الشيخ محمد هادي معرفة
يقول القاضي عبدالجبار في كتابه (تنزيه القرآن عن المطاعن): وربما قيل في قوله تعالى: ﴿يا أختَ هارونَ﴾: كيف يصح أن يقال لها ذلك وبينها وبين هارون أخي موسى الزمان الطويل؟ وجوابنا أنه ليس في الظاهر أنه هارون الذي أخو موسى، بل كان لها أخ يسمى بذلك، وإثبات الاسم واللقب لا يدل على أن المسمى واحد.
وقد قيل: كانت من ولد هارون، كما يقال للرجل من قريش يا أخا قريش.
ويشرح المبشرون هذه الناحية ويقولون: ورد في سورة مريم: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ (1).
يبدو من هذه الآية أن محمداً كان يرى أن مريم كانت أخت هارون أخي موسى. ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً وجلاءً ما ورد في سورة التحريم ونصه: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ (2)، وفي سورة آل عمران: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ (3).
فلا شك أن محمداً توهم أن مريم أخت هارون التي كانت أيضاً ابنة عمران (عمرام) هي مريم نفسها التي صارت أم يسوع (المسيح عيسى) بعد ذلك بنحو ألف وخمسمئة وسبعين سنة.
وهذا خطأ جسيم، لأنه لم يقل أحد من اليهود أن مريم أخت هارون وابنة عمران بقيت على قيد الحياة إلى أيام المسيح.
هكذا وهم تسدال ومن حذا حذوه من المبشرين! لكنه وهم فاحش، إذ كيف يمكن أن يخفى مثل هذا الفصل البيّن بين موسى والمسيح (ع) على العرب العائشين في جوار اليهود وبين أظهرهم طيلة قرون، وكذا مراودتهم مع نصارى نجران والأحباش، فضلاً عن نبيّ الاسلام النابه البصير، ليتصور من مريم أم المسيح هي مريم أخت موسى وهارون!
إذ مَن يعرف أن لموسى وهارون أختاً اسمها مريم، لا يمكنه الجهل بهذا الفصل الزمني بين مريمين!
ثم كيف يسكت اليهود - وهم ألدّ أعداء الاسلام - على هذا الخطأ التاريخي الفاحش ولم يأخذوه شنعة على القرآن والاسلام؟
هذا وقد وقع التساؤل عن هذا التشابه على عهد الرسول (ص) على ما نقله السيد رضي الدين ابن طاووس عن كتاب (غريب القرآن) لعبدالرحمن بن محمد الأزدي الكوفي (من كبار رجال القرن الثالث) بإسناده إلى المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله (ص) إلى أهل نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرأون ﴿يا أختَ هارونَ﴾، وهارون أخو موسى، بينه وبين عيسى المسيح بكذا وكذا؟ قال: فرجعت وذكرت ذلك لرسول الله (ص)، فقال: ألا أخبرتهم (أو قلت لهم) أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم!
وهكذا أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن المغيرة بن شعبة.. الحديث.
نعم، وهمت عائشة أنها أخت هارون أخي موسى، فنبهها كعب الأحبار بأنها غيرها، والفصل الزمني بينهما كبير. وإنما هو من تشابه الأسماء، فرجعت عن زعمها.
وذكر كعب أن الفصل الزمني بينهما ستمئة سنة. ولعله من حذف الألف في نقل الرواة.
إذن لم يكن ذلك خافياً على أهل النباهة ذلك العهد وهكذا طول عهد الاسلام، حتى يأتي تسدال وأضرابه من أهل السفاسف في مؤخرة الزمان ليجعلوه شنعة على القرآن الكريم!!
والخلاصة، أن التسمية باسم الآباء والأمهات تشريفاً بهم، شيء معروف كما جاء في كلام الرسول (ص) ولا سيما وهارون كان سيد قومه مهاباً عظيماً له شأن في بني إسرائيل.
وهو أول رأس الكهنة الذي ترأس في اللاويين أكبر قبائل بني إسرائيل.
أضف إليه إن أم مريم - وهي أخت اليصابات أم يحيى - كانت من سبط لاوى من نسل هارون. فهي من جهة الأم منتسبة إلى هارون، فالتعبير بأخت هارون، معاتبة لها، حيث علم أخذها بحرمة هذا النسب العالي. وهذا كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللهاشمي: يا أخا هاشم.. روي ذلك (انتسابها إلى هارون) عن السدي.
وهذا لا ينافي أن تكون مريم من جهة الأب منتسبة إلى داود من سبط يهوذا. لأن العقاب إنما يقع بأشرف الأبوين.
وهناك احتمال: أنها شبهت بمريم أخت هارون وموسى، لمكان قدستها وكانت ذات وجاهة عند قومها. وكانت تدعى أيضاً بأخت هارون. ويعبر عنها بالنبية كهارون أخيها. وكانت أكبر من موسى بعشر سنين، وهي التي قالت لها أمها: قصّيه، عندما قذفت بتابوت موسى في النيل.
والمعنى: أنك تماثلين الصديقة مريم أخت موسى وهارون، فكان جديراً بك المحافظة على هذا المقام.
________________________________________
1- مريم/27-28.
2- التحريم/12.
3- آل عمران/35.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع