علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، عضو مجلس خبراء القيادةrn مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي

الصفات السلبية والثبوتيّة (2)

الصفات الثبوتيّة

الصّفات الثّبوتيّة هي كلّ صفة تُثبت كمالاً مطلقاً دون استلزامها نسبة نقص أو تحديد للذّات الإلهيّة، فكلّ صفة تحمل هذه الخصائص يجب إثباتها لله تعالى.

وتنقسم الصّفات الثبوتية إلى قسمين هما:

1 - الصّفات الذّاتيّة. 2 - الصّفات الفعليّة.

1. الصّفات الذّاتيّة

وهي مفاهيم منتزعة من مقام الذّات الإلهيّة بلحاظ وجدانها لنوع من أنواع الكمالات، وأهمّ الصّفات الذّاتيّة: الحياة، العلم، القدرة.

ومن خصائصها أنّه ليس لها وجود غير وجود الذّات، بل هي عين الذات، فهي واحد وجوداً ومصداقاً، والاختلاف بينها على مستوى المفهوم فقط، والاختلاف المفهومي كافٍ في المغايرة، ولا يلزم منه التكثّر في الذات.

2. الصّفات الفعليّة

وهي مفاهيم تُنتزع من نوع علاقة وارتباط بين الله تعالى- ومخلوقاته، فهي مفاهيم إضافيّة تُمثّل الله تعالى- والمخلوقات طرفي الإضافة فيها، كالخالقيّة والرازقيّة وغيرها، وليس لفعل الخالقيّة وجود عينيّ، فالموجود فعلاً هما طرفا الإضافة، أيّ: الله تعالى- والمخلوقات لا غير، وأمّا (الخلق) كـ (فعل) فهو مفهوم إضافيّ نسبيّ يُنتزع من مقام الفعل لا غير.

 

إثبات الصّفات الذّاتيّة

لإثبات الصّفات الذّاتيّة دليل عامّ يجري فيها جميعاً، إضافة إلى أنّ لكلّ صفة أدلّة خاصّة بها يأتي بيانها، والدّليل العامّ هو القاعدة البديهيّة القائلة: إنّ فاقد الشّيء لا يُعطيه، وبيانه:

إنّ هذه المفاهيم أي: -الحياة والعلم والقدرة- حينما تُستخدم في المخلوقات، تُعبّر عن كمالاتها، فيلزمها إذاً أن توجد بمرتبتها الكاملة في العلّة الموجِدة، إذ كلّ كمال يوجد في أيّ مخلوق، فهو مستمدّ من اللَّه تعالى-، لأنّه العلّة الموجِدة، فلا بُدَّ أنْ يكون اللَّه تعالى- الخالق واجداً له، حتّى يمكنه إفاضته وإعطاءه للمخلوق، ولا يمكن لمن يخلق الحياة أن يكون فاقداً لها، أو لمن يفيض العلم والقدرة للمخلوقات أن يكون جاهلاً عاجزاً، لأنّ فاقد الشّيء لا يُعطيه.

إذاً فوجود هذه الصّفات الكماليّة في بعض المخلوقات دليل على وجودها في الخالق تعالى-، ولكن من دون أن يكون فيها نقص أو تحديد، أي أنّ اللَّه تعالى- يتوفّر على الحياة والعلم والقدرة اللّامتناهية.

1. العلم

مفهوم العلم من أكثر المفاهيم وضوحاً وبداهة، ولكنّ مصاديق هذا المفهوم الّتي نعرفها في المخلوقات، هي مصاديق ناقصة محدودة، ومفهوم العلم بهذه الخصائص الّتي تتّصف بها المخلوقات ككونه زائداً على الذات مثلاً لا يُمكن أنْ يصدق على اللَّه تعالى-، ولكنّ العقل -وكما ذكر سابقاً- يُمكنه أنْ يتصوّر لهذا المفهوم الكمالي مصداقاً ليس فيه أيّ نقص أو تحديد، وهو عين ذات العالم، وهذا هو العلم الذّاتي للَّه تعالى-.

ويُمكن إثبات علم اللَّه تعالى- -بالإضافة للدليل العامّ المتقدِّم- من طرق عديدة نكتفي بواحد منها، وهو: الاستعانة على إثبات ذلك بدليل النّظام(1)  حيث سبق القول إنّ الأثر يدلّ على المؤثّر وعلى جملة من خصوصيّاته، فإنّ أيّ ظاهرة أو مخلوق كلّما ازداد دقّة وإحكاماً وإتّقاناً في النّظام، ازداد دلالة على علم خالقه، كما هو الملاحظ في الكتاب العلمي، أو القصيدة الرّائعة، حيث تدلّ على مدى ما يملكه مبدعها من ثقافة وذوق وخبرة، ولا يمكن لعاقل أن يتصوّر أنّ الكتاب العلميّ أو الفلسفي قد كتبه شخص جاهل غير مثقّف. إذاً فكيف يحتمل أن يخلق هذا الكون العظيم بكل ما فيه من أسرار ونظام مدهشٍ موجودٌ غير عالم!

إشارة: إنّ للاعتقاد والإيمان بالعلم الإلهي وسعته دوراً كبيراً في بناء شخصيّة الإنسان، ولذلك كان تأكيد القرآن الكريم وتشديده على هذه الحقيقة، ومن الآيات الشّريفة في ذلك قوله تعالى-: ﴿يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ﴾(2).

. القدرة

تُطلق القدرة على الفاعل الّذي يؤدّي عمله بإرادته واختياره. إذاً فالقدرة عبارة عن: كون الفاعل المختار هو المبدأ والمصدر لأفعاله. وكلّما كان الفاعل أكثر تكاملاً من حيث المرتبة الوجوديّة كان أكثر قدرة، لأنّ الوجود هو منبع الكمال، وبطبيعة الحال فالموجود الّذي يتوافر على الكمال اللّامتناهي له قدرة غير محدودة، قال تعالى-: ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(3)، ويُعدّ وجود النّظام، والإتقان، والإحكام دليلاً على قدرة اللَّه تعالى-.

تنبيهات حول القدرة

بمناسبة الكلام عن القدرة يجب التأكيد على عدد من الملاحظات:

أ. إنّ الشيء الّذي تتعلّق به القدرة لا بُدَّ أنْ يكون ممكن التّحقّق، لأنّ الشّيء المحال في ذاته(4)، أو المستلزم للمحال(5)، لا تتعلّق به القدرة، وهذا ليس من جهة قصور القدرة في الفاعل، بل من جهة عدم قابليّة المستحيل للتحقّق، وإلّا لما كان مستحيلاً، كوجود إله آخر، أو أن يُخلق الابن قبل أبيه. وبعبارة علميّة "إنّ العجز في قابليّة القابل لا في فاعليّة الفاعل". وقد جاء في الرواية أنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: "هل يقدر ربّك أن يُدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال: إنّ الله -تبارك وتعالى- لا يُنسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون"(6).

ب. إنّ القدرة على كلّ شيء لا تُلزم صاحبها أن يُحقّقَ كلّ الأعمال الّتي يقدر عليها، وإنّما يُحقّق الأعمال الّتي يريدها، واللَّه تعالى- حكيمٌ لا يريد إلّا الأفعال الصّالحة والحكيمة، ولا يُحقّق إلّا مثل هذه الأعمال، وإن كان قادراً على الأعمال القبيحة والمنكرة أيضاً فإن لم يفعل القبيح والمنكر كالظلم والتكليف بما لا يُطاق، فليس لأنّه غير قادر، بل لأنّ فعل القبيح منافٍ للحكمة والكمال اللامتناهي. وسيأتي الكلام حول الحكمة الإلهيّة.

ج. إنّ القدرة بالمعنى الّذي ذكرناه، متضمّنة للاختيار أيضاً، فكما أنّ الله تعالى- يملك أكمل مراتب القدرة وأرقاها، كذلك يملك أكمل مراتب الاختيار، ولا يمكن لأيّ عامل أو ظرف أن يقهره ويُجبره على القيام بعمل، أو أن يسلب منه الاختيار، وذلك لأنّ وجود كلّ موجود وقدرته مستمدّة منه تعالى-، ولا يمكن أن يكون مقهوراً للقوى والقدرات الّتي أفاضتها ذاته تعالى- لغيره.

3. الحياة

لا شك أنّ الحياة النباتية غير الحياة الحيوانية في الكيفية، وهكذا سائر المراتب العليا للحياة. ولكن ذلك لا يجعل كلمة الحياة لفظاً ذا معانٍ متعدّدة، وإنما هو لفظ ذو معنى واحد.

توضيحه: إنّ الحياة المادّية في النبات والحيوان والإنسان - بما أنّه حيوان تقوم بأمرين، هما عبارة عن:

الأول: الفعل والانفعال، والتأثير والتأثّر . ويمكن أن نرمز إلى هذه الخصيصة ب‍ "الفعالية".

الثاني: الحسّ والإدراك بمعناه البسيط. ولا شك أنّه متحقّق في أنواع الحياة الطبيعية حتى النبات. فقد كشف علماء الطبيعة عن وجود الحس في عموم النباتات، وإن كان القدماء من العلماء الطبيعيين يقولون بوجوده في بعضها كالنخل وغيره. ويمكن أن نرمز إلى هذه الخصيصة ب‍ "الدراكية".

فتصبح النتيجة أنّ مقوّم الحياة في الحياة الطبيعية بمراتبها المختلفة هي الفعالية والدراكية، بدرجاتهما المتفاوتة ومراتبهما المتكاملة. نعم، لا يصح أن تُطلق الحياة على النبات والحيوان إلا بالتطوير لوجود البون الشاسع بين الحياتين، فالذي يُصحّح الإطلاق والاستعمال بمعنى واحد هو عملية التطوير بحذف النواقص والشوائب الملازمة لما يناسب كلًّا من النبات والحيوان.

وعلى أساس ما تقدّم يصحّ إطلاق الحياة على الإنسان، بما هو إنسان لا بما هو حيوان، والمصحّح للإطلاق هو عملية التطوير، فأين الفعل المترقّب من الحياة العقلية في الإنسان من فعل الخلايا النباتية والحيوانية! وأين درك الإنسان للمسائل الكلية والقوانين الرياضية من حس النبات وشعور الحيوان! ومع هذا البون الشاسع بين درجات الحياة، نصف الكل بالحياة، ونُطلق "الحي" بمعنى واحد عليها. وليس ذاك المعنى الواحد إلا كون الموجود "فعّالاً" و "درّاكاً" ولكن فعلاً ودركاً متناسباً مع كل مرتبة من الحياة. وباختصار، إنّ ملاك الحياة الطبيعية هو الفعل والدرك، وهو محفوظ في جميع المراتب، ولكن بتطوير وتكامل.

فإذا صحّ إطلاق الحياة بمعنى واحد على تلك الدرجات المتفاوتة، صحّ إطلاقها على الموجودات الحيّة العلوية لكن بنحو متكامل. فاللَّه -سبحانه- حيٌّ بالمعنى الذي تُفيده تلك الكلمة، لكن حياة مناسبة لمقامه الأسمى، بحذف الزوائد والنواقص والأخذ بالنخبة والزبدة واللب والمعنى، فهو سبحانه حيٌّ أي "فاعل" و "مدرِك"، نعم لا كفاعلية الممكنات وإدراكها.

 

دليل حياته سبحانه

لا نحتاج في توصيفه سبحانه بالحياة إلى برهان بعد الالتفات إلى أمرين:

الأول: إنّه قد ثبت بالبرهان أنّه سبحانه عالم وقادر.

الثاني: إنّ حقيقة الحياة في الموجودات العلوية، لا تخرج عن كون المتصف بها فاعلاً ومدركاً.

فإذا تقرّر هذان الأمران تكون النتيجة القطعية أنّه سبحانه، بما أنّه عالم وقادر، درّاك وفعّال، فهو حيّ، حياة تناسب كماله المطلق(7).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد تقدم شرحه في أدلّة إثبات وجود اللَّه تعالى.

(2) سورة غافر، الآية 19.

(3) سورة البقرة، الآية 20.

(4) المحال في ذاته: هو ما كان نفس فرضه محال، كشريك -الباري تعالى-، واجتماع النقيضين وارتفاعهما.

(5) المستلزم للمحال: هو ما كان نفس فرضه ليس بمحال، ولكن بما أنه يستلزم المحال، فيصبح محالاً، لأنّ المستلزم للمحال محال، ومثاله: تفويت المصلحة على العبد من قِبل اللَّه تعالى أو إلقائه في المفسدة، إذ إنّ هذه الأمور يمتنع صدورها من الحكيم لا أنّها مستحيلة ذاتاً.

(6) الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، التوحيد، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران -قم، لا.ت، لا.ط، ص130.

(7)  انظر: السبحاني، جعفر، محاضرات في الإلهيات، مؤسسة الإمام الصادق c، إيران -قم، لا.ت، لا.ط، ج1، ص153-157.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد