الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تقول الآية (34) من سورة لقمان: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
لقد حصرت هذه الآية الأشياء التي لا يعلمها أو يعرفها إلا الله في خمسة هي:
-1 زمن قيام الساعة.
-2 وقت نزول المطر.
-3 نوع الجنين الذي في بطن الأم.
-4 ما يخبئ المستقبل للإنسان.
-5 ساعة الموت.
وهنا قد يسأل سائل: كيف يمكن أن ندّعي انحصار تلك الأمور بالله عزّ وجلّ فحسب، في حين نرى أن مؤسسة الأحوال الجوية تطلعنا على وقت نزول الأمطار في مناطق مختلفة، كما أن المتخصصين في التصوير بالأمواج الصوتية يستطيعون باستخدام أجهزة متطورة أن يحددوا جنس الجنين، ذكراً أو أنثى، بل إن بعض أولياء الله عزّ وجلّ مطّلعون على ساعة حلول أجلهم، كما أن الإمام الحسين عليه السلام طبقاً للروايات التي وصلت إليه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يعلم أنه سيستشهد في أرض كربلاء؟ فكيف يمكن الجمع بين هذه الأمور؟
نقول في جواب هذا السؤال ما يلي:
إن العلم على قسمين:
-1 إجمالي.
-2 تفصيلي.
*العلم التفصيلي علم الله
إذ من الممكن للإنسان أن يعلم إجمالاً بعضاً من هذه الأمور الخمسة، وتكون له معلومات إجمالية حولها، ولكن المعرفة التفصيلية بتلك الأمور ليست إلا بيد الله عزّ وجلّ، فالناس يتوقعون مثلاً أن تهطل الأمطار في نقطة معينة من الأرض، وألا تهطل في نقطة أخرى، ولكن هل يعلمون مقدار المطر الذي سوف ينزل وعدد قطرات المطر التي سوف تهطل فيها وباقي التفصيلات الأخرى المتعلقة بهذه الأمور؟ من الممكن للناس، أحياناً، أن يتوقعوا جنس الجنين الفلاني ذكراً أو أنثى، ولكن هل يستطيعون أن يحدِّدوا أن هذا الجنين الذي توقعوه سوف يكون جميلاً أو قبيحاً؟ أو أن يكون حسوداً أو لا؟ أو سوف يكون رياضياً أو لا؟ أو سوف يكون ذكياً حاذقاً أو لا؟ وهل سوف ينجح في حياته أو لا؟ لا شك أن مثل هذه التفصيلات والتي يطلق عليها العلم التفصيلي لا يعلمها إلا الله. نعم من الممكن للإنسان أن يقول إنني سوف أذهب غداً إلى شغلي ومحل عملي كالعادة، ولكن هل يستطيع أن يعلم كم عدد الأشخاص الذين سوف يؤمون مكان عمله؟ وكم شخصاً منهم سوف يشتري؟ وكم منهم سوف يترك محله راضياً؟ وكم سيكون دخله غداً؟ وما الذي سيجري معه من حوادث يوم غد؟ لا شك أن الله عزّ وجلّ فقط يعلم تفصيلات هذه الأمور. وحول ساعة موت الإنسان وتاريخ موته، فإن كان بعض الأفراد مطَّلعين على ساعة أجلهم، فإنهم ليسوا على اطلاع على تفصيلات ذلك.
والشاهد على ما ذكر حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول بعد ذكره الآية الشريفة في آخر سورة لقمان: "فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، وقبيح وجميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد، ومن يكون للنار حطباً أو في الجنان للنبيين مرافقاً، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله"(1).
وبالنتيجة: إنَّ ما ذكر من اختصاص علم الله عزّ وجلّ بهذه الأمور الخمسة التي وردت في الآية (34) من سورة لقمان، فإنَّه علم تفصيلي من قبله أما علم الآخرين بها فهو إجمالي، لذا فإنه لا يوجد أحد إلا الله يعلم علماً تفصيلياً بهذه الأمور الخمسة.
