قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الحكيم
عن الكاتب :
عالم فقيه، وأستاذ في الحوزة العلمية .. مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، استشهد سنة٢٠٠٣

الشبهة حول إعجاز القرآن (1)


السيد محمد باقر الحكيم

لقد أثيرت حول إعجاز القرآن الكريم -من قبل المستشرقين والمبشرين- شبهات كثيرة نظراً لأهمية هذا البحث وعظمه الأهداف التي يحققها.......
وسوف نرى في أكثر الشبهات الآتية أن نقد القرآن الكريم فيها يعتمد على ملاحظة الأسلوب البلاغي له فحسب لغرض إسقاط هذا الدليل الذي يعتمد عليه أحياناً في إثبات إعجاز القرآن.
ويمكن تقسيم الشبهات الآتية إلى قسمين رئيسين : الأول الشبهات التي تحاول أن تبرز جانب النقص والخطأ في الأسلوب والمحتوي القرآني، والثاني الشبهات التي تحاول أن تثبت أن القرآن الكريم ليس معجزة لقدرة البشر على الإتيان بمثله.

القسم الأول من الشبهات حول إعجاز القرآن :

الشبهة الأولى :
إن الإعجاز القرآني يرتكز بصورة رئيسية على الفصاحة والبلاغة القرآنية ونحن نعرف أن العرب قد وضعوا قواعد وأسساً للفصاحة والبلاغة والنطق تعتبر هي المقياس الرئيسي في تمييز الكلام البليغ من غيره. وبالرغم من ذلك نجد في القرآن الكريم بعض الآيات التي لا تنسجم مع هذه القواعد بل تخالفها الأمر الذي يدعونا إلى القول بأن القرآن الكريم ليس معجزاً لأنه لم يسر على نهج القواعد العربية وأصولها. وتسرد الشبهة بعض الأمثلة لذلك.
ويمكن أن تناقش هذه الشبهة بأسلوبين رئيسيين :
الأول : ملاحقة الأمثلة والتفصيلات التي تسردها الشبهة وبيان انطباقها مع القواعد العربية المختلفة وانسجامها معها. وملاحظة شتى القراءات القرآنية التي يتفق الكثير منها مع هذه القواعد، بالشكل الذي لا يبقي مجالاً لورود الشبهة عليها. وقد قام العلامة البلاغي بجانب من ذلك.
الثاني : مناقشة أصل الفكرة التي تقوم عليها الشبهة ومدى إمكان الاعتماد عليها في الطعن بإعجاز القرآن وهذا ما سوف نقوم به في هذا البحث وذلك بملاحظة الأمرين التاليين :
أ - أن تأسيس قواعد اللغة العربية كان في وقت متأخر على نزول القرآن الكريم وفي العصور الأولى للدول الإسلامية بعد أن ظهرت الحاجة إليها بسبب التوسع الإسلامي الذي أدى إلى اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب. وقد كان الهدف الرئيسي لوضع هذه القواعد هو الحفاظ على النص القرآني ولغته. وقد اتبعت في استكشاف هذه القواعد طريقة ملاحظة النصوص العربية الواردة قبل هذا الاختلاط أو التي لم تتأثر به. فلم تكن عملية وضع القواعد عملية تأسيس واختراع من قبل واضعي اللغة العربية وإنما هي عملية استكشاف لما كان العرب يتبعه من أساليب في البيان والنطق خلال كلامهم ولذا كان الكلام العربي الأصيل هو الذي يتحكم في صياغة القاعدة وتفصيلاتها.
ولا شك أن القرآن الكريم كان أهم تلك المصادر التي اعتمد عليها واضعو هذه القواعد في صياغتها وتأسيسها لأنه أوثق المصادر العربية والكلام البليغ الذي بلغ القمة.
وعلى هذا الأساس التاريخي لوجود قواعد اللغة العربية يجب أن يكون الموقف تجاهها أن نجعل القرآن هو القياس الذي يتحكم في صحتها وخطئها لا أن نجعل القواعد مقياساً نحكم به على القرآن. لأن القاعدة العربية وضعت على ضوء الأسلوب القرآني فإذا ظهر أنها خلاف هذا الأسلوب، يكشف ذلك عن وقوع الخطأ في عملية استكشاف القاعدة نفسها.
ب - ثم إذا لاحظنا موقف العرب المعاصرين للقرآن الكريم - وهم ذوو الخبرة والمعرفة الفائقة باللغة العربية - وجدناهم قد أذغنوا واستسلموا للبلاغة القرآنية وتأثروا بها وذلك إيماناً منهم بأنه يسير على أدق القواعد والأساليب العربية في البيان والتعبير، ولو كان في القرآن الكريم ما يتنافى مع قواعد اللغة العربية وأصولها لكان من الجدير بهؤلاء الأعداء أن يتخذوا ذلك وسيلة لنقد القرآن ومنفذاً للطعن به.

الشبهة الثانية :
إن القرآن قد تحدث عن قصص الأنبياء كما تحدثت الكتب الدينية الأخرى كالتوراة والإنجيل عنها وعند المقارنة بين ما ذكره القرآن وما ورد في التوراة والإنجيل نجد القرآن يخالف تلك الكتب في حوادث كثيرة ينسبها إلى الأنبياء وأممهم الأمر الذي يجعلنا نشك في أن يكون مصدر القرآن الوحي الإلهي لسببين :
الأول : إن هذه الكتب من الوحي الإلهي الذي اعترف به القرآن وإذا كان القرآن وحياً إلهياً أيضاً فلا يمكن أن يناقض الوحي نفسه في الإخبار عن حوادث تاريخية واقعية.
الثاني : إن هذه الكتب لازالت تتداولها أمم هؤلاء الأنبياء وهم بطبيعة ارتباطهم الديني والاجتماعي بأنبيائهم لابد وأن يكونوا أدق اطلاعاً على أحوالهم من القرآن الذي جاء في أمة ومجتمع منفصل عن تاريخ هؤلاء الأنبياء.
وهذه الشبهة - كسابقتها - لا يمكن أن تصمد للمناقشة إذا عرفنا أن هذه الكتب الدينية قد تعرضت للتحريف والتزوير - كما سوف نتعرض إلى ذلك في بحث مستقل - وكان أحد أسباب التحريف هو الانفصال التأريخي الذي وقع بين الأنبياء وأممهم الأمر الذي جعلهم غير قادرين على الاحتفاظ الديني. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن أمم هؤلاء الأنبياء والجماعات التي نزلت فيهم هذه الكتب.

بالإضافة إلى أن ملاحظة محتوى الخلاف بين القرآن الكريم والكتب الدينية الأخرى يدعونا بنفسه للإيمان بصدق القرآن الكريم، بعد أن نجد التوراة والإنجيل يذكران في قصص هؤلاء الأنبياء مجموعة من الخرافات والأوهام يتجاوزها القرآن الكريم، وينسبان إلى الأنبياء أعمالاً ومواقف لا يصح نسبتها إليهم ولا تليق برسل اللّه والقوّام على شريعته ودينه بل لا تليق بمصلحين عاديين من عامة البشر كما يتبين ذلك بوضوح عند المقارنة بين القرآن والكتب الدينية الأخرى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد