قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

سبب نسخ صدقة النجوى وحكمته

 

لا ريب في أن إعراضهم - المسلمين- عن المناجاة يفوت عليهم كثيرا من المنافع والمصالح العامة. ومن أجل حفظ تلك المنافع رفع الله عنهم وجوب الصدقة بين يدي المناجاة تقديما للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وعلى النفع الخاص بالفقراء، وأمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله ورسوله. وعلى ذلك فلا مناص من الالتزام بالنسخ، وأن الحكم المجعول بالآية الأولى قد نسخ وارتفع بالآية الثانية. ويكون هذا من القسم الأول من نسخ الكتاب - أعني ما كانت الآية الناسخة ناظرة إلى انتهاء أمد الحكم المذكور في الآية المنسوخة ومع ذلك فنسخ الحكم المذكور في الآية الأولى ليس من جهة اختصاص المصلحة التي اقتضت جعله بزمان دون زمان إذ قد عرفت أنها عامة لجميع أزمنة حياة الرسول صلى الله عليه وآله إلا أن حرص الأمة على المال، وإشفاقها من تقديم الصدقة بين يدي المناجاة كان مانعا من استمرار الحكم المذكور ودوامه، فنسخ الوجوب وأبدل الحكم بالترخيص.

 

وقد يعترض

أنه كيف جعل الله الحكم المذكور وجوب التصدق بين يدي النجوى مع عامه منذ الأزل بوقوع المانع!؟؟

 

والجواب

أن في جعل هذا الحكم ثم نسخه - كما فعله الله سبحانه - تنبيها للأمة، وإتماما للحجة عليهم. فقد ظهر لهم ولغيرهم بذلك أن الصحابة كلهم آثروا المال على مناجاة الرسول الأكرم، ولم يعمل بالحكم غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وترك المناجاة وإن لم يكن معصية لله سبحانه، لان المناجاة بنفسها لم تكن واجبة، ووجوب الصدقة كان مشروطا بالنجوى، فإذا لم تحصل النجوى فلا وجوب للصدقة ولا معصية في ترك المناجاة، إلا أنه يدل على أن من ترك المناجاة يهتم بالمال أكثر من اهتمامه بها.

 

حكمة تشريع صدقة النجوى

وفي نسخ هذا الحكم بعد وضعه ظهرت حكمة التشريع، وانكشفت منة الله على عباده، وبان عدم اهتمام المسلمين بمناجاة النبي الأكرم، وعرف مقام أمير المؤمنين عليه السلام من بينهم. وهذا الذي ذكرناه يقتضيه ظاهر الكتاب،  وتدل عليه أكثر الروايات. وأما إذا كان الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى أمرا صوريا امتحانيا - كأمر إبراهيم بذبح ولده - فالآية الثانية لا تكون ناسخة للآية الأولى نسخا اصطلاحيا، بل يصدق على رفع ذلك الحكم الإمتحاني:  النسخ بالمعنى اللغوي.

ونقل الرازي عن أبي مسلم: أنه جزم بكون الأمر امتحانيا، لتمييز من آمن إيمانا حقيقيا عمن بقي على نفاقه فلا نسخ. وقال الرازي: "وهذا الكلام حسن ما به بأس"

وقال الشيخ شرف الدين: إن محمد بن العباس ذكر في تفسيره سبعين حديثا من طريق الخاصة والعامة تتضمن أن المناجي للرسول هو أمير المؤمنين عليه السلام دون الناس أجمعين. . . ونقلت من مؤلف شيخنا أبي جعفر الطوسي هذا الحديث ذكره أنه في جامع الترمذي، وتفسير الثعلبي بإسناده عن علقمة الانماوي يرفعه إلى علي عليه السلام أنه قال: "بي خفف الله عن هذه الأمة لان الله امتحن الصحابة، فتقاعسوا عن مناجاة الرسول، وكان قد احتجب في منزله من مناجاة كل أحد إلا من تصدق بصدقة، وكان معي دينار، فتصدقت به، فكنت أنا سبب التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالآية، ولو لم يعمل بها أحد لنزل العذاب، لامتناع الكل من العمل بها"

أقول: إن هذه الرواية لا وجود لها في النسخة المطبوعة من جامع الترمذي ولم أظفر بشئ من نسخة القديمة المخطوطة، ولم أظفر أيضا بتفسير الثعلبي الذي نقل عنه في جملة من المؤلفات، ولا أعلم بوجوده في مكان. وكيف كان فلا ريب في أن الحكم المذكور لم يبق إلا زمنا يسيرا ثم ارتفع، ولم يعمل به أحد غير أمير المؤمنين عليه السلام وبذلك ظهر فضله، سواء أكان الأمر حقيقيا أم كان امتحانيا.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد