الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي ..
.. من هذه المفاهيم، ما يُعرَف بـ «الغَزو الثّقافي»، وذلك لأنّه يأتي صنو «الغَزو العسكري» في أهدافه السِّياسيّة، وفي أضراره المدمّرة للثّقافة الإسلاميّة كَفِكر ديني، ومن ثَمّ لحياة المسلمين كمجتمع ودولة.
ويدخل الغزو الثّقافي كمفهوم -ومن ناحية منهجيّة- ضمن موضوع (الجهاد الإسلامي)، الذي هو من جملة موضوعات الفقه الإسلامي، فكما يلزمُنا الدّفاع لِصَدّ الغزو العسكري، كذلك يلزمنا الدّفاع لِصَدّ الغزو الثّقافي، لوحدة المبرِّر الشّرعي لذلك الموجود في كليهما، وهو الأهداف الواحدة والأضرار الواحدة.
لهذا كان على الفقهاء -لا سيّما المعاصرين منهم- أن يُدرجوه في قائمة محتويات الجهاد الإسلامي، ولكن هذا لم يحدث، في الوقت الذي لم يكن الغزو ضدّ الإسلام كَدِين، وضدّ المسلمين كَأمّة ليتوقّف، لا سيّما الثّقافي منه، والذي يستهدفُ الغُزاةُ منه العقيدةَ الإسلاميّةَ في الصّميم.
وبان لنا بوضوح بعد قيام الثّورة الإسلاميّة المباركة في إيران هذا الذي ألمحتُ إليه، فقد صدر خلال السّنوات العشر الأولى من عمر الثّورة أكثر من مائتي كتاب ضدّ الفكر الإمامي.
والآن وبعد مرور ما يزيد على [ثلاثة عقود] من عمر الثّورة الإسلاميّة، تصدر العشرات من الكُتُب باللّغة العربيّة وغير العربيّة، وبأقلام عربيّة وغير عربيّة، موضوعها كما يعرب عن ذلك جلُّ عناوينها: «نقد الفكر الدِّيني»، و«نقد العقل الإسلامي» و«نقد النّصّ الدِّيني»، إلخ.
وهنا أقول: كما كانت الثّورة الإسلاميّة سبباً عند هؤلاء للهجوم على الفكر الإمامي بخاصّة، والفكر الإسلامي بعامّة، لِتكُن سبب انفتاحٍ عندنا على هذه المفاهيم فنقوم بالبحث فيها، ودراستها، ونقول كلمةَ الفقه فيها، فنتوسّعَ في مجالات الاجتهاد إلى ما يشملُ هذه المفاهيم وأمثالها.
التّسمية
في الغالب يسمّى هذا الزّحف الثّقافي بـ «الغزو الثّقافي». وقد يُطلق عليه عنوان «الغزو الفكري». ويُعرَف أيضاً باسم «الإمبرياليّة الثّقافيّة».
وكلّ هذه الأسماء وأمثالها تلتقي عند مفهوم واحد هو الاستعمار الثّقافي، والذي قد يُطلق عليه للتغطية عنوان: «التّطبيع الثّقافي»، والذي وُلد ونما في أحضان الاستعمار الجديد.
الاستعمار
كلمة (استعمار) ترجمة عربيّة لكلمة (Colonialism) الإنجليزيّة، وقد أصبح معنى الاستعمار -نتيجة إبتلاء كثيرٍ من الدُّول الصّغيرة به- من المعاني المعروفة.
ومن خلال واقعه المعيش فإنّه يعني التّسلّط القهري -أي بالقوّة- من قِبَل دولة قويّة على أخرى ضعيفة، بغيةَ إخضاعها للنّفوذ السِّياسي، أو من أجل استغلال ثرواتها، وهو ما يُسمّى بالتّسلّط الاقتصادي أو الاستعمار الاقتصادي. وقد يكون الاستعمار عسكريّاً، وقد يكون حضاريّاً وثقافيّاً. وفي الغالب تنحصر مظاهرُه في التّسلُّط الاقتصادي والتّسلُّط الدِّيني. كما أنّه في الغالب يعمل على تغيير الهويّة الحضاريّة للدّولة المُستعمَرة، ويأتي هذا عن وسيلة الغزو الثّقافي.
الاستعمار الجديد: يمكننا أن نطلق عليه مقابل الاستعمار القديم (وهو الغزو والاحتلال العسكري المباشر، وقد انحسر بعد الحرب العالميّة الثانية، لتشهد الدول المستعمَرة شكلاً جديداً من الاستعمار) بأنّه التّسلّط غير المباشر، أي إنّه مغلّف بغلاف الاستقلال الموهوم.
جاء في (موسوعة المورد): «الاستعمار الجديد: ضربٌ مبطَّنٌ من الاستعمار يتمثّل في محاولة الدُّوَل الكبرى الاحتفاظ بسيطرتها العمليّة على المستعمرات السّابقة، وذلك عن طريق بسط نفوذها الاقتصادي أو العسكري أو الثّقافي عليها».
وفي (معجم المصطلحات السّياسيّة والدّوليّة): «الاستعمار الحديث: فرْضُ السّيطرة الأجنبيّة من سياسيّة واقتصاديّة على دولةٍ ما، مع الاعتراف باستقلالها وسيادتها دون الاعتماد في تحقيق ذلك على أساليب الاستعمار التقليديّة، وأهمّها الاحتلال العسكري، ويعتبَر نظام المحميّات والدُّول تحت الوصاية من أشكال الاستعمار الحديث. كما يُطلَق على هذا الأسلوب الاستعماري مصطلح (الإمبرياليّة الجديدة).
ويستخدم الاستعمارُ الحديث في تحقيق أغراضه وسائلَ خاصّة لتحاشي المعارضة الشّعبيّة الصّريحة، أو معارضة الرّأي العامّ العالمي. ومن ذلك عقدُ الاتّفاقيّات الثّنائيّة غير المتكافئة، وتكبيل الدُّول النّامية بشروط تحرمُها من حرّيّة التّصرّف، وإقامة القواعد العسكريّة، إلخ».
الغزو الثّقافي
الغزو الثّقافي مصطلح سياسي حديث وُلد في أحضان الاستعمار الجديد بعد الحرب العالميّة الثّانية. ويرجع هذا إلى أنّ الاستعمار الجديد يركِّز في أهدافه على الجانبَين المهمَّين في حياة أبناء البلدان الخاضعة لنفوذه، وهما الجانب الاقتصادي والجانب الثّقافي، وذلك عن طريق استغلال الثّروات بمختلف أنواعها لصالحه، ومَحو الهويّة الثّقافيّة لتحلَّ محلَّها ثقافتُه، وفي حدود ما يحقِّق له هدفَه من فصل المواطنين عن ثقافتهم وربطِهم بثقافته، لِتَتمَّ له استمراريّةُ الإخضاع، فالنّفوذ الشّامل.
والغزو -هنا- يعني زحف الثّقافة الاستعماريّة على ثقافة أبناء البلد المغزوّ، كما تزحف العساكرُ الإستعماريّة لاحتلاله.
أمّا الثقافة فيُراد بها ما يُعطي لأبناء المجتمع ولكيانهم السّياسي، الهويّةَ الخاصّة المميِّزة لهما من سواهما. ومن هنا يتمثّل الهدف الاستعماري من الغزو الثّقافي في محو الهويّة الثّقافيّة لمجتمع البلد المغزوّ ولدولتِه. فالمَحوُ الثّقافي، هو هدف الغزو الثّقافي.
ولا أخال أنّ في المسلمين -وهم يتابعون وسائل الإعلام على اختلاف أنماطها وجنسيّاتها- مَن لا يدرك أنّ هناك زحفاً ثقافيّاً يستهدف الكيانات المسلمة في ثقافتها الإسلاميّة، في مجالات التّعليم، ومجالات التّربية، ومجالات الإعلام، وفي سواها.
وبعد هذا، علينا أن نفرِّق بين المفاهيم الأربعة الآتية، لنحدِّد بالضبط ما نعنيه بالغزو الثّقافي، ولنبتعد عمّا وقع فيه غيرُ واحدٍ من الخَلط بينها، وهي:
1- الغزو الثّقافي.
2- التّبادل الثّقافي.
3- التّغيير الثّقافي.
4- التّطبيع الثّقافي.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع