قرآنيات

هل يعلم التأويل غير اللّه؟

 

الشيخ محمد هادي معرفة .. 
سؤال إثارته ظاهرة الوقف على (إلا اللّه) من قوله تعالى: ﴿وما يعلم تأويله إلا اللّه﴾ ثم الاستئناف لقوله: ﴿والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾ (1).
وما ورد في بعض الأحاديث من اختصاص علم التأويل باللّه تعالى، وأن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، وإنما يكلون علمه إلى اللّه سبحانه، من ذلك ما ورد في خطبة الأشباح من كلام مولانا اميرالمؤمنين (ع):
(فانظر أيها السائل، فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضئ بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبى (ع) وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى اللّه سبحانه فإن ذلك منتهى حق اللّه عليك).
(واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين) (2).
هذه الخطبة من جلائل الخطب وأعلاها سنداً، فلا مغمز في صحة إسنادها، وإنما الكلام في فحوى المراد منها.
وقد أجمع شراح النهج (3) على أن مراده (ع) بهذا الكلام هو الصفات، وأن صفاته تعالى إنما يجب التعبد بها والتوقف فيها دون الولوج في معرفة كنهها، إذ لا سبيل إلى معرفة حقيقة الصفات، كما لا سبيل إلى معرفة حقيقة الذات.
حيث قوله (ع): (فما ذلك القرآن من صفته فائتم به، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه).
إذ من وظيفتنا أن نصفه تعالى بما وصف به نفسه في كلامه: سميع بصير، حكيم عليم، حى قيوم ولم نكلف الولوج في معرفة حقائق هذه الصفات منسوبة إلى اللّه تعالى، إذ ضربت دون معرفتها السدد والحجب، فلا سبيل إلى بلوغها، فيجب التوقف دونها.
إذن فلا مساس لكلامه (ع) هنا، مع متشابهات الآيات التي لا ينبغي الجهل بها للراسخين في العلم، حيث تحليهم بحلية العلم هي التي مكنتهم من معرفة التنزيل والتأويل جميعاً.
نعم لا نتحاشا القول بأنهم في بد مجابهتهم للمتشابهات يقفون لديها، وقفة المتأمل فيها، حيث المتشابه متشابه على الجميع على سواء، لولا أنهم بفضل جهودهم في سبيل كشفها وإرجاعها إلى محكمات الآيات صاروا يعرفونها في نهاية المطاف فعجزهم البادئ كان من فضل رسوخهم في العلم، بأن المتشابه كلام صادر ممن صدر عنه المحكم، فزادت رغبتهم في معرفتها بالتأمل فيها والاستمداد من اللّه في العلم بها، ومن جد في أمر وجده بعون اللّه.
فوجه تناسب استشهاده (ع) بهذه الآية بشأن الصفات محضا، هو العجز البادئ لدى المتشابهات، يقربه الراسخون في أول مجابهتهم للمتشابهات، وإن كان الأمر يفترق في نهاية المطاف.
قال ابن أبي الحديد: إن من الناس من وقف على قوله:(إلا اللّه) ومنهم من لم يقف وهذا القول أقوى من الأول، لأنه إذا كان لا يعلم تأويل المتشابه إلا اللّه لم يكن في إنزاله ومخاطبة المكلفين به فائدة، بل يكون كخطاب العربي بالزنجية، ومعلوم أن ذلك عيب قبيح.
وأما موضع (يقولون) من الإعراب، فيمكن أن يكون نصباً على أنه حال من الراسخين، ويمكن أن يكون كلاماً مستأنفاً، أي هؤلاء العالمون بالتأويل، يقولون: آمنا به.
وقد روي عن ابن عباس أنه تأول آية، فقال قائل من الصحابة: ﴿وما يعلم تأويله إلا اللّه﴾ فقال ابن عباس: (والراسخون في العلم) وأنا من جملة الراسخين (4).
ونحن قد تكلمنا عن هذه الآية بتفصيل وتوضيح، عند الكلام عن متشابهات القرآن، فراجع (5).


1- آل عمران / 7.
2- الخطبة رقم91 نهج البلاغة وبحار الانوار، ج4، ص 277.
3- راجع: منهاج البراعة للرأوندي، ج1، ص 382 وابن ابي الحديد، ج6، ص 404 وابن ميثم البحراني، ج2، ص 330، شرح الخطبة والمنهاج للخوئي، ج6، ص 310.
4- شرح النهج لابن ابي الحديد، ج6، ص 404  405.
5- التمهيد، ج3، ص 35  49.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد