام عن مفاهيم مجردة وأكثر تعقيدًا مستقبلًا.
لكننا لا نولد بهذه القدرة. فبحلول أعياد ميلادهم الأولى، تصبح قدرة معظم الأطفال بنفس مستوى قدرة القردة على التواصل المحدود بشأن الأشياء غير المرئية - أي فقط الإشارة إلى الأماكن السابفة للأشياء التي رأوها فيها مؤخرًا، مثل كرة أخفتها أمهاتهم للتوّ عنهم. وهذه تعتبر قفزة نوعية في هذه القدرة. بيد أن هذه القدرة على الإشارة إلى أشياء رأوها مؤخرًا تختلف عن القدرة على الإشارة إلى أشياء لم يروها قط أو عن أشياء مجردة. عادةً ما تظهر هذه القدرة لدى الأطفال عند بلوغهم السنة الثانية، والتي عندها يبدأون بالحديث عن أشياء، مثل تغيب مقدمي الرعاية (أو أحد الوالدين) عن الحضور وما سيحدث غدًا. آمل أن أفهم كيف ومتى تظهر هذه القدرة لدى الأطفال.
كيف استطعتم تحديد السن الذي يستطيع فيه الأطفال معرفة معاني كلمات جديدة دون أن يروا الأشياء المرتبطة بها؟
نعمل مع أطفال صغار جدًّا لا يعرفون إلّا بضع كلمات غريبة هنا وهناك، لذلك تتبعنا حركات أعينهم لاستنتاج ما يعرفونه وما يفكرون فيه.
أثناء الجزء التدريبي من التجربة، عرضنا على الأطفال مقطع فيديو لممثلة التفت يمينًا ويسارًا وقليلًا إلى الخلف وذكرت أشياء باسمها ظهرت فجأة على شاشة خلفها. على سبيل المثال، إذا ظهرت صورة تفاحة على الشاشة، كانت تقول: "انظروا، إنها تفاحة!". كررت ذلك ثلاث مرات، وذكرت ثلاثة أشياء بأسمائها من صنف معين، مثلًا: من صنف الفاكهة. في المرة الرابعة، ظهر نوع فاكهة خلف الممثلة بحيث لم يستطع الرضيع رؤيته. بدلًا من استخدام الاسم الحقيقي لذلك النوع من الفاكهة، استخدمت الممثلة كلمة إنجليزية غير مفهومة ولا معنى لها، مثل: "انظروا، إنها بليكت blicket!"
أخيرًا، خلال الاختبار، ظهر شيئان فجأة على شاشة - أحدهما نوع من الفاكهة ظننّا أنها غير مألوفة لمعظم الأطفال المشتركين في دراستنا، مثل فاكهة التنين (وتعرف أيضًا بفاكهة البتايا (2)). والآخر شيء غير ذي صلة، مثل صورة عثمانية (وهي قطعة أثاث (3)) أو صورة سيارة. ثم قلنا للطفل: "أين البليكت blicket!"، وتتبعنا مدة نظر الطفل إلى كلا الشيئين المعروضين على الشاشة. إذا نظر الطفل إلى الفاكهة لفترة أطول من قطعة الأثاث التي لا صلة لها بالفاكهة، استنتجنا أنه فهم البليكت على أنها نوع من الفاكهة، حتى دون الحاجة إلى رؤيتها، لأن الأشياء الثلاثة الأخرى التي ذكرتها الممثلة في التجربة الأولى (انظر أعلاه) كانت أنواعًا من الفاكهة.
كررنا هذه التجربة عدة مرات مستخدمين أصنافًا مختلفة من الأشياء، وساعدتنا شروط التحكم في التجربة من الثقة في النتائج التي حصلنا عليها من هذه التجارب.
وماذا تعلمتم؟
كان الأمر المثير للاهتمام بالفعل هو أن الأطفال في سن 15 شهرًا تمكنوا من العثور على البليكت، ولكن الأطفال في سن 12 شهرًا لم يستطيعوا ذلك. قد يكون ذلك لأن الأطفال في سن 12 شهرًا ليس لديهم مدى الانتباه المطلوب بعد [مدى الانتباه هو الفترة الزمنية التي يستطيع فيها الطفل تركيز انتباهه على شيء واحد فقط (3)] أو سعة الذاكرة (4) (أقصى كمية معلومات يمكن تخزينها في الذاكرة قصيرة الأمد (5) ويمكن استدعاؤها] لإكمال المهمة [للعثور على البلينكت]. أو ربما لم تتطور قدرة الأطفال في سن 12 شهرًا على تكوين تمثيل عقلي (صورة ذهنية (6)) للشيء ما لم يروه، بينما الأطفال في سن 15 شهرًا وصلوا إلى مستوى من النضج الإدراكي بما يكفي للاستدلال على الشيء حتى لو لم يروه.
عندما حاول باحثون الإجابة على هذا السؤال في الماضي، أفادت أبحاثهم بأن الأطفال لابد أن يكونوا بسن يتراوح ما بين 19 شهرًا إلى 24 شهرًا قبل أن يتمكنوا من ربط الشيء باسمه ما لم يروه. لذلك وجدنا أن الأطفال يملكون هذه القدرة في سن أصغر مما كان يُعتقد سابقًا.
في الورقة البحثية التي نشرتموها، قارنتَم قدرة الرضيع على التعرف على "البليكت" بقدرة الراشد (20 سنة وأكبر] على مناقشة مفاهيم معقدة، مثل العدالة أو الجذر التربيعي لعدد سالب. ما العلاقة؟
صحيح - لن يناقش الرضع أعداد تخيلية [عدد سالب تحت الجذر التربيعي (7)] في ذلك السن. لكن القدرة على تصور شيء لا يرونه وربطه باسمه قد تكون حجر الأساس للقدرة على الحديث عن مفاهيم مجردة أكثر تعقيدًا. كما يفعل الراشدون، يُكوّن الرضع في دراستنا تمثيلًا عقليًّا [صور ذهنية يحدثها العقل للأشياء التي لا تستطيع الحواس الإحاطة بها (5)] لأشياء لم يروها في ذلك الوقت، لكنهم يحتفظون بها في أذهانهم ويستطيعون استرجاعها وربطها بأسمائها.
ما الخطوة التالية في هذه الدراسة؟
نود أن نعرف ما إذا كان الأطفال الذين كانوا أفضل في التعرف على البليكت في سن 15 شهرًا هم أيضًا الأكثر قدرة على التعرف على أشياء من اللغة وحدها عند بلوغهم سن 24 شهرًا. إذا كان الأمر كذلك، فقد يعني ذلك أن القدرة المبكرة على معرفة الأشياء بدون رؤيتها تمثل الأساس لتعلم الأطفال من خلال اللغة وحدها في مراحل لاحقة من حياتهم [التعلم من اللغة وحدها ينطوي على استخدام اللغة كأداة لاكتساب المعرفة وتعلم مواضيع مختلفة في العلوم والرياضيات والتاريخ والهندسة وغيرها (8)].
ما التطبيقات الممكنة لهذه الدراسة؟
إذا كان أداء الرضع بسن 15 شهرًا الأفضل [أثناء تجربتنا] كانوا كذلك في التعلم من اللغة وحدها في سن 24 شهرًا - فهذا يعود في الحقيقة إلى قدرتهم على التعلم من اللغة وحدها ولا يعود إلى عوامل أخرى كالذاكرة أو الانتباه - فقد تكون مهمة "العثور على البليكت" حينها مفيدة كأداة تشخيصية لصعوبات التعلم من اللغة وحدها. تشخيص هذه المشكلات (الصعوبات) مبكرًا قد يمنحنا الفرصة لتصميم تدخلات من شأنها تذليل هذه الصعوبات قبل أن تؤدي إلى مشكلات في المدرسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/فاكهة_التنين
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/عثمانية_(أثاث)
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/مدى_الانتباه
4- https://www.sciencedirect.com/topics/computer-science/memory-capacity
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_قصيرة_الأمد
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/تمثيل_عقلي
7- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/عدد_تخيلي
8- https://rm.coe.int/16806adb7f
المصدر الرئيس
https://news.harvard.edu/gazette/story/2025/06/out-of-sight-but-not-out-of-mind/
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد منير الخباز القطيفي
السيد جعفر مرتضى
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
الشيخ علي الجشي
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
سبب تخلّف ابن الحنفية عن أخيه الحسين (عليه السلام)
في أي سنّ يستطيع الطفل ربط الأشياء بأسمائها حتى لو لم يسبق له رؤيتها؟
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (3)
يوميّات الإمام الحسين (ع) في كربلاء (2)
كيف نستفيد من عاشوراء؟ (2)
إلّا الحسين (ع)
حملة التّبرّع بالدّم (وبها نحيا) بنسختها الخامسة
الأدب الحسينيّ، المناخات الفكريّة والثّقافيّة، محاضرة للشّيخ محمّد أبو زيد خلال إحياء عاشوراء في القطيف
كيف نستفيد من عاشوراء؟ (1)
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}