*ما هو علم الغيب؟
إن الغيب بمعنى الأمور الخافية. وعلم الغيب هو معرفة تلك الأمور الخفية والخافية. وقد يتعلَّق علم الغيب أحياناً بأمور خافية ماضية، مثل استخدام علم الغيب في معرفة أحوالٍ وتاريخ وحياةٍ وسيرةٍ وحوادث مرت في التاريخ الفلاني بالملك الفلاني الذي لم يسجل التاريخ عنه شيئاً. وأحياناً يتعلق علم الغيب بأمور خافية في العصر الحاضر مثل الاستفادة من علم الغيب لمعرفة ما يقوم به شخص ما بعيداً عن الأعين في منزله، أو ماذا يخزّن من بضائع ومواد في مخزنه. وأحياناً يتعلَّق علم الغيب بالمستقبل، كأن يتساءل الإنسان ما الذي سوف يجري من أمور بعد عشر سنوات؟ وهل سوف تندلع حرب عالمية ثالثة؟ وهل سوف تحدث واقعة مهمّة في المستقبل؟
النتيجة: علم الغيب هو معرفة الأمور الخافية سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
*الأنبياء والأولياء وعلم الغيب
وهنا يُطرح سؤال: هل تمتّع الأنبياء والأئمة وأولياء الله بشيء من علم الغيب؟ أو أنّ علم الغيب ومعرفته محصور بالله عزّ وجلّ؟
الجواب: إنَّ الآيات القرآنية في هذا المجال كثيرة، ومتنوعة، فطائفة منها حصرت ذلك الأمر بالله عزّ وجلّ، ولكن طائفة أخرى يستفاد منها أنه كان للأنبياء والأولياء حظ من ذلك، وسوف نبدأ بطرح آيات من كل طائفة، ومن ثم سوف نحكم على كل حالة منها:
أ- الطائفة الأولى: علم الغيب محصور بالله عزّ وجلّ:
1- نفى رسول الله صلى الله عليه وآله –كما في الآية (31) من سورة هود- عن نفسه معرفة علم الغيب فيقول تعالى معبراً عن ذلك ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
2- في الآية الشريفة 179 من سورة آل عمران، نفى تعالى علم الغيب عن الجميع بدون استثناء، فيقول تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾. النتيجة: من الآيتين أعلاه والآيات المشابهة لهما، أن علم الغيب محصور بالله عزّ وجلّ، ولا حظ لأي شخص فيه.
ب- الطائفة الثانية: لغير الله عزّ وجلّ حظ من علم الغيب:
بناءً على طائفة من آيات القرآن الكريم كان لبعض الأنبياء السابقين علم بالغيب، فإن كان للأنبياء السابقين علم بالغيب فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام من بعده حظ من ذلك أيضاً، ولنشر إلى بعض من تلك الآيات: طبق الآية الشريفة (49) من سورة آل عمران، ادّعى نبي الله عيسى عليه السلام علم الغيب، يقول تعالى: ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. وبناءً على هذه الآية الكريمة، فقد كان لنبي الله عيسى معجزات منها: أنَّه كان يعلم أموراً خافية على الناس في عصره، إذ كان يستطيع أن يخبر عن الأطعمة التي يأكلونها وما يدّخرونه في بيوتهم. لذا فإن أحد الأنبياء والرسل من أولي العزم أي عيسى عليه السلام كان له حظ من علم الغيب. في قصة سيدنا موسى عليه السلام والخضر عليه السلام التي ورد تفصيلها في سورة الكهف، كان للخضر عليه السلام حظ من علم الغيب، مع العلم بأنه ليس من الرسل والأنبياء وأولي العزم، فهل يمكن أن يكون لمثل هؤلاء حظ من علم الغيب، في حين أن خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون له حظ من ذلك؟
بالإضافة إلى عدد من الأنبياء سواء من أولي العزم أو غيرهم، يوجد أشخاص عاديون يعلمون أموراً غيبية بإذن الله، إذ كيف يمكن لأم موسى أن تلقي بمهد طفلها الرضيع في مياه النيل المضطربة؟ ألم تكن قد توصلت عن طريق الإلهام الإلهي في نفسها إلى معرفة مستقبل ولدها موسى؟ يقول تعالى حول هذا في الآية الشريفة (7) من سورة القصص: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
وبالتالي فإن هناك طائفتين من آيات القرآن الكريم حول علم الغيب، إحداهما تحصر علم الغيب بالله عزّ وجلّ وتنفيه عن الآخرين، والطائفة الأخرى تثبته للأنبياء من أولي العزم وحتى لغير الأنبياء، عندها ما موقفنا تجاه هذه الآيات؟ إن الجواب عن هذا السؤال وكيفية تفسير هاتين الطائفتين من آيات القرآن الكريم، ورد في آيات أخرى من القرآن الكريم، ويجب عندها أن نفسر القرآن بالقرآن. في الآيتين الشريفتين (26 و27) من سورة الجن نقرأ قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾.
ومعنى هاتين الآيتين أن من يعلم الغيب هو الله عزّ وجلّ فحسب، ولكن من الممكن للأنبياء والأولياء أن يطلعوا عليه بتعليم من الله، لذا فإن المقصود من الطائفة الأولى من الآيات التي حصرت علم الغيب بالله، هو ذلك العلم الذي علّمه الله عزّ وجلّ لأنبيائه وأوليائه.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع